كارين غيلسون... الحاضرة الغائبة في جهاز العروس العربية

معرض يحتفل بتاريخها ومساهماتها وكتاب يؤرّخ لمسيرتها وعشقها للدانتيل والحرير

TT

كارين غيلسون... الحاضرة الغائبة في جهاز العروس العربية

في مقال له بعنوان «رسام الحياة المعاصرة» The painter of Modern Life كتب تشارلز بودلير بأن «ما يثير الأحاسيس والغرائز ليس الجسد العاري، بل الجسد المكسو... ذلك الذي يغطيه الحرير والمخمل والدانتيل». رأي توافق عليه كارين غيلسون بحماس، مؤكدة أن أول ما تراه العين بالفعل هو القماش وكيف يعانق الجسم أو ينسدل عليه.
لمن لا يعرف كارين غيلسون أو يسمع بها من قبل، فهي مصممة بلجيكية يرتبط اسمها بالدانتيل الذي تنثره على الحرير كقصيدة شعر. ترحل بنا من خلال تصاميمها حيناً إلى حقبة الفن الباروكي، وحيناً آخر إلى حديقة أندلسية غنّاء، وفي كل الحالات تكون الصورة مثيرة تستحضر قصص ألف ليلة وليلة، حيث تتمتع المرأة بقوة ناعمة تقهر بها أعتى الرجال.
ورغم أن اسمها قد لا يكون بشهرة بعض أبناء جيلها من المصممين العالميين، الذين تخرجوا أيضاً في معهد أنتوورب للتصميم، فإنها الحاضرة الدائمة في أعراس الطبقات المخملية والثرية؛ إذ لا يخلو جهاز عروس من ملابسها الداخلية أو المنزلية التي تحاكي الـ«هوت كوتور» بدقتها وح رفيتها وفخامتها، وأيضاً بأسعارها.
لهذا؛ لم يعد غريباً عندما يُذكر الدانتيل في عالم الأزياء الراقية، أن يقفز اسم كارين غيلسون للأذهان. الدليل أن متحف الموضة والدانتيل في بلجيكا طلب منها أن تكون عرابة القسم المخصص للدانتيل البلجيكي في عام 2017، وفي عام 2019، خصص لها المتحف معرضاً خاصاً بعنوان «بيوتيفل لايس وكارين غيلسون» أي (الدانتيل الجميل وكارين غيلسون)، تزامن مع مرور 30 عاماً على انطلاقتها في عالم الموضة من جهة، وتكريماً لإسهاماتها في مجال الدانتيل، من جهة ثانية، كونه نسيجاً يرتبط ببروكسل تاريخياً، ويعتبر أحد عناصر فخرها الوطني.
فمنذ منتصف القرن السابع عشر إلى بداية القرن العشرين، كانت العاصمة البلجيكية، أحد أهم مراكز صناعة نوع فاخر ومتميز منه. تخص به الطبقات الملكية والأرستقراطية في أوروبا. وبما أن كارين هي ابنة بروكسل، فإنها ظلت وفية لهذا الرمز. عن المعرض تقول إنه كان فرصة رائعة بالنسبة لها، ليس لاستعراض تاريخها وعضلاتها في مجال لم يخضه غيرها من المصممين الشباب، بل لفتح حوار مع كل أشكال الدانتيل التي جمعها المتحف طوال عقود. فكل رسمة فيه أو تخريمة تحكي ألف معلومة تاريخية، من كيف كان يستعمل، ومن كان يستعمله، وأين كان ينتج، وأمور أخرى.
التعرف على كارين عن قُرب متعة. في معملها الواقع بالقرب من محطة بروكسل، وهو أيضاً بيتها منذ أكثر من 25 سنة، تكتشف أنها حكواتية من الطراز الأول. تنسج خيوط كل قصة بالدانتيل أو الحرير بحب وشغف؛ فتأخذك إلى عوالم من الزمن البعيد، حين كان الرجل والمرأة، على حد سواء، يتزينان به ويتباهيان برسماته الدقيقة التي كانت ترمز إلى مكانتهما الاجتماعية وقدراتهما المادية.
