قيود المصارف تفاقم أزمة الطلاب اللبنانيين في الخارج

لجنة المال النيابية دخلت على الخط... وترقب لخطوات عملية

محتجون لبنانيون ضد الحكومة داهموا فرع الحمرا لمصرف {بي إل سي} وسط بيروت أول من أمس (أ.ب)
محتجون لبنانيون ضد الحكومة داهموا فرع الحمرا لمصرف {بي إل سي} وسط بيروت أول من أمس (أ.ب)
TT

قيود المصارف تفاقم أزمة الطلاب اللبنانيين في الخارج

محتجون لبنانيون ضد الحكومة داهموا فرع الحمرا لمصرف {بي إل سي} وسط بيروت أول من أمس (أ.ب)
محتجون لبنانيون ضد الحكومة داهموا فرع الحمرا لمصرف {بي إل سي} وسط بيروت أول من أمس (أ.ب)

تمضي سوسن (50 عاماً)، وهي أم لولدين يدرسان في الخارج، أحدهما في باريس والآخر في لندن، ساعات في المصرف ليومين على الأقل في الأسبوع، وهي تحاول القيام بمهمة تحويل المال لولديها لدفع التكاليف الدراسية وما يترتب عليهما من مصاريف إقامة متنوعة.
فبعد تخفيض المبلغ المسموح باستخدامه من خلال البطاقة المصرفية من 3 آلاف جنيه إسترليني شهرياً إلى 300 في لندن، نتيجة الأزمة المالية التي تعصف بلبنان والتي تفاقمت بشكل غير مسبوق مع اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وجد ابنها الذي يدرس هندسة الكومبيوتر في بريطانيا نفسه مكبلاً، خصوصاً أنه مضطر لتسديد تكلفة الإقامة شهرياً نقداً، وهي تتخطى بكثير المبلغ المسموح سحبه، من دون حساب المصاريف الأخرى المترتبة عليه.
ولم تتمكن سوسن رغم مرور أسابيع على الإجراءات الجديدة التي اتخذتها المصارف بعد التعميم الذي صدر عن «جمعية المصارف» ومنع التحويلات إلى الخارج وحصرها بـ«النفقات الشخصية العاجلة»، من إيجاد مخرج ملائم لأزمتها، خصوصاً أن مكاتب التحويلات العالمية لا تقبل بإتمام تحويلات إلا بالدولار الذي بات يفتقر إليه السوق اللبناني نتيجة تشدد المصارف بمنحه للمودعين حتى وإن كانت حساباتهم بالعملة الأميركية. ورغم تحديد تعميم «جمعية المصارف» السابق ذكره الحد الأقصى للسحوبات أسبوعياً بمبلغ ألف دولار، لم تلتزم المصارف بهذا السقف وهي لا تمنح المودعين أكثر من 200 أو 300 دولار أسبوعياً.
ويُرجح أن تتفاقم أزمة الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الخارج في الأسابيع القليلة المقبلة، إذ تؤكد منى التي تدرس في إيطاليا أنها وزملاءها اللبنانيين أوشكوا على إنفاق كل ما كان بحوزتهم من أموال، لذلك قررت أن تزور في عطلة الأعياد لبنان لحمل بعض ما تيسر من عملات أجنبية يمكن أن تسدد من خلالها نفقاتها في الخارج، لافتة إلى أن ذلك لا يمكن أن يكون حلاً مستداماً لعدم قدرتها على المجيء بشكل دوري إلى لبنان. والوضع نفسه بالنسبة إلى أحمد، وهو والد طالب يدرس في فرنسا لم يكن أمامه إلا السفر إلى باريس لأيام حاملاً ما تيسّر معه من المال لابنه لتسديد المستحقات المتوجبة عليه.
ويُرجح «مركز الانتشار اللبناني» أن يكون أكثر من 70 ألف طالب لبناني يتابعون دراستهم في الخارج، متحدثاً عن مغادرة نحو 8 آلاف سنوياً من حاملي الشهادة الثانوية بفروعها كافة لمتابعة تحصيلهم العلمي في دول أخرى.
وحاولت لجنة المال والموازنة النيابية استيعاب بعض تداعيات الأزمة، وأوصت خلال الاجتماع الأخير الذي عقدته بحضور حاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف وغيرهما من المعنيين بالشأن المالي، بضرورة تسهيل التحويلات المصرفية للطلاب الذين يدرسون في الخارج لتسديد أقساطهم ومستلزماتهم.
وأكد مقرر لجنة المال والموازنة النائب نقولا نحاس أن توصيات اللجنة في هذا الإطار «قوبلت بإيجابية وبتجاوب من قبل الحاكم ورئيس جمعية المصارف، ومن المفترض اتخاذ تدابير في هذا المجال يتم تعميمها على كل البنوك للحد من الضغوط التي يتعرض لها الطلاب في الخارج وأهاليهم». وأوضح نحاس لـ«الشرق الأوسط» أن «وضع الآلية اللازمة لذلك ليس من اختصاص لجنة المال والموازنة، إنما المصارف نفسها التي سنجتمع مع القيمين عليها مجدداً لمتابعة الموضوع وتحديد الخطوات العملية الواجب اتخاذها والوصول إلى النتائج المرجوة».
وأضاف: «شددنا على وجوب أن يُسمح بالتحويلات حسب الأولويات، ولا شك أن متابعة الطلاب عامهم الدراسي في الخارج تندرج ضمن هذه الأولويات إلى جانب قضايا إنسانية أخرى». ولفت إلى أن إنجاز تشكيل الحكومة «من شأنه أن يسمح بالتوصل إلى حلول أسرع فيما يتعلق ببعض الإجراءات غير القانونية المتخذة بما يتعلق بأموال المودعين».
وترد المصارف الإجراءات التي تتخذها لمنع انهيار القطاع بعد توافد المئات إليها لسحب أموالهم دفعة واحدة. وقد سُجل منذ اندلاع الانتفاضة في أكتوبر الماضي سحب 6 مليارات دولار من المصارف تم إيداعها في البيوت. وأفيد بتحويل مليارات أخرى إلى خارج لبنان، وهو ما أكده أخيراً الخبير الاقتصادي مروان إسكندر، لافتاً إلى أن «مليارَي دولار تابعة لـ9 سياسيين رفيعي المستوى في لبنان تم تحويلها خلال الأسبوعين الفائتين إلى سويسرا»، موضحاً أن أكثر من 6 مليارات دولار أصبحت خارج البلاد منذ اندلاع الأزمة.
وأكّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنه سيتخذ «كل الخطوات القانونية لمعرفة مصير التحويلات الخارجية» وإذا حصلت فعلاً، فيما نفى رئيس «جمعية المصارف» سليم صفير أن تكون لديه أي معلومة عن موضوع التحويلات الخارجية.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».