الجيش الليبي يستعد لـ«معركة الأحياء» في طرابلس

قواته سيطرت على طريق المطار... وحفتر يشدد على «سرعة إنجاز مهمة» تحرير العاصمة

ليبيون يتفقدون آثار غارة جوية استهدفت مدينة الزاوية غرب طرابلس أول من أمس (أ.ف.ب)
ليبيون يتفقدون آثار غارة جوية استهدفت مدينة الزاوية غرب طرابلس أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الجيش الليبي يستعد لـ«معركة الأحياء» في طرابلس

ليبيون يتفقدون آثار غارة جوية استهدفت مدينة الزاوية غرب طرابلس أول من أمس (أ.ف.ب)
ليبيون يتفقدون آثار غارة جوية استهدفت مدينة الزاوية غرب طرابلس أول من أمس (أ.ف.ب)

واصل «الجيش الوطني الليبي» هجومه على مواقع تابعة لقوات «الوفاق» في طرابلس، محققاً مزيداً من التقدم الميداني نحو قلب العاصمة، بينما تعهدت حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج بالرد على قصف الجيش أول من أمس لمواقع خارج طرابلس.
وتزامنت هذه التطورات مع توجه عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، برفقة اللواء فرج المهدوي رئيس أركان القوات البحرية بالجيش، إلى قبرص أمس، في زيارة عمل رسمية تستهدف تنسيق المواقف المشتركة لإجهاض اتفاق السراج مع تركيا.
وقال مسؤول عسكري رفيع المستوى بالجيش الوطني لـ«الشرق الأوسط»، مشترطاً عدم تعريفه، إن قائد الجيش المشير خليفة حفتر «دعا قادة قواته الذين التقاهم بمقره في الرجمة قبل أيام قليلة، إلى سرعة إنجاز المهمة المكلفة بها قوات الجيش لتحرير العاصمة طرابلس من قبضة الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة السراج».
وأوضح المسؤول، الوثيق الصلة بتفاصيل هذا الاجتماع، أن «المشير حفتر أبلغ هؤلاء القادة أن الزمن عنصر مهم لنجاح هذه المهمة»، لكنه رفض الإفصاح عن مزيد من التفاصيل عما دار في لقاء حفتر بقادة قواته.
وقال أحمد المسماري، المتحدث باسم «الجيش الوطني الليبي»، أمس الجمعة، إن تطورات الساعات المقبلة ستكون مفاجئة لكل الليبيين، لافتاً إلى أن قوات النخبة تستعد لدخول معركة الأحياء الرئيسية في طرابلس، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الأنباء الألمانية نقلاً عن قناة «العربية».
وأضاف المسماري في مقابلة عبر الهاتف مع «العربية»: «سيطرنا على مناطق استراتيجية في طريق المطار بطرابلس، ونخوض معارك شرسة في المرحلة الأخيرة لتحريرها». وكشف المسماري أن الميليشيات تتمركز وسط المناطق السكنية في طرابلس، مشيراً إلى وجود عشرات الجثث للميليشيات على طول طريق المطار في طرابلس. وقال إن عدد قتلى الميليشيات بلغ نحو 940 قتيلاً خلال المعارك منذ 4 أبريل (نيسان) الماضي.
وأكد المسماري أن سيطرة قوات الجيش الليبي تبدأ من مفترق صلاح الدين حتى مقسم النعاجي جنوب طرابلس.
وكان «الجيش الوطني» أعلن ظهر أمس سيطرته على طريق مطار طرابلس ومعسكر النقلية الاستراتيجي في العاصمة. وأكد اللواء خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه في الجيش الليبي أن قوات الجيش تقترب من قلب العاصمة طرابلس، ولا يفصلها سوى أقل من 4 كيلومترات، بحسب تصريحاته لـ«العربية. نت». وكان مسؤول في حكومة السراج المعترف بها دولياً، قد أكد لوكالة «رويترز» إرسالها طلباً رسمياً للحصول على دعم عسكري تركي براً وجواً وبحراً، بعد ساعات فقط من إعلان فتحي باش أغا وزير الداخلية في الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً في تصريحات للصحافیین في تونس أن لیبیا لم تقدم بعد طلباً رسمیاً بذلك. وقال باش أغا إن المشير حفتر «منح قواعد عسكرية لدول أجنبية»، مضيفاً أن «ظل هذا الموقف يتصاعد لنا الحق في أن ندافع عن طرابلس، وأن هذا الموقف سوف يتصاعد وسنطلب من الحكومة التركية رسمياً دعماً عسكرياً».