تُعيد كارين شغفها هذا إلى الطفولة. فقد شبت في حقبة السبعينات من القرن الماضي وكل حواسها ترقص مع تماوجات الحرير الذي يعتبر بالنسبة لها رفيقاً مميزاً للدانتيل. فوالدتها كانت خياطة معروفة لدى سيدات الطبقات المتوسطة والراقية ببروكسل، وكانت الصغيرة كارين تعشق مراقبتهن وهن يُجرين بروفات على فساتين تفصلها لهن والدتها وتحيكها بدقة. لم يكن يخرجن من المعمل إلا بعد حصولهن على قطعة على المقاس، من دون أي سنتمتر زائد أو ناقص. وتعتبر أنها تعلمت من والدتها كيف تجعل الحرير يتماوج بين أصابعها ويتطاير وكأنه ريشة، قبل أن تحوله إلى قطعة تنبض بالحياة. كانت أجمل أوقاتها أيضاً تلك التي تقضيها مع والدتها تتجولان في الأسواق، تبحثان وتُقلبان في أنواع الأقمشة وتنصتان لقصص الباعة والتجار المتخصصين فيه. في هذه الفترة تعلمت كيف تُفرق بين الدانتيل الفخم والعادي، وبين تطريزاته الدقيقة ومصادرها ومعانيها.
هكذا ترسخ جمال الحرير والدانتيل في وجدانها. بعد أن أصبحت صبية، أصبحا وجهان لعملة واحدة، بعد أن شدها كيف يلامسان الجسم ويعانقانه ليفسحا المجال لارتداء قطع خارجية قد تكون أكثر كلاسيكية. تقول كارين إنها هنا اكتشفت كيف تقدم للمرأة قطعة خاصة بها على كل المستويات. فلا أحد غيرها يراها، وبالتالي يمكنها أن تختارها على ذوقها، «فهي أكثر القطع حميمية، لأنها تلمس جسد المرأة التي تلبسها، وهي حدها من تشعر بملمسها وترفها». في كتابها الصادر بعنوان «غاردن أوف لايس» (حديقة من الدانتيل) تقول كارين، إن هذه الحميمية، الأقرب إلى الحسية، بين المرأة والأقمشة هي التي حددت مسارها «كلما لامست يداي الحرير أجد نفسي أنصت لصوته وكأنه يُوجهني إلى طرق تفصيله وتطريزه، وأي جزء أزينه بالدانتيل». هذه العلاقة المبنية على الحوار بينها وبين الأقمشة لم تتغير إلى اليوم.
لم تكن الثمانينات في صالح كارين غيلسون. ففي هذه الحقبة كانت المرأة تريد فرض نفسها في عالم الرجل لهذا تبنت تصاميم صارمة تلعب على مفهومي الذكورة والأنوثة، وبالتالي تميزت أقمشتها في الكثير من الأحيان ببعض الخشونة. لم تُصب هذه التغيرات كارين بالإحباط، بل استغلت هذه الفترة للدراسة وتطوير نفسها. انخرطت في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في أنتوورب. وخلال ثلاث سنوات قضتها فيها، تعلمت كيف تُجمع أفكارها لتخرج كل تشكيلة تقدمها بتيمة واضحة وشخصية قوية. ورغم أن ميولها كانت مختلفة عما كان دارجاً في ذلك الوقت، وما كانت الأكاديمية تُركز عليه، فإنها استفادت، كما تقول من التجربة، على الأقل من ناحية اكتشافها ذاتها ومكامن قوتها. «تعلمت أن لا شيء مستحيل... فالمثابرة تجعل كل شيء ممكناً». بعد تخرجها، وهي في الـ22 من العمر، قررت أن تطلق علامتها الخاصة. كان بإمكانها أن تتخصص في فساتين السهرة؛ نظراً لخبرتها في مجال الـ«هوت كوتور»، لكنها فضلت التخصص في الملابس الداخلية. فكما تحتاج المرأة إلى فساتين سهرة وزفاف، تحتاج إلى ملابس نوم وملابس منزلية، مثل الكيمونو و«روب دو شومبر». حصلت من البنك على سلفة وبدأت بأربعة حرفيين