مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»

مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»
TT

مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»

مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»

بينما تطوي مصر حسابات العام 2019 بنجاحاته وإخفاقاته، تبرز ثلاثة ملفات كبرى موزعة بين السياسة والأمن والاقتصاد، تستمد أهميتها من امتداد تأثيراتها فيما هو آتٍ في العام الجديد.
انكب المصريون في شهور سَنَتهم المتداعية، على متابعة تعديلات دستورية تسمح بإمكانية بقاء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في سدة الحكم حتى عام 2030، وكذلك فإنهم رصدوا «تحجيماً لوتيرة العمليات الإرهابية المؤثرة»، خصوصاً في شمال سيناء. أما بالنسبة إلى الاقتصاد، فإن استمرار صعود قيمة الجنيه وتعافيه أمام الدولار الأميركي بدا محفزاً لمن ينتظرون «الثمار» بعد «عملية إصلاح قاسية».
لتكن البداية من السياسة إذن، وبحسب ما قالت «الهيئة الوطنية للانتخابات» فإن نتائج الاستفتاء الذي أجري في أبريل (نيسان) الماضي، على تعديلات لدستور البلاد، أسفرت عن موافقة 23 مليون ناخب على التعديلات الدستورية، بنسبة 88.83 في المائة، فيما بلغ إجمالي الرافضين مليونين و945 ألفاً و680 ناخباً بنسبة 11.17 في المائة.
وباتت مصر، وفق تلك النتائج، على موعد مع مشهد جديد يتجاوز عام الاستفتاء. وفضلاً عن تعديل المادة المتعلقة بفترة حكم الرئيس والتي رأى مؤيدوه أنها «تضمن تحقيق الاستقرار، واستمرار إنجاز المشروعات التنموية»، فإن القوات المسلحة بات من بين مهامها الدستورية «صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد»، وكذلك أصبح في البلاد «مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية»، برئاسة رئيس الجمهورية.
كذلك فإنه يُصعب أن يتجاهل مراقب لعام 2019 في مصر، تلك المظاهرات النادرة والمحدودة التي شهدتها البلاد في سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي بدأت بدعوة أطلقها ممثل ومقاول مقيم في إسبانيا يدعى محمد علي، عبر بث مقاطع مصورة تضمنت اتهامات اعتبرت «مسيئة» للجيش، وعلّق الرئيس المصري على بعض ما جاء فيها، حينها، وقال إنها «كذب وافتراء». وقوبلت دعوة التظاهر بتفاعل المئات، لكنها جوبهت بعمليات ضبط وتوقيف طالت ألف شخص تقريباً (تم الإفراج تباعاً عن بعضهم على ذمة القضية)، بحسب إفادة رسمية للنيابة العامة، لكن دعوة تالية للرجل نفسه أخفقت في حشد المتظاهرين، فيما لجأ مؤيدون للحكم إلى تنظيم وقفة ضخمة وحاشدة.
- حديث «الإصلاح»
وفي المقابل، فإن برلمانيين وإعلاميين مقربين من السلطة، أعقبوا تلك المظاهرات بالحديث عن «إصلاحات»، وتحدث رئيس البرلمان علي عبد العال في مستهل دور الانعقاد الخامس للمجلس، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن «إصلاحات سياسية وحزبية وإعلامية»، خلال المرحلة المقبلة التي وصفها بـ«مرحلة جني الثمار»، بعد فترة انتقالية «استلزمت إجراءات قاسية»، على حد قوله. وزاد: «ستكون هناك وقفة شديدة مع الحكومة، ولن نترك الشعب ومصالحه بعيداً عن هذه القاعة، ولن نسمح لكل المسؤولين التنفيذيين بأن يُصدّروا المشاكل لرئيس الجمهورية، وعليها (الحكومة) أن تحنو على الشعب».
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية مصطفى كامل السيد أن «هناك تصوراً لدى بعض المسؤولين بضرورة توسيع مجال حرية الرأي ولكن في حدود مأمونة، ولذلك فقد تصدى لهذا الأمر نواب من حزب الأغلبية مستقبل وطن». ومع ذلك فإن السيد يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يتوقع «أن تمتد تلك الحالة من قبول الآراء المعارضة لتشمل إفساح المجال لأحزاب قوية، ومعروفة بمواقفها المغايرة للسلطات».
وقبل أن يطوي العام 2019 آخر صفحاته، أقر البرلمان تعديلاً وزارياً «لم يعكس تغييراً جذرياً» في صيغة السياسات والنخبة الحكومية، وإن كان أظهر الاهتمام بتصعيد الشباب لتولي مناصب نواب الوزراء، كما أثار جدلاً إثر إعادة تكليف وزير الإعلام، وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ إقرار التعديلات الدستورية في عام 2014.
وتضمنت التعديلات دمج وزارتي السياحة والآثار، فضلاً عن إلغاء منصب وزير الاستثمار وإسناد مسؤولياته إلى جانب الإصلاح الإداري إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي.
«التعديل الوزاري الأحدث ربما يكون محاولة لتسريع وتعميق الاتجاه السائد، لكنه لا يعبر عن تغيير جذري أو عميق في صيغة السياسات العامة والتوجهات»، وفق ما يرى الدكتور جمال عبد الجواد مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية».
وقال عبد الجواد إن «ملفي الاستثمار والإصلاح الإداري يمثلان أهمية قصوى للحكومة، بل يمكن القول إنه يتم تقييم رئيس الحكومة وفق النجاح فيهما، وبالتالي فإن وضعهما تحت إشرافه المباشر قد يسهم في إحراز خطوات أفضل».
