كارين غيلسون... الحاضرة الغائبة في جهاز العروس العربية

معرض يحتفل بتاريخها ومساهماتها وكتاب يؤرّخ لمسيرتها وعشقها للدانتيل والحرير

TT

كارين غيلسون... الحاضرة الغائبة في جهاز العروس العربية

في مقال له بعنوان «رسام الحياة المعاصرة» The painter of Modern Life كتب تشارلز بودلير بأن «ما يثير الأحاسيس والغرائز ليس الجسد العاري، بل الجسد المكسو... ذلك الذي يغطيه الحرير والمخمل والدانتيل». رأي توافق عليه كارين غيلسون بحماس، مؤكدة أن أول ما تراه العين بالفعل هو القماش وكيف يعانق الجسم أو ينسدل عليه.
لمن لا يعرف كارين غيلسون أو يسمع بها من قبل، فهي مصممة بلجيكية يرتبط اسمها بالدانتيل الذي تنثره على الحرير كقصيدة شعر. ترحل بنا من خلال تصاميمها حيناً إلى حقبة الفن الباروكي، وحيناً آخر إلى حديقة أندلسية غنّاء، وفي كل الحالات تكون الصورة مثيرة تستحضر قصص ألف ليلة وليلة، حيث تتمتع المرأة بقوة ناعمة تقهر بها أعتى الرجال.
ورغم أن اسمها قد لا يكون بشهرة بعض أبناء جيلها من المصممين العالميين، الذين تخرجوا أيضاً في معهد أنتوورب للتصميم، فإنها الحاضرة الدائمة في أعراس الطبقات المخملية والثرية؛ إذ لا يخلو جهاز عروس من ملابسها الداخلية أو المنزلية التي تحاكي الـ«هوت كوتور» بدقتها وح رفيتها وفخامتها، وأيضاً بأسعارها.
لهذا؛ لم يعد غريباً عندما يُذكر الدانتيل في عالم الأزياء الراقية، أن يقفز اسم كارين غيلسون للأذهان. الدليل أن متحف الموضة والدانتيل في بلجيكا طلب منها أن تكون عرابة القسم المخصص للدانتيل البلجيكي في عام 2017، وفي عام 2019، خصص لها المتحف معرضاً خاصاً بعنوان «بيوتيفل لايس وكارين غيلسون» أي (الدانتيل الجميل وكارين غيلسون)، تزامن مع مرور 30 عاماً على انطلاقتها في عالم الموضة من جهة، وتكريماً لإسهاماتها في مجال الدانتيل، من جهة ثانية، كونه نسيجاً يرتبط ببروكسل تاريخياً، ويعتبر أحد عناصر فخرها الوطني.
فمنذ منتصف القرن السابع عشر إلى بداية القرن العشرين، كانت العاصمة البلجيكية، أحد أهم مراكز صناعة نوع فاخر ومتميز منه. تخص به الطبقات الملكية والأرستقراطية في أوروبا. وبما أن كارين هي ابنة بروكسل، فإنها ظلت وفية لهذا الرمز. عن المعرض تقول إنه كان فرصة رائعة بالنسبة لها، ليس لاستعراض تاريخها وعضلاتها في مجال لم يخضه غيرها من المصممين الشباب، بل لفتح حوار مع كل أشكال الدانتيل التي جمعها المتحف طوال عقود. فكل رسمة فيه أو تخريمة تحكي ألف معلومة تاريخية، من كيف كان يستعمل، ومن كان يستعمله، وأين كان ينتج، وأمور أخرى.
التعرف على كارين عن قُرب متعة. في معملها الواقع بالقرب من محطة بروكسل، وهو أيضاً بيتها منذ أكثر من 25 سنة، تكتشف أنها حكواتية من الطراز الأول. تنسج خيوط كل قصة بالدانتيل أو الحرير بحب وشغف؛ فتأخذك إلى عوالم من الزمن البعيد، حين كان الرجل والمرأة، على حد سواء، يتزينان به ويتباهيان برسماته الدقيقة التي كانت ترمز إلى مكانتهما الاجتماعية وقدراتهما المادية.
