المغرب... مهرجانات ومعارض وإصدارات وجوائز... ورحيل فنانين وأدباء

الجمع بين قطاعات الثقافة والرياضة والشباب في حقيبة واحدة

من جداريات أصيلة
من جداريات أصيلة
TT

المغرب... مهرجانات ومعارض وإصدارات وجوائز... ورحيل فنانين وأدباء

من جداريات أصيلة
من جداريات أصيلة

حافظت 2019 على إيقاع العرض الثقافي، سواء تعلق الأمر بالمظاهرات ذات الصيت الدولي، أو مواعيد الاحتفاء بالنبوغ والتميز الأدبي، فضلاً عن تواصل وتيرة النشر بطرح عدد من الكتاب والمؤسسات جديدهم الأدبي. كما تميزت السنة بتعيين الحسن عبيابة وزيراً جديداً للثقافة، خلفاً لمحمد الأعرج، مع مستجد يتمثل في الجمع بين قطاعات الثقافة والرياضة والشباب في حقيبة واحدة.
وتأكيداً للغنى الذي يميز الثقافة المغربية، بخلفيتها الحضارية في بعدها الكوني، وافقت اليونيسكو على تسجيل فن «كناوة» كتراث ثقافي إنساني غير مادي.
وبقدر ما أكدت هذه المواعيد، وغيرها، حيوية ودينامية مغرب متنوع وغني بثقافته ومثقفيه، فقد أبت 2019 إلا أن تترك حزناً في النفوس، بعد رحيل عدد من الأسماء التي تميزت بمسارها الأدبي والفني.
- مهرجانات
نظمت، في 2019، بعدد من المدن المغربية، مهرجانات ذات صيت عالمي. ففي أصيلة، حافظ «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، في دورته الـ41، على روح وتوجه هذه التظاهرة المتميزة، التي تحولت إلى موعد سنوي غني بقيمة وتنوع برامجه وراهنية القضايا التي تطرح للنقاش، بمشاركة نوعية لفاعلين من عوالم السياسة والفكر والفن والأدب، من مختلف مناطق العالم. وتضمن برنامج دورة هذه السنة فقرات متناغمة المضامين، شملت الدورة الـ34 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، ومشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل، ومشاغل الفنون التشكيلية، التي تشمل الصباغة على الجداريات ومشغل الفنون التشكيلية، فضلاً عن مشغل بيداغوجي لتدريب الأطفال على ممارسة الرسم والصباغة، ومعارض، وعروضاً موسيقية وغنائية.
وفي مراكش، كرم المهرجان الدولي للفيلم، في دورته الـ18، أربعة أسماء سينمائية متميزة: الأميركي روبرت ريدفورد، والممثلة الهندية كيارا ماستروياني، والمخرج الفرنسي برتراند تافيرنييه، والممثلة المغربية منى فتو؛ كما كرم السينما الأسترالية. فيما منحت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة، برئاسة الأسكوتلندية تيلدا سويتون، الجائزة الكبرى للمهرجان لفيلم «وادي الأرواح» للمخرج الكولومبي نيكولاس رينكون خيل.
وواصلت الصويرة، احتضانها لمهرجاناتها الموسيقية، فتحت عنوان «عندما يدعونا حوار الثقافات للقيام برحلة»، حافظت الدورة الـ22 لمهرجان «كْناوة وموسيقى العالم»، على عادة هذه التظاهرة في استقطاب جمهور غفير ومتنوع، غصت به جنبات مختلف الفضاءات التي احتضنت الحفلات الـ40 التي تضمنها البرنامج، فضلاً عن فقرات التكريم والورشات و«شجرة الكلمات» وفعاليات الدورة الثامنة من «منتدى الصويرة لحقوق الإنسان» الذي ناقش «قوة الثقافة في مواجهة ثقافة العنف».
وشهدت الدورة الـ16 لمهرجان «أندلسيات أطلسية»، برمجة 15 حفلاً موسيقياً أبرزت «نبل التراث الموسيقي اليهودي العربي». فيما اقترحت الدورة الـ19 لمهرجان «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» أمسيات، تحت عناوين «بيتهوفن المندفع»، و«فيفالدي الممجد»، و«مندلسون المحموم»، و«برامز الإنساني»، و«شوبير الشاعر»، و«متخيل روبير شومان»، و«الجنون البهي لساتي».
