فضيحة تحويل سياسيين لبنانيين مليارات الدولارات للخارج تربك المصارف

TT

فضيحة تحويل سياسيين لبنانيين مليارات الدولارات للخارج تربك المصارف

تفاعلت تصريحات الخبير المالي الدكتور مروان إسكندر، التي كشف فيها عن تحويل سياسيين لبنانيين أموالاً إلى الخارج بمليارات الدولارات، وخلقت إرباكاً لدى الأوساط السياسية والمصرفية وحتى القضائية، وزادت من نقمة الانتفاضة الشعبية على الطبقة الحاكمة في لبنان، وسارع القضاء إلى فتح تحقيق بهذه المعلومات، بموازاة تحقيقات يجريها مصرف لبنان المركزي.
وأثارت هذه المعلومات نقمة كبيرة في لبنان، خصوصاً أنها تأتي في الوقت الذي تفرض فيه المصارف قيوداً مشددة على سحوبات المودعين، وتحظر عليهم تحويل أي مبلغ بالعملات الأجنبية إلى الخارج، بمن فيهم التجّار المضطرون إلى سداد ثمن بضائعهم المستوردة، وحتى المواطنون الراغبون في تحويل أموال لأبنائهم الذين يدرسون في الخارج.
واستدعت هذه المعلومات اجتماعاً طارئاً للجنة المال والموازنة يوم الخميس الماضي، حضره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أعلن بعد الاجتماع أنه «سيتم التحقيق في تقارير حول قيام مسؤولين وأصحاب مصارف بتحويلات مالية إلى الخارج في العام الحالي». وقال: «سنقوم بكل ما يسمح به لنا القانون، لنتحقق من كل التحويلات التي حصلت في عام 2019 إلى الخارج، وما إذا كانت هناك أموال مشبوهة». وأكد سلامة أن «الحديث كثر في هذا الموضوع، ويتعلق بأموال سياسيين وإداريين في القطاع العام وأصحاب المصارف (يتم تحويلها إلى الخارج) لكن يجب التأكد من ذلك».
وأمس، قال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، إن «قصة الأموال المحوّلة أو المهرّبة بعد 17 تشرين أصبحت كقضية استعادة الأموال المنهوبة أو الموهوبة، الفرق أنها ليست بحاجة لقانون وهي مسؤولية حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وأصحاب المصارف»، وكتب على حسابه على «تويتر»: «إذا لم يفعلوا شيئاً ولم يكشفوا الأرقام وأصحابها، علينا التحرك في بداية السنة».
في هذا الوقت، أكد مرجع قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحقيقات مكثفة بدأها يوم الجمعة (أول من أمس)، قسم المباحث الجنائية المركزية، بإشراف مباشر من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات». وأوضح أن التحقيق «بدأ بالاستماع إلى إفادة صاحب المعلومات الخبير المالي مروان إسكندر، الذي قدّم ما لديه من معطيات»، لافتاً إلى أن «الأمور قيد المتابعة وتحتاج إلى مزيد من التحقيقات بالتعاون مع مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف».
وفي وقت نُقل عن إسكندر أن التحويلات إلى الخارج بلغت 6.5 مليار دولار، لفت الأخير إلى أن «هناك بعض اللغط حول فهم المعلومات التي أدلى بها». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الأموال التي تحدث عنها «جرى تحويلها بشكل طبيعي وليس تهريبها كما يجري تداوله».
وكشف أن «المسؤولة السويسرية أبلغته أن الأموال المحوّلة تبلغ قيمتها ملياري دولار أميركي، وهي تعود لـ9 سياسيين لبنانيين»، معتبراً أن «الخطورة تكمن في أن المبالغ جرى تحويلها في الأيام الـ15 الأخيرة، أي في ذروة أزمة السيولة». وشدد على أن «البرلمان السويسري بدأ إجراء تحقيق جدي في هذه الموضوع، وهو سينشر نتائج هذا التحقيق فور الانتهاء منه، ولا أعتقد أن الجانب اللبناني سيتوصل إلى معلومات قبل انتهاء التحقيق السويسري». وأضاف إسكندر: «هناك صعوبة كبيرة في استعادة الأموال التي ذهبت إلى الخارج»، مذكّراً بـ«رئيس الفلبين الذي توفي قبل 30 عاماً، ولديه 2.5 مليار دولار في الخارج، لا تزال دولة الفلبين عاجزة عن استعادتها، كما أن الدولة المصرية لم تتمكن من استعادة أموال الرئيس الأسبق حسني مبارك».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.