الصين... عام تعزيز النفوذ في وجه التحديات

اليابان كرست دورها الدولي باستضافة قمم ومحاولات وساطة

الرئيس الصيني يحيّي أطفالا لدى وصوله إلى مطار ماكاو في الذكرى العشرين لاستلامها من البرتغال في 18 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني يحيّي أطفالا لدى وصوله إلى مطار ماكاو في الذكرى العشرين لاستلامها من البرتغال في 18 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

الصين... عام تعزيز النفوذ في وجه التحديات

الرئيس الصيني يحيّي أطفالا لدى وصوله إلى مطار ماكاو في الذكرى العشرين لاستلامها من البرتغال في 18 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني يحيّي أطفالا لدى وصوله إلى مطار ماكاو في الذكرى العشرين لاستلامها من البرتغال في 18 ديسمبر (أ.ف.ب)

قد يكون في الأحداث التاريخية الرئيسية التي شهدتها الصين واليابان خلال عام 2019 دلالات رمزية على ما شهده البلدان من توجهات خلال العام الموشك على الأفول، والاختلاف بين حضورهما على المسرح الدولي.
طوكيو شهدت انتقالاً إمبراطورياً في الأول من مايو (أيار) وضع الثقافة اليابانية بعراقتها وتفاصيلها الطقوسيّة والجمالية تحت الضوء من جديد، كما شهدت أحداثاً أخرى كرّست مكانتها في نادي الدول المتقدمة اقتصاديا وثقافياً. أما في بكين، فكان الحدث الأكبر إحياء الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية باستعراض عسكري ضخم في الأول من أكتوبر (تشرين الأول). واستمرّت الصين بإبراز عضلاتها السياسية والاقتصادية خلال عدد من الأزمات والمواجهات التي شهدها العام.

قمم دولية
كانت اليابان مسرحاً سياسيا نشطاً بالمقارنة مع الإيقاع المعتاد، حيث استقبلت العشرات من زعماء العالم خلال عام 2019. ففي أواخر يونيو (حزيران)، شهدت أوساكا أول استضافة يابانية لقمة مجموعة العشرين، وفي نهاية أغسطس (آب)، عقدت قمة التنمية الأفريقية في يوكوهاما بحضور جمع من زعماء دول القارة السمراء. وحظيت ملفات الشرق الأوسط باهتمام خاص في القمتين، إذ دارت التكهنات حول احتمال حضور الرئيس الإيراني حسن روحاني لقمة العشرين كضيف خاص ضمن مساعي اليابان للعب دور وساطة بين طهران وواشنطن، لكن زيارة روحاني لم تتحقق في نهاية الأمر. وفي قمة التنمية الأفريقية، أثار حضور وفد الصحراء توتراً، إذ لم تحبذ الحكومة اليابانية التي تربطها علاقات قوية بالمغرب حصول المشاركة ولكنها أذعنت لطلب الاتحاد الأفريقي، ليعلن وزير الخارجية الياباني في الافتتاح أن حضور «بعض الأطراف» للقمة لا يعني تغييراً في الموقف الرسمي الياباني منها.

خلاف طوكيو وسيول
اليابان التي تسعى للعب دور في التقريب بين طهران وواشنطن لم تبذل المجهود ذاته لحل المشاكل العالقة مع جيرانها في شبه الجزيرة الكورية. القطيعة بين طوكيو وبيونغ يانغ لم تتأثر بالقمم التاريخية التي عقدت بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أو بلقاءات زعيمي الكوريتين، حيث اختارت الحكومة اليابانية التريث ووقفت على مسافة من التقارب الذي بدوره يبدو شكلياً لغاية الآن. ولكن المفاجئ كان التدهور في العلاقات مع كوريا الجنوبية إلى حد غير مسبوق منذ إعادة إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1965، واستقرار الوضع في شمال شرقي آسيا على وضعه الحالي أي بصيغة التحالف الأميركي - الياباني - الكوري في مواجهة الصين وكوريا الشمالية. المشكلة بدأت كالمعتاد من ملفات تاريخية حساسة، تتعلق بفترة استعمار اليابان لشبه الجزيرة الكورية. وإن كانت حملات المقاطعة المتبادلة على المستوى الشعبي أمراً معتاداً، فإن قيام الحكومة اليابانية بحذف كوريا الجنوبية من «اللائحة البيضاء» للدول المسموح بتصدير التقنيات اليابانية المتقدمة إليها، وما تلاه من تهديد سيول بوقف العمل باتفاق «جيسوميا» للتعاون الاستخباراتي العسكري مع طوكيو فيما يخص تحركات كوريا الشمالية، يعني أن التصعيد من طرف الحكومتين وصل خلال العام الحالي إلى مراحل تهدد بانهيار الدعامة الأساسية التي حافظت على توازن العلاقات الثنائية لعقود، وهي الحرص على استمرار التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية ضمن التحالف الثلاثي المذكور، بغض النظر عن ملفات الخلاف التاريخية التي تزداد سخونة بين آونة وأخرى.
ويبدو المتضرر الأكبر من احتدام الأزمة هو كوريا الجنوبية، التي تعتمد شركاتها الصناعية بشكل كبير على الواردات التقنية من اليابان. ومع انسداد أفق الحل مع كوريا الشمالية ومطالبة الإدارة الأميركية لسيول بتحمل جزء أكبر من نفقات القواعد العسكرية الأميركية، واحتمال انخفاض نمو الاقتصاد الكوري خلال العام الحالي عن حد 2 في المائة للمرة الأولى منذ أزمة عام 2008 المالية، تبدو سيول في وضع حرج على جبهات متعددة اقتصاديا وسياسيا.

