مشاهد 2019 الصحافية... تراجع للحريات وانتهاكات بلغت حد العنف

صحافة المواطن تتقدم في الجزائر والسودان لسد فجوة تغطية الثورات

تعذر تغطية الإعلام لاحتجاجات الجزائر دفع بالمواطنين لسد الفجوة (غيتي)
تعذر تغطية الإعلام لاحتجاجات الجزائر دفع بالمواطنين لسد الفجوة (غيتي)
TT

مشاهد 2019 الصحافية... تراجع للحريات وانتهاكات بلغت حد العنف

تعذر تغطية الإعلام لاحتجاجات الجزائر دفع بالمواطنين لسد الفجوة (غيتي)
تعذر تغطية الإعلام لاحتجاجات الجزائر دفع بالمواطنين لسد الفجوة (غيتي)

فضائح، وتشويه، وتراجع للحريات، كانت أبرز مشاهد الانتهاكات التي ضربت المشهد الإعلامي العالمي في العام الجاري. وأظهرت نسخة 2019 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي أعدته منظمة «مراسلون بلا حدود»، أن وتيرة الكراهية ضد الصحافيين قد تصاعدت إلى درجة جعلتها تبلغ حد العنف، الأمر الذي أدى إلى تنامي الشعور بالخوف، إذ يستمر تقلص دائرة البلدان التي تُعتبر آمنة؛ حيث يمكن للصحافيين ممارسة مهنتهم بأمان، في حين تشدد الأنظمة الاستبدادية قبضتها على وسائل الإعلام أكثر فأكثر.
ومن خلال تصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود»، الذي يقيِّم سنوياً حالة الصحافة في 180 بلداً، تبيَّن أن آلة الخوف تعمل بأقصى طاقتها، مما يقوض بشدة ممارسة الصحافة في ظروف هادئة. فقد ترتب على العداء المُعلن ضد الصحافيين؛ بل وحتى الكراهية التي ينقل عدواها بعض القادة السياسيين في كثير من البلدان، أعمال عنف أكثر خطورة من ذي قبل، وعلى نحو متكرر أكثر من أي وقت مضى، مما أدى إلى تفاقم الأخطار التي تنطوي عليها مهنة الصحافة، وهو ما خلق مستوى غير مسبوق من الخوف في بعض الأماكن.
وتميز تصنيف عام 2019 بتربع النرويج على الصدارة للسنة الثالثة على التوالي، في حين استعادت فنلندا المركز الثاني، على حساب هولندا؛ حيث يجبر صحافيان متخصصان في الجريمة المنظمة على العيش تحت حماية الشرطة الدائمة. وفي المقابل تراجعت السويد مرتبة واحدة لتحتل المركز الثالث، بعد تجدد أحداث التنمر السيبراني ضد الصحافيين.
وعلى صعيد القارة الأفريقية، حققت كل من إثيوبيا، وغامبيا تقدماً ملحوظاً.
هذا وتواصل دول كثيرة تراجعها على جدول التصنيف، كما هو الحال بالنسبة لفنزويلا؛ حيث يتعرض الصحافيون للاعتقالات وأعمال العنف على أيدي عناصر الشرطة، وروسيا التي تشهد موجة من الضغط المتزايد من الكرملين على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام المستقلة، التي تطالها اعتقالات وعمليات تفتيش تعسفي، ناهيك عن القوانين السالبة للحريات.
من جهتها، فقدت فيتنام مرتبة واحدة، متقدمة بفارق ضئيل عن الصين.
وفي القرن الأفريقي، تراوح إريتريا مكانها، رغم تهدئة علاقاتها مع الجارة إثيوبيا، بينما حلت تركمانستان محل كوريا الشمالية في المركز الأخير.
وفي ضوء ترسخ مناخ معاد للصحافة أكثر فأكثر، بسبب تصريحات دونالد ترمب وغيرها من الممارسات، فقدت الولايات المتحدة ثلاث مراتب في عام 2019، مما يعكس بوضوح الوضع الإشكالي الذي تعيشه البلاد؛ حيث لم يسبق أبداً أن بلغت وتيرة التهديدات بالقتل ضد الفاعلين الإعلاميين الحد الذي وصلت إليه في الآونة الأخيرة، كما لم يسبق للصحافيين أبداً أن تقدموا بمثل هذا الكم الهائل من طلبات الحماية لشركات أمن خاصة في الولايات المتحدة.
