الأوضاع الاقتصادية تدفع بكثير من أهالي غزة إلى المؤسسات الإغاثية

أظهرت إحصاءات «الاتحاد العام لعمال فلسطين» أن 60 % من القطاع يتلقى مساعدات

الأوضاع المعيشية لسكان غزة صعبة جداً  بسبب محدودية فرص العمل (الشرق الأوسط)
الأوضاع المعيشية لسكان غزة صعبة جداً بسبب محدودية فرص العمل (الشرق الأوسط)
TT

الأوضاع الاقتصادية تدفع بكثير من أهالي غزة إلى المؤسسات الإغاثية

الأوضاع المعيشية لسكان غزة صعبة جداً  بسبب محدودية فرص العمل (الشرق الأوسط)
الأوضاع المعيشية لسكان غزة صعبة جداً بسبب محدودية فرص العمل (الشرق الأوسط)

يضرب الشاب معاذ زعرب (30 عاماً) الكفّ بالكفّ ألماً وانزعاجاً من الحال التي وصلت إليها عائلته المكونة من 5 أفراد، بعدما فقد مصدر رزقه الوحيد الذي كان يعمل من خلاله بائعاً للملابس في أحد المتاجر حتى 6 أشهر ماضية، عندما أنهى مالك المحل تجارته؛ نتيجة تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السكان في غزة.
يقول الشاب الذي يقطن غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أن أُغلق المتجر الذي كنت أتقاضي منه دخلاً شهرياً يقارب 300 دولار، لم يدخل إلى بيتي أي مال أو مساعدة، وصرت عاجزاً عن توفير المستلزمات التي يطلبها أبنائي الثلاثة»، لافتاً إلى أنّه قصد خلال الفترة الماضية عدداً من الجهات طلباً لفرصة عمل أو لإعانة، من دون فائدة.
ويلفت الثلاثيني إلى أنّه لا يتقاضى أي مساعدات غذائية أو غيرها، من وكالة الغوث الدولية (أونروا) التابعة لهيئة الأمم المتحدة، ويرغب في الحصول على مساعدات من أي منظمة أخرى، لكنه غير مصنف في سجلات «اللاجئين الفلسطينيين»، ويقول إنّ صاحب البيت هدده مراتٍ كثيرة بالطرد، إذا لم يدفع المستحق عليه، وهو لا يعلم حتّى هذه اللحظة ما يجب عليه فعله، ليكون هو وأسرته بأمانٍ وكرامة.
وبحسب البيانات المُعلنة من قبل الـ«أونروا»، يبلغ عدد المستفيدين من الخدمات والمساعدات التي تقدمها في قطاع غزة، نحو 1.4 مليون شخص وهو العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين القاطنين في القطاع، وأظهرت الإحصاءات التي أصدرها مؤخراً الاتحاد العام لعمال فلسطين، أنّ نحو 60 في المائة من أهالي غزة، يتلقون المساعدات من المؤسسات المختلفة التي تشمل الجمعيات والحملات الإغاثية، المحلية منها والدولية.
وضع زعرب، ليس خاصاً به في قطاع غزة الذي تتراجع فيه الحالة المعيشية بصورة دائمة، ويظهر ذلك من خلال فقدان آلاف العائلات مصادر رزقهم، بسبب التدخلات الإسرائيلية التي تؤدي لتدمير المنشآت الاقتصادية وتفكيكيها، وإغلاق المعابر ومنع دخول كثير من المواد اللازمة لعمل المصانع والإنتاج الزراعي. كما أن هناك سبباً آخر يتمثل في العقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على حركة «حماس» الحاكم الفعلي للقطاع، والتي تشمل خصومات من رواتب الموظفين وعلى المخصصات الدورية للقطاعات الحيوية، مثل الصحة والتعليم والكهرباء.