في ورشة دانتيل قديمة ومتهالكة، تعوّد العاملون فيها على أسلوب تقليدي في تطريز الدانتيل. لم تكن العملية سهلة بالنسبة لها، لكنها سرعان ما أقنعتهم بأن هناك إمكانات أوسع، وبضرورة تطويع طرقهم التقليدية لابتكار تصاميم مواكبة لمتطلبات العصر. وهذا ما كان. بعد أبحاث طويلة، توصلت إلى رسمات دانتيل وتقنيات جديدة أضافتها إليهم وأثارت إعجابهم. ولأن طموحاتها كانت كبيرة، كانت تدفعهم إلى إعطاء أفضل ما عندهم؛ إذ لم تستهن يوماً بقطعة لن يراها أحد سوى صاحبتها، وكانت تضطرهم إلى إعادة الرسمة مراراً وتكراراً للحصول على الشكل الصحيح. ما زاد من صعوبة العمل بالنسبة للحرفيين، أنها كانت ولا تزال ترفض استعمال القطن ككنفس لرسم نقشاتها قبل تنفيذها، وتفرض تنفيذها على الحرير مباشرة. كانت العملية تُكلفها الكثير من الوقت والجهد، لكن النتيجة كانت رائعة جعلتها تتبوأ مكانتها كملكة الدانتيل في عالم الأزياء الراقية. وتشرح بأن القطن بالنسبة لها «يفتقد إلى مرونة الحرير، كما أن الدانتيل يبدو أجمل عندما يُطرز مباشرة على الحرير، حيث يبرز وجوهه المتعددة والخفية». فدور الحرير لا يقتصر على كونه خلفية أو كنفس لوضع الدانتيل، بل هو من يحدد شخصية القطعة؛ لهذا فإن «إعادة العمل للحصول على نتيجة مُرضية جزء من عملية الإبداع، ونتيجة حوار مفتوح مع الأقمشة... إن لم تتفاعل معي ولم أحس بها وقت العمل، فإني أرميها جانباً إلى أن يأتي الوقت المناسب ونستعد للحوار».
أول ما يثير الانتباه عند دخول معملها انكباب العاملات على التطريز لا يرفعن رؤوسهن ولو من باب الفضول. في جهة مقابلة، تتراص قطع انتهين من تنفيذها، أغلبها على شكل «طلبيات» لعرائس وزبونات من منطقة الشرق الأوسط، وإلى جانبها ركن مخصص لأمتار من الحرائر بألوان وأنواع مختلفة، تشرح كارين أنها كلها من مدينة ليون الفرنسية، وتحديداً من شركة «بوكول» التي لا تتعامل سوى مع كبريات بيوت الأزياء العالمية، مثل «هيرميس». «بوكول» احتاجت إلى إقناع عندما كانت كارين في بدايتها، لكنها سُرعان ما فرضت رؤيتها لتفتح لها الشركة أرشيفها ومواردها تنهل منها ما تشاء. وإذا كان نجاح غيلسون الفني لا نقاش عليه، فإنها مثل كوكو شانيل وكريستيان ديور قبلها، تدين للسوق الأميركية بنجاحها التجاري. كان متجر «بارنيز» أول زبائنها تليه زبونات الشرق الأوسط، اللواتي كن ولا يزلن من أهم زبوناتها وأكثر من يُحفزها على أن تُبدع بمزيد من الجرأة والقوة. فالمرأة الأنيقة تعرفت على إبداعاتها منذ سنوات، والمقتدرة لا تستغني عنها في كل مناسباتها المهمة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بجهاز عُرسها.

- الدانتيل كما يتتبعه المعرض
> وصف بأنه قماش يتميز بتخريمات كثيرة محاطة بالخيوط. ولندرته وصعوبة صنعه ظل حكراً على الطبقات الأرستقراطية والثرية لعقود طويلة. بعد الثورة الصناعية فقط، وبعد أن بدأ تصنيعه بالآلات توافر لشرائح أكبر ودخل في صناعة إكسسوارات جديدة بما فيها الأدوات المنزلية. لكن يبقى الدانتيل المصنوع باليد نادراً، ويحتاج إلى ميزانية للحصول عليه.
