بانقضاء العام 2019 تكون قد مرت 8 سنوات على الانتفاضات العربية عام 2011، و16 عاماً على حرب العراق، و18 على هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وإذا شئنا التوغل أبعد، فإن هذا العام يختتم مرور 40 عاماً على ثورة إيران، وعلى الغزو السوفياتي لأفغانستان، والسلام المصري الإسرائيلي المنفرد.
وعلى مستوى المنطقة سُجل في هذا العام اندلاع 5 انتفاضات، واستمرار 4 حروب أهلية، وإجراء 3 انتخابات مفصلية.
خمس انتفاضات
الدولة الوحيدة التي شهدت عملية انتقالية واعدة هي السودان، فيما يزال النظام الحاكم في الجزائر يحاول تسويق نفسه. أما في إيران فقد توحدت أجنحة النظام لقمع الانتفاضة، مستلهمة الإرشادات التي اعتمدتها في سوريا من قبل، وامتنعت عن تقديم أي تنازلات سياسية.
في العراق ولبنان، وبعد مرور عام على الانتخابات النيابية، لم تنجح السلطتان في تحقيق أي تقدم، ووجدتا أنفسهما في مواجهة جيل صاعد يتبنى سردية تستند إلى الوحدة الوطنية وتنبذ الطائفية، وتعزز القيم المدنية. وقد نجحت الانتفاضة في كلا البلدين في فرض نفسها لاعباً أساسياً، وأثرت على مساري التشكيل الحكومي، وفرضت تجديد البحث عن تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة.
لكن الجيل الصاعد في العراق ولبنان ما زال يواجه تحدياً كبيراً يتمثل في تحويل اللحظة التاريخية الثورية الواعدة إلى حركة سياسية مستدامة، تستطيع أن تنتزع حصة لها في الحكومة والمجلس النيابي.
أربع حروب أهلية
رغم أن الحل السياسي في اليمن ما زال بعيد المنال، فإن تقدماً مهماً تحقق على طريق الاتفاق بين حكومة عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، فيما تراجعت حدة التصعيد بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية.
لكن القسط الأوفر والأعنف من التصعيد شهدته ليبيا. وقد تلقى الجنرال خليفة حفتر جرعة دعم دولية إضافية، تمثلت بإرسال روسيا قوات خاصة لدعم قواته التي تهاجم العاصمة طرابلس، فيما لم تتلقّ حكومة الوفاق في طرابلس، المعترف بها دولياً، إلا وعداً يتيماً بالدعم من قبل تركيا.
وإذا صحت الحسابات الروسية، فقد يتمكن الجنرال حفتر من تحقيق انتصارات، وتتمكن روسيا، عبره، من تأمين حضور أساسي لها في شمال أفريقيا والضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط.
في يوميات الحرب السورية، بقيت الجهود الروسية لإحراز تقدم في مناقشات اللجنة الدستورية، مجرد عرض هامشي. مسرح التطورات الرئيسية تموضع في شمال شرقي سوريا حيث شكل الغزو التركي في هذه المنطقة الحدث الأكثر أهمية. وهو الحدث الذي مكّن أنقرة من إنشاء منطقة آمنة تحت سيطرتها. كما شهد هذا الجزء من سوريا أيضاً نجاح قوات النظام السوري وحلفائه في إعادة الانتشار في بعض المناطق. أما في إدلب فقد راوحت محاولات النظام وحلفائه لاستعادتها في إطار الكر والفر، ولم تحقق تقدماً ملموساً.
في أفغانستان كان المشهد الرئيسي هو المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان». وقد بدت المحادثات على وشك النجاح لعدد مرات في النصف الثاني من العام المنقضي، لتعود حظوظ النجاح إلى التراجع مرة أخرى.
ثلاثة انتخابات مفصلية
مسارح هذه الانتخابات شهدتها تركيا وإسرائيل وتونس.
في تركيا، خسر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مرتين الانتخابات البلدية في المدن الرئيسية في البلاد. وهذه الخسارة هي مؤشر جدي إلى بداية غروب زمن هيمنته على السلطة، رغم أن رحلته إلى الأفول النهائي قد تستغرق بضع سنوات.
وفي جهة أخرى من المنطقة، يبدو أن نتائج الانتخابات - وكذلك لوائح الاتهام – سرعت من رحلة بنيامين نتنياهو نحو الأفول. رغم أنه ما زال قادراً على اتخاذ بعض القرارات الصادمة. وقد تشمل هذه القرارات ضم أجزاء من الضفة الغربية.