بدوره؛ يؤكّد رئيس «جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين» في غزة علي الحايك لـ«الشرق الأوسط»، أنّ معظم القطاعات المحلية تشهد انهياراً خطيراً، ينعكس بصورة مباشرة على الأسر الصغيرة، التي صارت اليوم ضحية للظروف المحيطة، لافتاً إلى أنّ الأعوام الماضية شهدت وصول الحالة المعيشية بشكل عام في قطاع غزة إلى حالة الموت السريري، وفقاً لما صدر عن المؤسسات الدولية والمحلية العاملة، التي لطالما تحدثت عن زيادة أعداد الفقراء في سجلاتها.
وفي شمال قطاع غزة، قصّة أخرى عاشها أبو يونس (41 عاماً)، الذي كان يملك سلسلة محال تجارية في مناطق مختلفة، تختص ببيع المواد الغذائية، لكنّه وبعد أن تعرض لخساراتٍ متتالية في السنوات الخمس الأخيرة، صار لا يخرج من بيته إلّا للضرورة القصوى، لأنّ خروجه يعرضه لإحراج كبير من الدائنين، وقد أصبح اليوم يتخفى من الأشخاص الذين يتتبعون خطواته لطلب ديونهم المستحقة عليه.
يقول أبو يونس إنه بعد أن كان في عداد رجال الأعمال، أضحى اليوم في عداد الفقراء... «وهذه هي حال العشرات مثلي في البلاد. فقد أثر تضاؤل القدرة الشرائية كثيراً على التجار، والبضائع التي كنا نستوردها أصبحنا نضطر لبيعها بأقل من نصف التكلفة أحياناً، وبضائع أخرى أتلفناها». أبو يونس على مقربة من دخول السجن، لأنّه وقع سابقاً على تعهدات بمبالغ مالية، وحين يحين وقت تسليمها فستقدم الأوراق التي وقّع عليها إلى النيابة العامّة.
يذكر أنّ التقارير الصادرة عن منظمة «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)»، ذكرت أنّ منطقة قطاع غزة قد تصبح غير صالحة للسكن بحلول الأعوام المقبلة، لعدد من الأسباب؛ أهمها التراجع في الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السكان، حيث بلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي في صفوف سكان القطاع إلى 70 في المائة وفقاً لوزارة التنمية الاجتماعية، كما أن نسبة الفقر وصلت خلال عام 2019 إلى نحو 75 في المائة.
داخل مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تقطن نهال زقوت برفقة 7 من أبنائها في منزلٍ منشأ من الصفيح، بعدما فقدت زوجها الذي توفى نتيجة إصابته بمرض عضال، قبل سنتين. تقول: «حاولنا كثيراً قبل الوفاة ولجأنا لجهات عدة، طالبين توفير العلاج أو السفر للخارج، لكن وبسبب تفاقم سوء الأوضاع الصحية واشتداد الحصار، كان الأمر صعباً».
تقول إنّها اليوم لا تملك أي مصدر رزق وإنها في كثير من الأحيان تعاني العجز عن توفير متطلبات الأبناء السبعة، وتعتمد في طعامها وشرابها على ما تحصّله من مساعداتٍ تصل إليها من الجمعيات الخيرية ووكالة الغوث الدولية في منطقتها، مشيرة إلى أنّ متطلبات الحياة تزداد يوماً بعد الآخر ولا وجود لأفقٍ لحلّ يخلصهم من كبد الحياة وعنائها؛ «وهي كذلك بحاجة لمنزل أفضل من ذلك الذي تعيش فيه، والذي لا يقيها وعائلتها حر الصيف ولا برد ومطر الشتاء».
يذكر أنّ البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ذكرت أن 53.2 في المائة من الأسر في غزة حصلت على قروض أو سلف بنكية، في الوقت الذي أنفقت فيه 78 في المائة من هذه القروض على المتطلبات المعيشية، ونحو 21 في المائة على مواد البناء، وهذا يدلل بحسب محللين اقتصاديين، على تراجع المساعدات الدولية التي كانت تقدمها المؤسسات لكثير من العائلات، وعُدّت في ذلك الحين بمثابة مصدر رئيسي لتوفير الاحتياجات اليومية.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).