- كان في البداية مخصصاً للرجال، ثم بدأت تستخدمه المرأة في القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، ودخل فساتين الزفاف بفضل فيكتوريا، ملكة بريطانيا التي اختارته لتزيين فستان زفافها عام 1840.
- شكلت كل من مدينة البندقية الإيطالية والإقليم الفلامندي المكانين الأكثر شهرة بتصنيع الدانتيل منذ ظهوره إلى الآن. ولا توجد معلومات دقيقة عن تواريخ أو أماكن تواجد الدانتيل الأصلي، غير أن المعروف أنه اشتهر في القرن السادس عشر، في البندقية ومنطقة الفلاندرز ببلجيكا، وكان يستعمل من قبل الرجال والنساء على حد سواء. اقتصر حينها على بعض التفاصيل مثل الياقات وحواشي الأكمام وزينة الرأس.
- على العكس من الأنسجة المغزولة على النول، كان الدانتيل يصنع بالإبرة والبكرة باليد أو على طريقة الكروشيه أو الدانتيل المحبوك. ويقال إن اسمه مستقى من «الأسنان الصغيرة».
- في النصف الثاني من القرن الـ17، أصبح يرمز للمنطقة التي أنتج فيها مثل البندقية، بروكسل وميشلين، حسب طريقة حبكه وصنعه.
- كان القرن الـ18 عصره الذهبي. كان يستخدم للجنسين وكان يعكس مكانة لابسه وجاهه. اندلاع الثورة الفرنسية في عام 1789 جعله يتراجع، ويختفي من خزانة الرجل.
- في القرن الـ19 وبعد الثورة الصناعية أصبح إنتاجه أكثر سهولة لتتوسع استعمالاته، لكن أصبح ملكاً للجنس اللطيف.
- الحرب العالمية الأولى أدت إلى تراجع صناعته اليدوية، لكن ما إن انتهت الحرب حتى انتعشت صناعته من جديد وظهور خيوط معدنية فيه مستوحاة من «الآرت ديكو».
- في الثلاثينات، دخل عالم الأزياء بشكل رسمي من خلال فساتين النهار والمساء والسهرة على حد سواء. تفنن فيه مصممون من أمثال بول بواريه وجين لانفان وبريميه ومدام غري، في ملابس داخلية ومنزلية أقرب في تصاميمها إلى ملابس السهرة. وشهد أوجه في الخمسينات مع نجمات هوليوود، مثل صوفيا لورين، وريتا هايوارث، وغريس كيلي، وغيرهن. وحتى يومنا هذا، فهو لا يغيب في معظم العروض، وقد صرح إيلي صعب مراراً بأنه من الأقمشة المفضلة لديه.
- بعد الحرب العالمية الثانية وإلى الستينات، تطورت صناعته مع تطور تقنياته وآلاته، وأدخلت عليه ألوان ورسمات جديدة؛ ما جعل مصممين مثل كريستيان ديور، وبالمان، وشانيل يبدعون فيه.
- تراجعت شعبيته ما بين 1960 و1970 مع ظهور الأزياء الجاهزة، بحيث لم يعد مناسباً للنهار. في هذه الفترة اقتصر على أزياء المساء الراقية ومتوجهاً إلى شريحة ظلت وفية له. لكن الدانتيل لم يغب في هذه الفترة، فقد تسلل إلى المرأة العادية من خلال الملابس الداخلية.
- في الثمانينات استعاد مكانته في عروض الأزياء على يد كريستيان لاكروا وجون بول غوتييه. هذا الأخير تعمد أن يخرج الملابس الداخلية إلى العلن نوعاً من التمرد على المتعارف عليه، بدليل تصاميمه للمغنية مادونا.
- طوال القرن العشرين، لم يغب الدانتيل من الملابس الداخلية. وعلى يد كارين غيلسون، اكتسب قوة تاريخية كونها أعادت الكثير من الرسمات إلى الواجهة، ووضعتها في إطارها التاريخي والثقافي والزمني الصحيح.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.