ومن هذه المشاهد، العدوان الذي وقع على حرية الصحافة من جانب حكومتي فيكتور أوربان في المجر، وألكسندر فوتشيتش في صربيا، عقب إقدام الزعيمين على تركيز ملكية وسائل الإعلام في أيدي أعوان لهما، لضمان تأييد وسائل الإعلام الأوسع انتشاراً للسياسات الحكومية وتشويه المعارضين.
وشهدت النمسا في مايو (أيار) الماضي، ما أطلق عليه «فضيحة إبيزا» التي عصفت بهاينز كريستيان شتراخه، النائب السابق للمستشار النمساوي، والزعيم السابق لحزب «الحرية» اليميني المتطرف، لدى تسريب فيديو جرى تسجيله سراً في إبيزا بإسبانيا، يظهر فيه شتراخه ونائبه في رئاسة الحزب آنذاك يوهان غودنوس، يناقشان مع سيدة أعمال روسية قدمت نفسها باعتبارها ابنة شقيقة الملياردير الروسي إيغور ماكاروف، توفير تغطية إخبارية إيجابية عن الحزب، مقابل الحصول على تعاقدات حكومية. ودفعت الفضيحة الرجلين لاعتزال العمل السياسي.
أما بريطانيا فكانت على موعد مع زلزال إعلامي من نوع مختلف بعض الشيء، عندما أعلن الأمير أندرو، نجل الملكة إليزابيث، ودوق يورك، عن تخليه عن جميع مهامه الملكية، في أعقاب مقابلة أجرتها معه محطة «بي بي سي» تحدث خلالها عن علاقته بالملياردير الأميركي جيفري إبستين، والاتهامات الموجهة له بإقامة علاقات مع قاصرات. وأثارت المقابلة ردود فعل حادة للغاية ضد أندرو، بسبب ما اعتبره كثيرون صلفاً من جانبه، وعدم تقديمه اعتذاراً لائقاً. كما ارتبط اسم إبستين بفضيحة إعلامية أخرى في الولايات المتحدة.
وفي أميركا، كشفت مؤسسة «ساوزرن بفرتي لو سنتر» في نوفمبر (تشرين الثاني)، النقاب عن رسائل بريد إلكتروني، توضح تعمد ستيفين ميلر، المستشار البارز لدى البيت الأبيض، الترويج لخطاب عنصري استعلائي لصالح البيض، وأفكار يمينية متطرفة عبر موقع «بريتبارت». ودعا أكثر من 80 عضواً بالكونغرس، و55 مؤسسة معنية بالحقوق المدنية، وثلاثة مرشحين رئاسيين بالحزب الديمقراطي إلى إجبار ميلر على الاستقالة من منصبه بالبيت الأبيض، أو طرده.
وفي الهند، تعرضت الصحافة لهجمات مستمرة، في ظل إدارة حكومة «بهاراتيا جاناتا» بقيادة ناريندرا مودي، ووصل الأمر إلى شن غارات ضد منازل الصحافيين ومكاتبهم. أما التطور الإعلامي الأبرز، فكان اشتعال حرب إعلامية كبرى بين الهند وباكستان، في أعقاب هجوم كشمير الانتحاري، فبراير (شباط) الماضي، عندما فجر انتحاري نفسه في قافلة أمنية هندية في كشمير، ما أسفر عن مقتل 40 من قوات الأمن الهندية. في خضم هذه الحرب، تورطت وسائل الإعلام من الجانبين في تأجيج الخلافات، وتقديم تغطية إعلامية متحيزة وذات نبرة قومية متطرفة، ونشر معلومات كاذبة.
مع هذا، لم تخلُ الصورة العالمية من بارقة أمل، تمثلت في تقدم ملموس على صعيد حرية الإعلام بعدد من الدول، أبرزها: إثيوبيا، وماليزيا، والإكوادور، وغامبيا. بينما حظي العالم العربي ببعض الاختراقات الإعلامية خلال العام، في ظل الدور الذي لعبه الصحافيون بالجزائر في تغطية المظاهرات المناوئة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والإطاحة به نهاية الأمر. وكذلك في السودان، وبسبب القبضة الحديدية التي فرضها نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير على وسائل الإعلام، تدخلت صحافة المواطنين ووسائل إعلام تبث من خارج البلاد، لسد الفجوة، وتغطية المظاهرات التي اشتعلت ضد النظام، وساهمت في إسقاطه نهاية الأمر في أبريل (نيسان) الماضي.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».