تُعيد كارين شغفها هذا إلى الطفولة. فقد شبت في حقبة السبعينات من القرن الماضي وكل حواسها ترقص مع تماوجات الحرير الذي يعتبر بالنسبة لها رفيقاً مميزاً للدانتيل. فوالدتها كانت خياطة معروفة لدى سيدات الطبقات المتوسطة والراقية ببروكسل، وكانت الصغيرة كارين تعشق مراقبتهن وهن يُجرين بروفات على فساتين تفصلها لهن والدتها وتحيكها بدقة. لم يكن يخرجن من المعمل إلا بعد حصولهن على قطعة على المقاس، من دون أي سنتمتر زائد أو ناقص. وتعتبر أنها تعلمت من والدتها كيف تجعل الحرير يتماوج بين أصابعها ويتطاير وكأنه ريشة، قبل أن تحوله إلى قطعة تنبض بالحياة. كانت أجمل أوقاتها أيضاً تلك التي تقضيها مع والدتها تتجولان في الأسواق، تبحثان وتُقلبان في أنواع الأقمشة وتنصتان لقصص الباعة والتجار المتخصصين فيه. في هذه الفترة تعلمت كيف تُفرق بين الدانتيل الفخم والعادي، وبين تطريزاته الدقيقة ومصادرها ومعانيها.
هكذا ترسخ جمال الحرير والدانتيل في وجدانها. بعد أن أصبحت صبية، أصبحا وجهان لعملة واحدة، بعد أن شدها كيف يلامسان الجسم ويعانقانه ليفسحا المجال لارتداء قطع خارجية قد تكون أكثر كلاسيكية. تقول كارين إنها هنا اكتشفت كيف تقدم للمرأة قطعة خاصة بها على كل المستويات. فلا أحد غيرها يراها، وبالتالي يمكنها أن تختارها على ذوقها، «فهي أكثر القطع حميمية، لأنها تلمس جسد المرأة التي تلبسها، وهي حدها من تشعر بملمسها وترفها». في كتابها الصادر بعنوان «غاردن أوف لايس» (حديقة من الدانتيل) تقول كارين، إن هذه الحميمية، الأقرب إلى الحسية، بين المرأة والأقمشة هي التي حددت مسارها «كلما لامست يداي الحرير أجد نفسي أنصت لصوته وكأنه يُوجهني إلى طرق تفصيله وتطريزه، وأي جزء أزينه بالدانتيل». هذه العلاقة المبنية على الحوار بينها وبين الأقمشة لم تتغير إلى اليوم.
لم تكن الثمانينات في صالح كارين غيلسون. ففي هذه الحقبة كانت المرأة تريد فرض نفسها في عالم الرجل لهذا تبنت تصاميم صارمة تلعب على مفهومي الذكورة والأنوثة، وبالتالي تميزت أقمشتها في الكثير من الأحيان ببعض الخشونة. لم تُصب هذه التغيرات كارين بالإحباط، بل استغلت هذه الفترة للدراسة وتطوير نفسها. انخرطت في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في أنتوورب. وخلال ثلاث سنوات قضتها فيها، تعلمت كيف تُجمع أفكارها لتخرج كل تشكيلة تقدمها بتيمة واضحة وشخصية قوية. ورغم أن ميولها كانت مختلفة عما كان دارجاً في ذلك الوقت، وما كانت الأكاديمية تُركز عليه، فإنها استفادت، كما تقول من التجربة، على الأقل من ناحية اكتشافها ذاتها ومكامن قوتها. «تعلمت أن لا شيء مستحيل... فالمثابرة تجعل كل شيء ممكناً». بعد تخرجها، وهي في الـ22 من العمر، قررت أن تطلق علامتها الخاصة. كان بإمكانها أن تتخصص في فساتين السهرة؛ نظراً