إصلاح الدستور
عقبات أخرى شهدها العام الحالي منعت رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي من تحقيق حلمه بتغيير الدستور السلمي الياباني، إذ أسفرت الانتخابات البرلمانية في يوليو (تموز) عن انخفاض عدد مقاعد حزبه الليبرالي الديمقراطي، وأخفق الائتلاف الحاكم بالحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لتحقيق التغيير الدستوري. آبي الذي أصبح في نوفمبر (تشرين الثاني) رئيس الوزراء ذا العهد الأطول في تاريخ اليابان، إذ يترأس الحكومة منذ عام 2012. ما زال مصمماً على تغيير الدستور في عهده، وذلك حسب تصريحاته الرسمية ورغم الاعتراضات الشعبية من داخل اليابان والإقليمية من دول الجوار.

«الحزام والطريق»
احتضنت الصين بدورها قمة كبرى، هي منتدى التعاون الثاني لمبادرة الحزام والطريق بحضور زعماء ما يقارب أربعين دولة من مختلف قارات العالم. ويمكن القول إن «مبادرة الحزام والطريق» استمرت خلال عام 2019 بتكريس مكانتها كعنوان رئيسي لتحركات الصين الدولية دبلوماسيا واقتصاديا. فمشاريع الربط بين الصين من ناحية، والمجال القاري الأوراسي وقارة أفريقيا من ناحية أخرى، تزداد ضخامة ويزداد معها ارتباط مصالح دول تلك المنطقة الشاسعة بالاقتصاد الصيني. ويتجلّى نجاح المبادرة خصوصاً في منطقة جنوب شرقي آسيا وفي القارة الأفريقية، حيث تتوالى مشاريع البنية التحتية الضخمة، بينما تتبدى بعض العقبات في الممانعة الهندية خصوصاً، وفي التحفظات الأوروبية. وتظهر الأرقام الصادرة في شهر ديسمبر (كانون الأول)، أن أداء الاقتصاد الصيني خلال العام 2019 كان أفضل من المتوقع رغم الأزمة التجارية مع الولايات المتحدة، وأن الإنتاج الصناعي في طريقه إلى مرحلة جديدة من النمو.

أزمة هونغ كونغ
وفي هونغ كونغ، لا شك أن ما ميّز العام الحالي هو المظاهرات المستمرة على نطاق واسع منذ شهر يونيو والتي يراها البعض بمثابة اختبار للتغيرات التي ستشهدها صورة الصين في المجتمع الدولي. فبكين تبدو مترددة في استخدام القوة المفرطة لفرض إرادتها، كما أن حكومة هونغ كونغ ألغت مشروع قانون مثير للجدل يتيح ترحيل متهمين إلى الصين للمحاكمة، وهو ما كان قد أدى لاندلاع المظاهرات. ولكن الصين لا تبدو متخوفة من تدخل غربي يتجاوز الإجراءات الشكلية.
فرغم إقرار الكونغرس الأميركي لقانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ في أواخر نوفمبر وتهديدات متكررة من الرئيس دونالد ترمب، إلا أن مسؤولي البلدين أعلنوا في أواسط ديسمبر (كانون الأول) عن إنجاز المرحلة أولى من اتفاق تجاري شامل من المأمول أن ينهي النزاع التجاري بينهما. أما بريطانيا، فلديها ما يشغلها في معضلة الخروج من الاتحاد الأوروبي ولا تبدو مكترثة إلى حدّ كبير بما يجري في مستعمرتها السابقة. وفي ماكاو المجاورة لهونغ كونغ، ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ خطاباً في 20 ديسمبر (كانون الأول) بمناسبة الذكرى العشرين لعودة المستعمرة البرتغالية للصين أكد فيه أن إرادة الحكومة والشعب الصينيين لمنع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للصين «صلبة كالصخر».

انتقادات دولية
لسياسات بكين تجاه الأويغور
واجهت بكين خلال 2019 موجة انتقادات أوروبية وأميركية على خلفية سياستها تجاه أقلية الأويغور المسلمة في إقليم شينجيانغ. ويقول خبراء من الأمم المتحدة ونشطاء إن مليون شخص على الأقل من أقلية الأويغور وأفرادا من أقليات أخرى أغلبها مسلمة محتجزون في معسكرات بشينجيانغ. وقادت الولايات المتحدة أكثر من 30 دولة في انتقاد ما وصفتها بأنها «حملة قمع مروعة».
إلا أن بكين تنفي ارتكاب أي مخالفات بحق الأويغور أو غيرهم في شينجيانغ، وتقول إنها توفر تدريبا مهنيا للمساعدة في القضاء على التطرف الديني والنزعات الانفصالية ولتدريبهم على مهارات جديدة.

ختام العام بقمّة دون مفاجآت
استضافت مدينة تشيندو الصينية قمة صينية - يابانية - كورية يومي 23 و24 ديسمبر (كانون الأول)، بدت خلالها الصين في الموقع الأكثر استقراراً. فإدارة الرئيس الكوري الجنوبي مون جي - إن الآتية من خلفية يسارية تحبذ التقارب مع بكين إلى درجة أثارت ردات فعل سلبية من إدارة الرئيس ترمب في أكثر من مناسبة، وهي الإدارة الأميركية ذاتها التي انسحبت من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، دافعة بالحكومة اليابانية للدخول في مفاوضات الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تحبذها الصين. قمة تشيندو نجحت في إحراز انفراج سياسي نسبي بين طوكيو وسيول من خلال لقاء ثنائي بين رئيس الوزراء الياباني والرئيس الكوري، ولكنها أخفقت في إحراز تقدم عملي على طريق إنشاء منطقة تجارة حرة بين الدول الثلاث الرئيسية في منطقة شمال شرقي آسيا، في ختام عام شهد تقلبات كبيرة ومفاجئة في العلاقات بينها.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،