تعديل الحكومة... أبرز أحداث المغرب في 2019

عرفت تقليص عدد أعضائها... وغياب وزارة الاتصال لأول مرة منذ استقلال البلاد

العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)
TT

تعديل الحكومة... أبرز أحداث المغرب في 2019

العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)

يرى متتبعون للشأن السياسي المغربي أن تعديل الحكومة كان أبرز حدث سياسي عرفه المغرب خلال العام الحالي.
ففي 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد أكثر من شهرين من المشاورات السياسية، ولدت الحكومة الثانية للدكتور سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، وسميت «حكومة الكفاءات». وجاء هذا التعديل بتوجيهات من العاهل المغربي الملك محمد السادس، تحضيراً للمرحلة الجديدة، التي ستدخلها البلاد في أفق اعتماد نموذج تنموي جديد.
وأبرز ما حمله التعديل الحكومي هو تقليص عدد أعضاء الحكومة من 39 وزيراً إلى 23. فضلاً عن تجميع بعض القطاعات الوزارية بغرض «تعزيز النجاعة والانسجام، والتنسيق في العمل الحكومي». كما غابت وزارة الاتصال (الإعلام سابقاً) من التشكيلة، وذلك لأول مرة منذ استقلال المغرب عام 1956. وجرى إلحاقها بوزارة الثقافة والشباب والرياضة.
وكان الملك محمد السادس قد دعا في 29 يوليو (تموز) الماضي، بمناسبة الذكرى الـ20 لتوليه مقاليد الحكم، رئيس الحكومة إلى «رفع مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، على أساس الكفاءة والاستحقاق». وشدد على أن «المرحلة الجديدة ستعرف جيلاً جديداً من المشروعات، ونخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخّ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة».
كما تعهد الملك محمد السادس، أيضاً، في الخطاب ذاته، بتدشين مرحلة جديدة، قوامها «المسؤولية والإقلاع الشامل»، والحد من «التفاوتات الصارخة».
ورأى مراقبون في الهيكلة الجديدة للحكومة مكتسباً بالنسبة للتجربة السياسية والديمقراطية المغربية؛ لأنها تهدف إلى عقلنة العمل السياسي، وتحديث الهندسة الحكومية، وذلك في احترام للدستور والدور السياسي للأحزاب. إلا أن البعض رأى أن هذه الهندسة الجديدة ليست سوى خطوة لإضعاف الأحزاب السياسية في أفق التحكم في نتائج الانتخابات التشريعية المقررة في 2021. لكن من جهة أخرى، تقلص حضور عدد النساء في الحكومة المعدلة إلى 4 وزيرات، بينما كان عددهن في الحكومة السابقة 8 وزيرات وكاتبات دولة (وزيرات دولة).
وحافظت حكومة العثماني الثانية على معظم وجوه الحكومة السابقة، وبخاصة وزراء السيادة. كذلك حافظ معظم الوزراء الحزبيين في الحكومة السابقة على حقائبهم، أو أسندت إليهم حقائب جديدة، وبلغ عدد الوزراء المجدد لهم 11 وزيراً.
نور الدين مضيان، القيادي في حزب الاستقلال المعارض ورئيس الكتلة النيابية للحزب في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، قال لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز حدث سياسي عرفه المغرب «هو التعديل الحكومي، الذي ترجم فشل الحكومة في تدبير الشأن العام»، موضحاً أن هذا التعديل جاء نتيجة فشل الحكومة في تدبير عدد من القطاعات، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية، «فلو كان أداء الحكومة جيداً لما حدث هذا الزلزال، الذي أتى على نصف أعضائها»، بحسب تعبيره.
كما لفت المسؤول الحزبي المغربي إلى أن الملك محمد السادس أصر في خطابه على ضرورة الاعتماد على الكفاءات، ما يعني أن الحكومة السابقة في نسختها الأولى فشلت في تنفيذ الإصلاحات، التي وعدت بها في برنامجها الحكومي، وأن الاحتجاجات التي عرفتها بعض المدن المغربية جاءت نتيجة عدم رضا فئات عريضة من الشعب عن أداء الحكومة الاقتصادي والاجتماعي. مضيفاً أن «هناك مؤشرات أخرى دالة على فشل الحكومة في مجالات أخرى مثل محاربة الفساد».
كما شدد مضيان على أن حدث تعديل الحكومة «هو تتويج لمجموعة من التراكمات السلبية، والفشل الذريع في تدبير الشأن العام».