جرت الانتخابات المهمة الثالثة في تونس؛ حيث واصلت تلك البلاد انتقالها الديمقراطي. وتوجت نتائج هذا الانتقال بانتخاب أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد للرئاسة، وهذا على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي ما زالت تواجه تونس، واستمرار التهديدات التي تشكلها المجموعات الجهادية داخل البلاد.
ديناميات إقليمية: تركيا وإيران وإسرائيل
ودول مجلس التعاون الخليجي
وجّه التوغل التركي في شمال شرقي سوريا ضربة قاصمة للأحلام الكردية في سوريا، ولمصداقية الولايات المتحدة في الوقت نفسه، بعدما ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأكراد تحت عجلات الحافلة التركية.
تنامى التصعيد الإيراني ضد واشنطن وحلفائها في المنطقة بشكل خطير، تمثلت ذروته بالهجوم بطائرات مسيرة وصواريخ كروز على شركة «أرامكو السعودية». وبدءاً من شهر ديسمبر (كانون الأول)، انتقل التصعيد إلى العراق. ونفذت الميليشيات العراقية هجمات على القوات الأميركية، من دون أن تواجه بأي رد.
على صعيد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، برزت تساؤلات مشروعة حول مصير عملية السلام، وإذا كان صعود نجم بيني غانتس، وأفول نجم نتنياهو قد يفتحان طريقاً جديداً نحو الحل.
المسرح الدولي: روسيا والصين والإدارة الأميركية
إرسال روسيا قوات خاصة إلى ليبيا لدعم الجنرال حفتر قد يوفر لها موطئ قدم في شمال أفريقيا، ويعزز حضورها في الإقليم بعدما ثبتت وجودها في سوريا وعززته.
لكن الدولة التي يجدر الانتباه جيداً إلى ما يجري فيها هي العراق. فهناك، ما زال وكلاء إيران يصعدون ضغطهم على الولايات المتحدة. وأخذاً لأهواء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في اعتبارنا، فإن احتمال سحب واشنطن لقواتها من العراق في المستقبل المنظور هو احتمال جدي. وقد تنجح موسكو مدعومة من طهران في ملء بعض الفراغ الذي قد تتركه واشنطن وتعزز موقعها في المنطقة أكثر وأكثر.
من جهتها، استمرت الصين في لعبتها ذات النفس الطويل، وما زالت تركز على العلاقات التجارية وشؤون الطاقة، وتقديم القروض والاستثمار الطويل الأجل في البنى التحتية، على الصعيدين المادي والافتراضي (التكنولوجي) في المنطقة. وتعمل على نسج خيوط متينة تربط الشرق الأوسط بالعملاق الأوراسي المستقبلي، وعاصمته الصين.
أميركياً، كان 2019 عاماً آخر للاضطراب السياسي. ما زال ترمب يقرأ في صفحة مختلفة عن الصفحة التي يقرأ فيها معظم مستشاريه. في سوريا، فاجأ ترمب مستشاريه بتخليه عن الأكراد، وفي ليبيا، أبدى ميله للجنرال خليفة حفتر علناً. وفيما يتعلق بإيران حافظ ترمب على أقصى قدر من حملة الضغط، لكنه قاوم نصائح مستشاريه ولم يرد عسكرياً على هجمات إيران ووكلائها في الخليج.
على صعيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، اندلعت نزاعات بين إسرائيل والجماعات المسلحة في غزة مرتين هذا العام. ولم تخف حدة الحصار على القطاع للعام الثاني عشر على التوالي؛ حيث يعيش مليونا شخص في ظروف مروعة، وفي هدنات قصيرة تفصل بين نزاع مسلح وآخر. وعلى المستوى السياسي، أهيل تراب إضافي على عملية السلام. حيث اعترفت الولايات المتحدة بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، وأعلنت أن المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية، لم تعد غير قانونية بالنسبة للولايات المتحدة. أما «صفقة القرن» الغامضة التي أعلنت عنها واشنطن فبقيت مجرد شائعة ولم ترقَ إلى مرتبة الحقيقة.
ختاماً، ومع نهاية هذا العام الذي يقفل الباب على عقد حافل، دعونا نأمل أن تفتتح السنة المقبلة عقداً جديداً يحمل في طياته تطورات إيجابية، تفتح الباب أمام مستقبل أفضل لشعوب هذه المنطقة.
* كاتب وأكاديمي لبناني - رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن