تغريبة سورية جديدة في إدلب

أطفال في مخيم قرب حدود تركيا بعد نزوحهم من جنوب إدلب أمس (أ.ف.ب)
أطفال في مخيم قرب حدود تركيا بعد نزوحهم من جنوب إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

تغريبة سورية جديدة في إدلب

أطفال في مخيم قرب حدود تركيا بعد نزوحهم من جنوب إدلب أمس (أ.ف.ب)
أطفال في مخيم قرب حدود تركيا بعد نزوحهم من جنوب إدلب أمس (أ.ف.ب)

نزح أكثر من 235 ألف شخص، خلال نحو أسبوعين، جراء التصعيد العسكري الأخير في محافظة إدلب بشمال غربي سوريا، بحسب الأمم المتحدة، أول من أمس (الجمعة)، تزامناً مع تكثيف قوات النظام وحليفتها روسيا وتيرة غاراتها على المنطقة، ما كان بمثابة تغريبة سورية جديدة، وسط الأمطار والبرد باتجاه حدود تركيا.
ويتعرض ريف إدلب الجنوبي، منذ أسبوعين، لقصف تشنه طائرات سورية، وأخرى روسية، يتزامن مع تقدم لقوات النظام على الأرض، في مواجهة الفصائل المقاتلة، على رأسها «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، وتحديداً في محيط مدينة معرة النعمان، التي تُعدّ ثاني أكبر مدن محافظة إدلب.
وشهد ريف إدلب الجنوبي موجات نزوح ضخمة رصدوها خلال الأيام الماضية، إذ اكتظت الطرق المؤدية إلى شمال المحافظة بشاحنات وسيارات محملة بالنازحين وحاجاتهم المنزلية.
وأورد «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية» التابع للأمم المتحدة، في بيان، أنه بين 12 و25 من الشهر الحالي، نزح أكثر من 235 ألف شخص من شمال غربي سوريا، مشيراً إلى أن كثيرين منهم فروا من مدينة معرة النعمان، وقرى وبلدات في محيطها، وجميعها باتت «شبه خالية من المدنيين». ويأتي النزوح الجماعي في وقت تتساقط فيه أمطار غزيرة في المنطقة، وتتسبب بفيضانات في مخيمات النازحين.
وتقول أم عبدو التي وصلت مع أطفالها الخمسة مؤخراً إلى مخيم فرب مدينة دانا شمال مدينة إدلب: «لا نستطيع أن نعيش في خيام». وأضافت: «نريد مساعدات (...) الشتاء قوي ونريد تدفئة» وملابس وطعاماً.
وذكّر «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية» التابع للأمم المتحدة بأن التنقلات في «الشتاء تفاقم الوضع الضعيف» الذي يعاني منه «البعض خصوصاً النساء والأطفال والمسنين». وندد أيضاً بتعليق بعض المنظمات غير الحكومية مساعداتها جراء المعارك.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتنشط فيها أيضاً فصائل إسلامية ومعارضة أقل نفوذاً.
ومنذ سيطرة الفصائل المقاتلة على كامل المحافظة، في عام 2015، تصعد قوات النظام بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشنّ هجمات برية تحقق فيها تقدماً، وتنتهي عادة بالتوصل إلى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا. وسيطرت قوات النظام خلال هجوم استمر أربعة أشهر وانتهى بهدنة في نهاية أغسطس (آب) على مناطق واسعة في ريف المحافظة الجنوبي، أبرزها بلدة خان شيخون الواقعة على الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق.
ويتركز التصعيد العسكري اليوم على مدينة معرة النعمان ومحيطها شمال خان شيخون، والواقعة أيضاً على هذا الطريق الاستراتيجي.
وحققت قوات النظام تقدماً ملحوظاً خلال الأيام الماضية بسيطرتها على عشرات القرى والبلدات في الريف الجنوبي، كما حاصرت نقطة مراقبة تركية شرق معرة النعمان.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أول من أمس (الجمعة)، باستمرار الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام من جهة، و«هيئة تحرير الشام» والفصائل الأخرى من جهة ثانية، شرق معرة النعمان، تزامناً مع قصف مدفعي يستهدف قرى وبلدات في محيط المدينة.
ويتوجه الفارون بشكل أساسي إلى مدن أبعد شمالاً مثل إدلب وأريحا وسراقب أو إلى مخيمات النازحين المكتظة بمحاذاة الحدود مع تركيا، ومنهم مَن يذهب إلى مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة شمال حلب.
وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن بعض النازحين ممن فروا إلى منطقة سراقب شمالاً، اضطروا إلى النزوح مرة أخرى تفادياً للتصعيد الذي قد يطاولها أيضاً. وأشار متحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية هو ديفيد سوانسون، أول من أمس (الجمعة)، إلى أن أكثر من 80 في المائة من الذين فرّوا من جنوب محافظة إدلب في ديسمبر (كانون الأول) هم نساء وأطفال. وتؤوي محافظة إدلب ومناطق محاذية لها في محافظات مجاورة نحو ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم من النازحين من مناطق أخرى. وأسفر الهجوم السوري الروسي، خلال أربعة أشهر، عن مقتل نحو ألف مدني، وفق المرصد السوري، كما وثقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 400 ألف شخص، خلال تلك الفترة إلى مناطق أكثر أمناً في المحافظة، وتحديداً قرب الحدود التركية.
والثلاثاء، أعلنت أنقرة إجراء محادثات مع روسيا، في محاولة للتوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار في محافظة إدلب، داعية إلى وقف القصف فوراً. وأثار تكثيف الهجوم على إدلب موجة تنديد.
ودعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أول من أمس (الخميس)، النظام السوري وحليفتيه روسيا وإيران إلى وقف «المجزرة» بحق المدنيين في إدلب.
وفي وقت سابق، طالبت فرنسا بـ«خفض تصعيد فوري»، متهمةً دمشق وحليفتيها بـ«مفاقمة الأزمة الإنسانية». وفي العشرين من ديسمبر (كانون الأول)، استخدمت روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن ضد مشروع قرار لتمديد الترخيص الممنوح للأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود، إلى أربعة ملايين سوري، بينهم سكان إدلب.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»