ورداً على سؤال حول توقعاته للعام المقبل، قال مضيان: «فاقد الشي لا يعطيه لأننا كنا نتوخى من التعديل أن يحدث قطيعة مع الحكومة السابقة. إلا أنه اقتصر على تغيير بعض الأسماء والرؤوس، وتبادل المواقع، وتجميع بعض الوزارات في وزارة واحدة، ولم نر أي كفاءات. لذا جاء هذا التغيير مخيباً للآمال، في حين كنا نتطلع أن يشمل التغيير البرنامج الحكومي كله، الذي ظل كما هو منذ 2016».
وختم مضيان بالقول إن «الوضع سيظل على حاله حتى 2021؛ حيث نأمل أن يتحمل الشعب المغربي مسؤوليته في اختيار من ينوب عنه ومن يحكمه».
شكلت زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، للمغرب في 30 مارس (آذار) الماضي، حدثاً بارزاً خلال عام 2019 لأنها جرت بعد 33 سنة من الزيارة التاريخية، التي قام بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني للبلاد في 19 أغسطس (آب) 1985، ولقائه الملك الراحل الحسن الثاني في الدار البيضاء.
وأبرز ما ميز الزيارة الخطاب، الذي ألقاه كل من العاهل المغربي الملك محمد السادس والبابا فرنسيس في باحة مسجد حسان بالرباط، والذي تطرقا فيه إلى سبل مواجهة التطرف؛ حيث قال الملك محمد السادس إن «الحل في مواجهة التطرف ليس عسكرياً ولا مالياً، بل يكمن في التربية»، مبرزاً أن «ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية، وانعدام التعارف المتبادل، ولم يكن يوماً الدين». داعياً إلى إيلاء الدين مجدداً المكانة التي يستحقها في مجال التربية، بقوله: «ليس الدين هو ما يجمع بين الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين».
من جانبه، اعتبر البابا فرنسيس زيارته للمغرب، الذي يشكل بنظره جسراً طبيعياً بين قارتي أفريقيا وأوروبا، «فرصة مهمة لتعزيز الحوار بين الأديان والتعارف المتبادل بين مؤمني الديانتين، والتأكيد على ضرورة توحيد الجهود من أجل إعطاء دفع جديد لعملية بناء عالم أكثر تضامناً».
وتعليقاً على هذه الزيارة، قال عبد الفتاح بلعمشي، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة بابا الفاتيكان للمغرب «جاءت في إطار توجه المغرب نحو دعم حوار الأديان والحضارات لمواجهة مختلف الأزمات والظواهر المرتبطة بالعنف والإرهاب، التي لم تعد مقترنة بمنطقة معينة، بل منتشرة على مستوى العالم».
كما أبرز بلعمشي أهمية الزيارة التي وصفها بـ«التاريخية»، كونها حظيت بتغطية إعلامية واسعة، مضيفاً أن لقاء البابا ممثل الديانة الكاثوليكية والملك محمد السادس، أمير المؤمنين، شكل نوعاً من تبرئة ذمة الدين من العنف المستشري في المجتمعات، وحاول إلى حد بعيد تسليط الضوء على الأسباب التي تؤدي إلى الأفكار والسلوكيات المتطرفة.
كما أوضح المحلل السياسي المغربي أن اختيار بابا الفاتيكان المغرب للقيام بتلك الزيارة يجسد الاحترام والمكانة التي يحظى بها، والجهود التي يبذلها في مجال نشر الأفكار الوسطية المعتدلة، فضلاً عن الإصلاحات التي جرى اعتمادها في مجال الحقل الديني من قبيل تكوين الأئمة والمرشدين ومأسسة الشأن الديني التي يتميز بها المغرب.
وفي سياق مختلف، عرف المغرب خلال العام 2019 قضايا أثارت جدلاً، أبرزها قضية اعتقال الصحافية هاجر الريسوني، التي تعمل في صحيفة «أخبار اليوم».
واعتقلت الريسوني في سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما كانت تهم بمغادرة عيادة طبيب نساء، وجرى إيداعها السجن ووجهت لها تهمة الإجهاض، وإقامة علاقة جنسية خارج الزواج. وقد أخذت قضية الريسوني أبعاداً سياسية بعد أن ربط البعض بين اعتقالها ومقالاتها الصحافية. كما حظيت قضيتها بدعم عدد كبير من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
وأعاد اعتقال الريسوني ملف الحريات الفردية إلى الواجهة في المغرب، وأصدر على إثرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة رسمية، تقريراً أوصى فيه برفع التجريم عن الإجهاض والعلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين، ما خلف جدلاً كبيراً بين مؤيدي توسيع الحريات الفردية، ومعارضي هذا التوجه لتعارضه مع ثوابت الدين الإسلامي.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.