وتعهدت حكومة السراج بأن «الرد الحاسم» سيأتي في الميدان، بعدما اتهمت قوات الجيش الوطني بقصف صيدلية ومحال تجارية في مدينة الزاوية (غرب طرابلس) وقبلها بيومين منطقة بئر الأسطى ميلاد بتاجوراء (شرق طرابلس)، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى مدنيين. وقالت إنها لن تدخر جهداً في حماية الليبيين، وإن «هذه الجرائم لن تمر دون رد شديد في ساحة المعركة».
وبعدما ذكّرت البعثة الأممية بمسؤولياتها في ضمان سلامة المدنيين والمرافق العامة ومقدرات الشعب وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولية والإنسانية، أكدت حكومة السراج مجدداً أن غياب الموقف الدولي الرادع تجاه حفتر هو ما شجعه على «مواصلة ارتكاب الانتهاكات البشعة التي ترقى إلى جرائم حرب»، على حد زعمها.
ونقلت وكالة أنباء «شينخوا» الصينية عن أمين الهاشمي المستشار الإعلامي بوزارة الصحة بحكومة السراج أن اثنين من المدنيين قتلا و12 آخرين أصيبوا بجروح، جراء قصف جوي تعرضت له مواقع مدنية في مدينة الزاوية الواقعة على بعد 45 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس، مشيراً إلى أن القصف استهدف أيضاً محال تجارية على الطريق الساحلي للمدينة.
كما أعلنت مؤسسة النفط الموالية لحكومة السراج عن سقوط قذيفة بالقرب من ميناء الزاوية النفطي. وجددت المؤسسة دعواتها إلى «الوقف الفوري للاشتباكات والابتعاد عن المنشآت التابعة لها، بعد سقوط قذيفة بالقرب من ميناء الزاوية النفطي وهو من المنشآت التابعة للمؤسسة، دون وقوع أي خسائر بشرية أو مادية». وناشدت المؤسسة جميع الأطراف «ضبط النفس والابتعاد عن المنشآت النفطية وعدم المساس بمقدرات الشعب الليبي تفاديا للأضرار الجسيمة التي قد تنتج عن تلك المواجهات».
واعتبر رئيس مجلس إدارة المؤسسة مصطفى صنع الله، استهداف مصفاة الزاوية «جريمة حرب»، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية. وأضاف: «في حال تضررها (المصفاة)، ستحرم المنشآت الحيوية، بما في ذلك المستشفيات ومحطات الطاقة وتحلية المياه من الوقود. وسوف يتطلب ذلك استيراد كميات إضافية من البنزين والديزل، مما سيكلف الشعب الليبي عشرات أو مئات الملايين من الدولارات». وتابع أن «تكرار هذه الأفعال العبثية سوف يؤدي إلى وقوع خسائر بشرية ومادية، وحدوث كوارث بيئية، وهذا الاعتداء هو الثاني بالقرب من منشآتنا في منطقة الزاوية خلال أربع وعشرين ساعة، ولا نستبعد تعليق عملياتنا في مناطق الاشتباكات للحفاظ على سلامة مستخدمينا».
وشنت قوات الجيش الوطني، أمس، غارة جوية على المجمع النفطي للزاوية، هي الرابعة من نوعها خلال 24 ساعة، وفقاً لما أعلنه عميد بلدية الزاوية جمال بحر.
وقالت عملية «بركان الغضب» التي تشنها الميليشيات الموالية لحكومة السراج إن مدفعيتها الثقيلة قصفت مواقع للجيش الوطني في محيط محور اليرموك، بينما جرت مساء أول من أمس اشتباكات مسلحة بالقرب من مستودع البريقة للنفط جنوب طرابلس.
وكشفت صور فوتوغرافية تداولها نشطاء محليون عن اتخاذ عناصر الميليشيات المسلحة من المنازل والمدارس مواقع لوضع آليتهم بداخلها في عدة ضواح بالعاصمة خاصة الجنوبية منها.
وتحدث أمس المركز الإعلامي لغرفة عمليات «الكرامة» التابع للجيش الوطني في بيان مقتضب عن بدء هروب لقادة الميليشيات المسلحة، مشيرا إلى أن طائرة أقلعت أمس من مطار معيتيقة في اتجاه لندن «ومن المحتمل» أن يكون السراج على قائمة ركابها. وتعهد المركز بهزيمة الميليشيات المسلحة، مضيفاً: «سينتصر جيشنا وسندخلها فاتحين وسينتفض شباب طرابلس على ما تبقى من ميليشيات، وسيتم القبض على الذين أجرموا وتحالفوا مع المستعمر».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.