لخبرتها في مجال الـ«هوت كوتور»، لكنها فضلت التخصص في الملابس الداخلية. فكما تحتاج المرأة إلى فساتين سهرة وزفاف، تحتاج إلى ملابس نوم وملابس منزلية، مثل الكيمونو و«روب دو شومبر». حصلت من البنك على سلفة وبدأت بأربعة حرفيين في ورشة دانتيل قديمة ومتهالكة، تعوّد العاملون فيها على أسلوب تقليدي في تطريز الدانتيل. لم تكن العملية سهلة بالنسبة لها، لكنها سرعان ما أقنعتهم بأن هناك إمكانات أوسع، وبضرورة تطويع طرقهم التقليدية لابتكار تصاميم مواكبة لمتطلبات العصر. وهذا ما كان. بعد أبحاث طويلة، توصلت إلى رسمات دانتيل وتقنيات جديدة أضافتها إليهم وأثارت إعجابهم. ولأن طموحاتها كانت كبيرة، كانت تدفعهم إلى إعطاء أفضل ما عندهم؛ إذ لم تستهن يوماً بقطعة لن يراها أحد سوى صاحبتها، وكانت تضطرهم إلى إعادة الرسمة مراراً وتكراراً للحصول على الشكل الصحيح. ما زاد من صعوبة العمل بالنسبة للحرفيين، أنها كانت ولا تزال ترفض استعمال القطن ككنفس لرسم نقشاتها قبل تنفيذها، وتفرض تنفيذها على الحرير مباشرة. كانت العملية تُكلفها الكثير من الوقت والجهد، لكن النتيجة كانت رائعة جعلتها تتبوأ مكانتها كملكة الدانتيل في عالم الأزياء الراقية. وتشرح بأن القطن بالنسبة لها «يفتقد إلى مرونة الحرير، كما أن الدانتيل يبدو أجمل عندما يُطرز مباشرة على الحرير، حيث يبرز وجوهه المتعددة والخفية». فدور الحرير لا يقتصر على كونه خلفية أو كنفس لوضع الدانتيل، بل هو من يحدد شخصية القطعة؛ لهذا فإن «إعادة العمل للحصول على نتيجة مُرضية جزء من عملية الإبداع، ونتيجة حوار مفتوح مع الأقمشة... إن لم تتفاعل معي ولم أحس بها وقت العمل، فإني أرميها جانباً إلى أن يأتي الوقت المناسب ونستعد للحوار».
أول ما يثير الانتباه عند دخول معملها انكباب العاملات على التطريز لا يرفعن رؤوسهن ولو من باب الفضول. في جهة مقابلة، تتراص قطع انتهين من تنفيذها، أغلبها على شكل «طلبيات» لعرائس وزبونات من منطقة الشرق الأوسط، وإلى جانبها ركن مخصص لأمتار من الحرائر بألوان وأنواع مختلفة، تشرح كارين أنها كلها من مدينة ليون الفرنسية، وتحديداً من شركة «بوكول» التي لا تتعامل سوى مع كبريات بيوت الأزياء العالمية، مثل «هيرميس». «بوكول» احتاجت إلى إقناع عندما كانت كارين في بدايتها، لكنها سُرعان ما فرضت رؤيتها لتفتح لها الشركة أرشيفها ومواردها تنهل منها ما تشاء. وإذا كان نجاح غيلسون الفني لا نقاش عليه، فإنها مثل كوكو شانيل وكريستيان ديور قبلها، تدين للسوق الأميركية بنجاحها التجاري. كان متجر «بارنيز» أول زبائنها تليه زبونات الشرق الأوسط، اللواتي كن ولا يزلن من أهم زبوناتها وأكثر من يُحفزها على أن تُبدع بمزيد من الجرأة والقوة. فالمرأة الأنيقة تعرفت على إبداعاتها منذ سنوات، والمقتدرة لا تستغني عنها في كل مناسباتها المهمة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بجهاز عُرسها.

