دعوات عربية لضبط النفس... والسعودية تدعو المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته

تحذيرات في البحرين من إثارة الفتنة وإخوان السودان يدينون ويحذرون من حرب شاملة

تظاهرة احتجاجية ضد قتل قاسم سليماني أمام قنصلية الولايات المتحدة في لاهور الباكستانية أمس (أ.ب)
تظاهرة احتجاجية ضد قتل قاسم سليماني أمام قنصلية الولايات المتحدة في لاهور الباكستانية أمس (أ.ب)
TT

دعوات عربية لضبط النفس... والسعودية تدعو المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته

تظاهرة احتجاجية ضد قتل قاسم سليماني أمام قنصلية الولايات المتحدة في لاهور الباكستانية أمس (أ.ب)
تظاهرة احتجاجية ضد قتل قاسم سليماني أمام قنصلية الولايات المتحدة في لاهور الباكستانية أمس (أ.ب)

توالت ردود الفعل العربية، في أعقاب مقتل قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، وسط دعوات بضرورة «تفادي التصعيد، والهدوء، وضبط النفس».
ودعت المملكة العربية السعودية إلى «أهمية ضبط النفس، لتفادي تفاقم الأوضاع بما لا تحمد عقباه»، وذلك على إثر متابعتها للأحداث في العراق. كما طالبت المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته، واتخاذ الإجراءات اللازمة، لضمان أمن واستقرار المنطقة الحيوية للعالم أجمع، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية.
ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول، قوله إن «المملكة تابعت الأحداث في العراق الشقيق، والتي جاءت نتيجة لتصاعد التوترات والأعمال الإرهابية التي شجبتها وحذرت المملكة فيما سبق من تداعياتها... ومع معرفة ما يتعرض له أمن المنطقة واستقرارها من عمليات وتهديدات من قبل الميليشيات الإرهابية تتطلب إيقافها، فإن المملكة وفي ضوء التطورات المتسارعة، تدعو إلى أهمية ضبط النفس لدرء كل ما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع بما لا تحمد عقباه».
وفي أبوظبي دعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الدكتور أنور قرقاش، أمس، إلى «معالجة سياسية للموقف، بعيداً عن التصعيد، وذلك في أعقاب مقتل سليماني». وقال قرقاش في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، لا بد من تغليب الحكمة والاتزان، وتغليب الحلول السياسية على المواجهة والتصعيد».
وفي مصر، أكدت وزارة الخارجية أنها «تتابع بقدر كبير من القلق التطورات المتسارعة للأحداث في العراق، والتي تنذر بتصعيد للموقف»... ولهذا فإنها تدعو لاحتواء الموقف وتفادي أي تصعيد جديد. وأشارت وزارة الخارجية في بيان لها أمس، إلى أنها «ترى أن احتواء الموقف يتطلب الوقف الفوري لكل أنواع التدخلات الإقليمية في شؤون الدول والشعوب العربية، والتي لم تؤد سوى لإذكاء الفرقة والتوتر بين أبنائها التواقين إلى السلام والاستقرار».
وفي الكويت، قال رئيس مركز التواصل الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الكويتية طارق المزرم، أمس، إن «حكومته تتابع باهتمام وقلق بالغين التطورات الإقليمية المتسارعة والأحداث الأخيرة وانعكاساتها على المنطقة».
ودعت وزارة الداخلية البحرينية المواطنين والمقيمين في مملكة البحرين إلى عدم التعاطي مع حسابات التواصل الاجتماعي التي تسعى لإثارة الفتنة وتدار من خارج البحرين. وأكدت وزارة الداخلية البحرينية أنها ستتخذ جميع الإجراءات القانونية بحق كل من يخالف النظام العام ويسعى إلى شق الصف الوطني ويساهم في إثارة الفتنة.
وقالت وزارة الداخلية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) بعد إعلان مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، إنه وفي ظل الأحداث الأخيرة والتطورات الإقليمية المتسارعة، رصدت «مكافحة الجرائم الإلكترونية»، حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف إثارة الفتنة وتهديد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي وزعزعة الأمن والاستقرار في البحرين، تدار من خارج البلاد، ويجب عدم التعاطي معها.
وقالت وزارة الداخلية البحرينية إنها ستتخذ الإجراءات القانونية المقررة تجاه كل من يستخدم حسابات التواصل الاجتماعي في مخالفة النظام العام ويتعاطى مع هذه الحسابات ويقوم بتزويدها بالمعلومات المغلوطة من داخل البلاد أو الترويج لرسائلها المشبوهة.
كما دعت كل المواطنين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، للابتعاد عن كل الخطابات التي تشق الصف الوطني مع ضرورة توخي الحيطة والحذر، وتحري المصداقية عند نشر أي معلومة وعدم إعادة نشر ما يروج من ادعاءات.
وفي الخرطوم أثارت إدانة «حزب المؤتمر الشعبي» في السودان للعملية الأميركية التي أسفرت عن مقتل رجل الحرس الثوري الإيراني الشهير «قاسم سليماني»، الدهشة بين نشطاء وسياسيين، واعتبروها تأكيداً لاستمرار العلاقة السرية بين «الإخوان المسلمين السودانيين» وحكومة طهران.
وتربط الحزب، الذي أسسه زعيم الحركة الإسلامية السودانية - الاسم المحلي لحركة الإخوان المسلمين - حسن الترابي، علاقة متينة بدولة إيران منذ أيام ثورة الخميني نهاية سبعينات القرن الماضي.
وسخر نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي السودانية من البيان، واعتبروه «هروباً» من الاهتمام بالقضايا السودانية والاهتمام بالقضايا الإسلاموية، واعتبروه امتداداً للعلاقة التاريخية بين إسلاميي السودان وحكومة طهران التي بدأت منذ الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي سبعينات القرن الماضي.
وقال الحزب في بيان، أمس، إن العملية «جريمة غير مسبوقة»، و«اعتداء» على سيادة الدول، واستهداف لـ«قيادات دولية يستوجب توفير الحصانة الواجبة والحماية اللازمة لهم، لما يمثلونه من سيادة وفقاً للأعراف والمواثيق الدولية»، ودعا من سماها «القوى المعتدية» ودول المنطقة لضبط النفس ووقف التصعيد وتجنيب المنطقة شبح الحرب الشاملة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.