تعليق المفاوضات حول مسار دارفور... وتشكيل لجنة تقصي حقائق

TT

تعليق المفاوضات حول مسار دارفور... وتشكيل لجنة تقصي حقائق

قررت الحكومة السودانية إرسال تعزيزات عسكرية إلى منطقة غرب دارفور للسيطرة على الأوضاع الأمنية، وإيقاف الأحداث الدامية التي تشهدها هذه الولاية، الواقعة في أقصى غرب البلاد، بعد استمرار العنف لثلاثة أيام؛ وهو ما تسبب في مقتل أكثر من عشرة أشخاص، وإصابة سبعة عشر آخرين.
وشكلت لجنة تحقيق قومية، برئاسة النيابة العامة، تضم ممثلين من الجيش والشرطة وجهاز المخابرات ووزارة العدل. كما شكل حاكم الولاية لجنة تقصي حقائق حول الأحداث، التي بدأت الأحد، في حين أعلنت الجبهة الثورية تعليق المفاوضات الجارية في جوبا، وطالبت هي الأخرى بتشكيل لجنة تحقيق.
وقال السفير عمر ماتيس، وزير رئاسة مجلس الوزراء، إن الحكومة السودانية عقدت اجتماعاً طارئاً، ترأسه عضو مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وبعض أعضاء مجلسي السيادة والوزراء. كما التقى النائب العام تاج السر الحبر، قيادات من القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة، وجهاز المخابرات العامة ليلة أول من أمس لبحث تطورات الأوضاع الأمنية في ولاية غرب دارفور، معلناً أن الاجتماع قرر إرسال قوات على نحو سريع للسيطرة على الأوضاع المتأزمة.
وبحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الاشتباكات القبلية المسلحة التي وقعت يوم الأحد، تسببت في مقتل أكثر من عشرة أشخاص، ونجم عنها فرار آلاف المواطنين نحو الحدود التشادية المتاخمة للولاية، وقد بدأت المعارك بسبب مقتل أحد شباب القبائل العربية في غرب دارفور، بالقرب من معسكر كريندينق للنازحين، وغالبيتهم من قبيلة «المساليت» الأفريقية.
وأضافت المصادر، أن الموقف تأزم صباح أول من أمس بعد تمدد الاشتباكات من المعسكرات المحيطة بسوق الجنينة، عاصمة الولاية، مشيرة إلى سماع أصوات إطلاق نار بكثافة في المدينة ومحيطها، أمس، وإحراق سوق المعسكر.
وأوضحت المصادر، أن النزاع القبلي انتقل إلى أفراد ينتمون إلى القوات النظامية، التي انقسمت لمناصرة القبيلتين، حيث تم استخدام الأسلحة الثقيلة في هذه المعارك، كما حدث في عام 2017، عندما شهدت الولاية اشتباكات قبلية أدت إلى مقتل أكثر من عشرة أشخاص.
وأعلن ماتيس عن توجه وفد رفيع المستوى، بقيادة حميدتي وحمدوك، إلى الجنينة للوقوف على الأوضاع ومتابعة الإجراءات التي تم اتخاذها، وضمان عدم عودة النزاع مجدداً، مع تهيئة المناخ الملائم للسلام المجتمعي، مشيراً إلى أن الاجتماع قرر تعليق التفاوض في مسار دارفور الجارية في جوبا لمدة 24 ساعة؛ بهدف تمكين معالجة الأوضاع في غرب دارفور، وتشكيل لجنة تحقيق قومية برئاسة النيابة العامة، لتحديد المسؤولية وتقديم الجناة إلى العدالة، كما أبرز أن الاجتماع وجه بإرسال طائرة لإجلاء الجرحى للعلاج في مستشفى الخرطوم.
من جانبه، قال محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة والمتحدث باسمه، إن الأحداث التي بدأت بنزاع بين شخصين أخذت طابعاً آخر، نتيجة الاستقطاب الذي قامت به بعض مكونات المجتمع، مشيراً إلى اتخاذ قرارات عدة بهدف بسط هيبة الدولة واستتباب الأمن، وحماية المواطنين وممتلكاتهم في معسكرات النازحين وخارج المدن.
بدوره، أصدر والي غرب دارفور العسكري عبد الخالق بدوي محمود قراراً بتشكيل لجنة تقصي حقائق، والكشف عن ملابسات الأحداث التي شهدتها مدينة الجنينة يومي 29 و30 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث نص القرار بحسب وكالة السودان للأنباء الرسمية، أن تقوم اللجنة بالتحقيق في الأحداث وأسبابها، وتحديد الأشخاص المشاركين فيها على أن ترفع تقريرها إلى الوالي في غضون أسبوع، وفرض حظر التجوال منذ مساء أول من أمس.
إلى ذلك، قال رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، إن المفاوضات حول مسار دارفور تم تعليقها لإتاحة الفرصة لمتابعة المعالجات، التي بدأت في أحداث مدينة الجنينة، مشيرا إلى أن الأوضاع تشهد هدوءاً نسبياً، وأن الحكومة تبذل جهوداً لمعالجة الموقف، وأكد في هذا السياق، أن عام 2020 «سيكون عام السلام وإنهاء الحروب، والمضي قدماً في تقوية مؤسسات الحكم الانتقالية لتعبر البلاد إلى مرحلة التحول الديمقراطي».
وأغلقت المدارس والمؤسسات الحكومية والأسواق، في حين شوهدت وحدات عسكرية تجوب شوارع مدينة الجنينة، وقال شهود عيان لـ«موقع دارفور 24»، إن أهالي القتلى العرب حملوا جثث قتلاهم، وتوجهوا إلى مقر حكومة الولاية، وطالبوها بنقل معسكر كريندينق للنازحين إلى موقع آخر، واعتقال المتورطين في حادثة القتل خلال 24 ساعة.
من جهتها، قالت منسقية معسكرات النازحين في بيان، إن عدداً من النازحين تم حرقهم داخل مخيماتهم، مضيفة أن ما حدث في المعسكر «يؤكد غياب السلطات، وسيطرة ميليشيات الجنجويد على السلطة».


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».