ولا يعول عبد الجواد كثيراً على تسمية وزير للإعلام في حل المعضلات القائمة في المشهد الإعلامي المصري، ويقول إن «اللاعبين زادوا واحداً، وبات هناك أكثر من طرف له اختصاصات، بداية من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، ووصولاً لنظيرتها للصحافة». ورأى أن «الأمر سيشهد تنافساً وتنازعاً وحلولاً سياسية وليست بالضرورة تتسم بالكفاءة اللازمة للموقف الراهن».
- «تحجيم الإرهاب»
منذ أطلقت قوات الجيش والشرطة في فبراير (شباط) 2018 عملية واسعة النطاق لملاحقة مجموعات مسلحة في شمال سيناء تَدين في معظمها بالولاء لـ«تنظيم داعش»، فإن قدرة «الإرهابيين» على التعبير عن قوتهم باتت أقل، إذا ما قورنت بسنوات سابقة، وذلك وفق ما يرصد الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي العقيد حاتم صابر الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «انطلاق جهود ملاحقة العناصر الإرهابية تعود إلى عام 2013 والذي شهد 308 عمليات إرهابية، بينما تم تحجيم قدرة التنظيمات على التحرك وتلقي الدعم والتسليح، حتى وصلنا إلى 8 عمليات فقط في عام 2018».
وشرح صابر مستنداً إلى إحصاءات أجراها أن «العام 2019 يكاد يكون بلا عمليات تذكر»، موضحاً أن المقصود بالعمليات التي يتم رصدها: «هي تلك الهجمات الكبرى المؤثرة التي توقع عدداً كبيراً من الضحايا، وتؤثر في الأمن القومي للبلاد ككل».
وعندما سُئل عما إذا كانت العمليات الخاطفة التي نفذتها التنظيمات المتطرفة في سيناء ضد قوات الأمن في 2019 وأوقعت ضحايا تمثل تناقضاً مع فكرة «تحجيم الإرهاب»، رأى صابر أنه «لا توجد دولة تستطيع أن تمنع تماماً وقوع العمليات الإرهابية... هذا ضرب من الخيال». واستكمل: «المهم ألا تستطيع تلك العمليات أن تهز صورة الدولة أو معدلات الثقة في الأمن بصورة كبيرة، ووفق هذا المعيار فإن مصر حققت نجاحات في مواجهة الإرهاب».
وغير بعيد عن ذلك، فإن الرئيس السيسي افتتح في مايو (أيار) الماضي، أنفاقاً تحمل اسم «تحيا مصر» تربط بين دلتا البلاد وشبه جزيرة سيناء، وتعول عليها البلاد في تحقيق مشروعات تنموية بالمنطقة وتقدر الحكومة تكلفتها بـ275 مليار جنيه (الدولار يعادل 16 جنيهاً تقريباً).
- انتظار الثمار
في أغسطس (آب) الماضي، تسلمت مصر ملياري دولار كشريحة أخيرة من قرض حصلت عليه من «صندوق النقد الدولي» بقيمة إجمالية 12 مليار دولار. وبدأت الحكومة «خطة إصلاحية» لاقتصاد البلاد وفق هذا الاتفاق قبل 3 سنوات، بلغت ذروتها بتحرير سعر صرف العملة المحلية، ما قفز بمعدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
لكن «الكارثة الاقتصادية» التي واجهتها البلاد عام 2016، بحسب تعبير الرئيس المصري في ديسمبر (كانون الأول) 2019 تشير البيانات الرسمية إلى أنه تم تجاوزها، فمن جهة أظهرت أرقام سعر صرف الجنيه تقدماً مطرداً أمام الدولار، وكذلك فقد سجلت أرقام الاحتياطي من العملة الأجنبية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 45.354 مليار دولار، في مقابل 42.551 مليار دولار في العام 2018.
ورغم أن الرئيس المصري أقدم في مايو الماضي على إعلان زيادة الحد الأدنى لأجور ومعاشات العاملين في قطاعات مختلفة في الدولة، فإنه قال حينها إن «ذلك لا يعتبر من ثمار الإصلاح». واستدرك أن «الإجراءات التي اتخذناها كانت قاسية بمعنى الكلمة، ولا يزال الوقت مبكراً».
وفي مقابل نمو الاحتياطيات وزيادة الأجور، فضلاً عن تراجع نسبي بأسعار بعض السلع ومنها اللحوم والخضراوات بنهاية العام، فإن أرقاماً أخرى تشير إلى صورة لا يمكن إغفالها، وتتعلق بإعلان «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» ارتفاع نسبة الفقر في مصر خلال عام 2018 إلى 32.5 في المائة، مقارنة بنسبة سابقة بلغت 27.8 في المائة في 2015.
ووفق تقدير محمد أبو باشا، رئيس «وحدة تحليل الاقتصاد الكلي» في المجموعة المالية «هيرمس»، فإن توقعاتهم «تشير في العام الجديد إلى صعود معدل النمو ليصل 5.8 في المائة في مقابل تقديرات حكومية تصل إلى 6.1». وأرجع ذلك إلى «استمرار فرص تعافي قطاع السياحة الذي تمكن من تحقيق 12.5 مليار دولار كإيرادات، والفرص المنتظرة في قطاع الطاقة الواعد، وكذلك استمرار سياسة خفض معدلات الفائدة، ما يعتبر محفزاً لنشاط الاستثمار».
وقال أبو باشا لـ«الشرق الأوسط» إنه بالنسبة إلى المواطنين فإنه «على رغم الزيادة النسبية للدخل والأجور في بعض القطاعات، فإنها كانت تتآكل بفعل ضغوط زيادة الأسعار»، ومضيفاً أنه «من المرجح أن تتحسن القدرة الشرائية بفعل استيعاب الأسواق للزيادات الناجمة عن تحرير سعر صرف العملة، وتحرير أسعار المحروقات».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».