وفي فاس، واصل مهرجان الموسيقى العالمية العريقة مسيرته، رافعاً، في دورته الـ25، شعار «فاس في ملتقى الثقافات»، مقترحاً فقرات موسيقية متنوعة، افتتحت بحفل مبتكر تحت عنوان «فاس ذاكرة المستقبل».
وفي الرباط، واصل مهرجان «موازين... إيقاعات العالم»، في دورته الـ18، استقطاب أبرز نجوم الغناء في العالم؛ حيث تابع عشرات الآلاف، حفلات فنانين مغاربة، وعرب وغربيين.
وفي مراكش، اقترح المهرجان الوطني للفنون الشعبية، الذي يعنى بالتراث الفني غير المادي في المغرب، «الثروة والتنوع في التراث الثقافي الوطني» شعاراً لدورته الـ50، التي شهدت مشاركة فرق مغربية وأجنبية.
وأعاد الفنان اللبناني مارسيل خليفة جمهور مهرجان الشعر المغربي، في دورته الثانية، التي نظمتها «دار الشعر» بمراكش، إلى أيام «ريتا» و«البندقية»، وحقيقة القصيدة والأغنية، في زمن الإبداع الملتزم. فيما كان الموعد، في تطوان، مع «مهرجان الشعراء المغاربة»، في دورته الثالثة، التي نظمتها «دار الشعر»، وتميزت بحفل افتتاح أحيته الفنانة اللبنانية أميمة الخليل، فضلاً عن فقرات تكريمية وشعرية ونقدية متنوعة. كما احتضنت المدينة ذاتها المهرجان الوطني للمسرح، في دورته الـ21؛ التي أسفرت نتائج مسابقتها عن فوز مسرحية «يرما - سماء أخرى»، لفرقة «أكون للثقافات والفنون» من الرباط، بـ«الجائزة الكبرى».
- فنون تشكيلية
واصلت المتاحف والأروقة المغربية اقتراح معارض فنية، أكدت الدينامية التي يشهدها المشهد التشكيلي المغربي. ومن بين عشرات المعارض المقترحة بمختلف جهات المغرب، يمكن التوقف، مثلاً، عند المعارض، التي اقترحها «متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر» بالرباط، من قبيل «ملحُ أرضي»، تكريماً للفنان المغربي الراحل حسن الكلاوي، أحد الرواد المؤسسين للفن التشكيلي بالمغرب؛ أو المعرض الجماعي «أضواء أفريقيا»، بمشاركة 54 فناناً أفريقياً، تقاطعت أعمالها عند موضوع الطاقة وتحدياتها بأفريقيا، وفق رؤية تقوم على تنوع وقوة وتميز الفن الأفريقي المعاصر، كما تدفع إلى التفكير في تحديات تنمية القارة؛ أو معرض «ألوان الانطباعية... أروع الأعمال الفنية لمتحف أورساي»، الذي يعد أول معرض انطباعي يعبر ضفتي المتوسط.
- إصدارات
حافظ الكتاب المغربي على دينامية نشره وتداوله، سواء داخل أو خارج البلد، من خلال منجز بقدر ما توزعته مختلف أجناس الكتابة أظهر أن جديد النشر المغربي وجِدّتَهُ تتقاسمه الأسماء المكرسة والصاعدة، على حد سواء. كما استأنفت مجلة «المناهل»، التي يصدرها قطاع الثقافة، مسيرتها، بعد 6 سنوات من الغياب، في سلسلة جديدة، وتحت إشراف إدارة جديدة، فيما واصل «بيت الشعر في المغرب» اقتراح جديده على مستوى النشر، تمثل في 14 كتاباً، في مجالي الترجمة والدراسات النقدية.
- بعد كوني
شهدت 2019 موافقة اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي اللامادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، على تسجيل فن «كناوة» كتراث إنساني ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي؛ وهو التسجيل الذي رأت فيه وزارة الثقافة والرياضة والشباب المغربية أنه «أبرز الخصائص التاريخية والفنية والاجتماعية المميزة لهذا الفن»، كما «أبرز الجهود المبذولة للتعريف به والمحافظة عليه وتثمينه وضمان نقله للأجيال الصاعدة».