- الدانتيل كما يتتبعه المعرض
> وصف بأنه قماش يتميز بتخريمات كثيرة محاطة بالخيوط. ولندرته وصعوبة صنعه ظل حكراً على الطبقات الأرستقراطية والثرية لعقود طويلة. بعد الثورة الصناعية فقط، وبعد أن بدأ تصنيعه بالآلات توافر لشرائح أكبر ودخل في صناعة إكسسوارات جديدة بما فيها الأدوات المنزلية. لكن يبقى الدانتيل المصنوع باليد نادراً، ويحتاج إلى ميزانية للحصول عليه.
- كان في البداية مخصصاً للرجال، ثم بدأت تستخدمه المرأة في القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، ودخل فساتين الزفاف بفضل فيكتوريا، ملكة بريطانيا التي اختارته لتزيين فستان زفافها عام 1840.
- شكلت كل من مدينة البندقية الإيطالية والإقليم الفلامندي المكانين الأكثر شهرة بتصنيع الدانتيل منذ ظهوره إلى الآن. ولا توجد معلومات دقيقة عن تواريخ أو أماكن تواجد الدانتيل الأصلي، غير أن المعروف أنه اشتهر في القرن السادس عشر، في البندقية ومنطقة الفلاندرز ببلجيكا، وكان يستعمل من قبل الرجال والنساء على حد سواء. اقتصر حينها على بعض التفاصيل مثل الياقات وحواشي الأكمام وزينة الرأس.
- على العكس من الأنسجة المغزولة على النول، كان الدانتيل يصنع بالإبرة والبكرة باليد أو على طريقة الكروشيه أو الدانتيل المحبوك. ويقال إن اسمه مستقى من «الأسنان الصغيرة».
- في النصف الثاني من القرن الـ17، أصبح يرمز للمنطقة التي أنتج فيها مثل البندقية، بروكسل وميشلين، حسب طريقة حبكه وصنعه.
- كان القرن الـ18 عصره الذهبي. كان يستخدم للجنسين وكان يعكس مكانة لابسه وجاهه. اندلاع الثورة الفرنسية في عام 1789 جعله يتراجع، ويختفي من خزانة الرجل.
- في القرن الـ19 وبعد الثورة الصناعية أصبح إنتاجه أكثر سهولة لتتوسع استعمالاته، لكن أصبح ملكاً للجنس اللطيف.
- الحرب العالمية الأولى أدت إلى تراجع صناعته اليدوية، لكن ما إن انتهت الحرب حتى انتعشت صناعته من جديد وظهور خيوط معدنية فيه مستوحاة من «الآرت ديكو».
- في الثلاثينات، دخل عالم الأزياء بشكل رسمي من خلال فساتين النهار والمساء والسهرة على حد سواء. تفنن فيه مصممون من أمثال بول بواريه وجين لانفان وبريميه ومدام غري، في ملابس داخلية ومنزلية أقرب في تصاميمها إلى ملابس السهرة. وشهد أوجه في الخمسينات مع نجمات هوليوود، مثل صوفيا لورين، وريتا هايوارث، وغريس كيلي، وغيرهن. وحتى يومنا هذا، فهو لا يغيب في معظم العروض، وقد صرح إيلي صعب مراراً بأنه من الأقمشة المفضلة لديه.
- بعد الحرب العالمية الثانية وإلى الستينات، تطورت صناعته مع تطور تقنياته وآلاته، وأدخلت عليه ألوان ورسمات جديدة؛ ما جعل مصممين مثل كريستيان ديور، وبالمان، وشانيل يبدعون فيه.
- تراجعت شعبيته ما بين 1960 و1970 مع ظهور الأزياء الجاهزة، بحيث لم يعد مناسباً للنهار. في هذه الفترة اقتصر على أزياء المساء الراقية ومتوجهاً إلى شريحة ظلت وفية له. لكن الدانتيل لم يغب في هذه الفترة، فقد تسلل إلى المرأة العادية من خلال الملابس الداخلية.
- في الثمانينات استعاد مكانته في عروض الأزياء على يد كريستيان لاكروا وجون بول غوتييه. هذا الأخير تعمد أن يخرج الملابس الداخلية إلى العلن نوعاً من التمرد على المتعارف عليه، بدليل تصاميمه للمغنية مادونا.
- طوال القرن العشرين، لم يغب الدانتيل من الملابس الداخلية. وعلى يد كارين غيلسون، اكتسب قوة تاريخية كونها أعادت الكثير من الرسمات إلى الواجهة، ووضعتها في إطارها التاريخي والثقافي والزمني الصحيح.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
TT

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.

وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.

احتلت «لورو بيانا» كل واجهات محلات «هارودز» بمناسبة الأعياد والاحتفالات (لورو بيانا)

هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.

ورشة العجائب

تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.

الجنود المجهولون أو الحرفيون أخذوا نصيبهم من الاحتفال باستعراض مهاراتهم أمام الضيوف (لورو بيانا)

تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،

وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.

الواجهة والنوافذ

الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .

... وطبعاً لا تكتمل الإطلالات من دون حقائب تعكس اهتمام الدار بالتفاصيل (لورو بيانا)

صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.

نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.

منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.

قطع حصرية لـ«هارودز»

احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.

لم تستسهل «لورو بيانا» عملية تزيين 36 نافذة وكانت النتيجة مرآة لتاريخها وإرثها (لورو بيانا)

الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.

من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.

متجران مؤقتان

سيجد زائر «هارودز» كل ما يطمح إليه من أزياء أو إكسسوارات مصنوعة من أجود أنواع الألياف (لورو بيانا)

بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.

استلهمت الدار الإيطالية كثيراً من التصاميم من الأجواء البريطانية العريقة... من الأشكال والقطع إلى الألوان (لورو بيانا)

أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.

تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.