وبتسجيله ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي الإنساني، ينضاف فن «كناوة» إلى 6 عناصر أخرى للتراث المغربي مسجلة على قائمة هذا التراث، هي «الفضاء الثقافي لساحة جامع الفنا»، و«موسم طانطان»، و«الحمية المتوسطية»، و«الصيد بالطيور الجارحة»، و«مهرجان حب الملوك»، و«الممارسات والدرايات المتعلقة بشجر الأركان» و«رقصة تسكوين».
- حصاد جوائز
شكل حفل تسليم الجوائز للفائزين بجائزة المغرب للكتاب (دورة 2019)، بالرباط، فرصة لتقدير عطاءات المتوجين في مجالات الإبداع الأدبي والبحث والترجمة، ودعم الإبداع والمبدعين.
وتوزعت الجوائز على 8 أصناف، شملت الشعر، والسرد، والعلوم الاجتماعية، والدراسات الأدبية والفنية واللغوية، والترجمة، والدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية، والإبداع الأدبي الأمازيغي، والكتاب الموجه للطفل والشباب، في وقت تم فيه حجب الجائزة الخاصة بصنف العلوم الإنسانية.
من جهتها، ذهبت جائزة «الأركانة» العالميّة للشعر لعام 2019، في دورتها الـ14، التي يَمنحُها «بيت الشعر في المغرب»، إلى الشاعر الأميركي تشارلز سيميك، الذي «يبدو مَسارُهُ الكتابيّ، الذي يَمتدُّ لأكثر مِنْ نصف قرن، كما لو أنّهُ يَنمو مُحَصَّناً ضدّ كلّ تصنيف جامد»، والذي بقدر ما تنفُذُ قصائدُه إلى آلامِ الإنسان وأهوال الحياة، تنطوي على «بُعدٍ ميتافيزيقي يَخترقُها ويَكشفُ فيها عمّا يفيضُ عن الواقعي وعمّا يُؤمِّنُ للمعنى سَعَتَهُ وشُسوعه وتَعَدُّدَ مَساربه».
- معرض النشر والكتاب
اقترح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، في دورته الـ25، برنامجاً متنوعاً، تضمن استضافة مملكة إسبانيا كـ«ضيف شرف»، ومشاركة أزيد من 720 عارضاً مباشراً وغير مباشر، من 42 بلداً، قدموا رصيداً وثائقياً جاوز 128 ألف عنوان. فيما شكل البرنامج الثقافي العام، فضاءً للنقاش الحر ولتداول الأفكار، بمجموع فقرات ناهز 1077 نشاطاً، موزعاً ما بين 473 ندوة ومائدة مستديرة، و320 توقيعاً لكتاب، و280 نشاطاً للطفل، و4 معارض موضوعاتية؛ بينما بلغ عدد المشاركين في البرنامج 2700 متدخل.
- آداب مرتحلة
بعد دورتي الرباط - سلا (2017) والدار البيضاء (2018)، حطت «الآداب المرتحلة»، في دورتها الثالثة، بمراكش.
وتميزت الدورة بمشاركة أسماء بارزة في عالم الأدب، بينها رشيد بوجدرة وعبد الفتاح كيليطو ونجاة فالود بلقاسم ورشا الأمير وزكية داود وماحي بينبين ومحمد برادة ومحمد الأشعري وإدريس الكراوي وسمية نعمان جسوس.
وتطمح هذه النظاهرة، حسب منظميها، إلى إرساء تقليد يجعل الكتاب في متناول مختلف الشرائح المجتمعة، سعياً وراء «دمقرطة القراءة وخلق اتصال مباشر بين القراء وكتابهم، وكذا تبادل الرأي حول الكتب من خلال الرابط العاطفي الذي يمكن أن يقوم مع مبدعيها».
- رحيل كتاب ومثقفين
لم تمر 2019 دون أن تترك في نفوس مثقفي وأدباء وفناني المغرب، بشكل خاص، وعموم المغاربة، حزناً على رحيل عدد من الأسماء التي كان لها حضورها على مستوى المنجز الأدبي والفني للبلد؛ حيث فقدت الساحة الفنية الممثل عبد الله العمراني، والموسيقي حسن ميكري، والممثلة أمينة رشيد. فيما فقدت الساحة الأدبية الكاتب الميلودي حمدوشي، الذي أغنى الخزانة المغربية بأكثر من 10 أعمال روائية بوليسية. كما تلقى المشهد الثقافي المغربي صدمة كبيرة بعد الوفاة المفاجئة للكاتب محسن أخريف، إثر صعقة كهربائية، أثناء تقديمه إحدى ندوات معرض للكتاب بتطوان.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.