خريطة مصرية تتضمن حلايب تثير حربا إعلامية بين الصحافة المصرية والسودانية

شنت أجهزة إعلام مصرية حملة عنيفة ضد الرئيس السوداني عمر البشير استبقت بها زيارته للقاهرة السبت الماضي، استندت على إصراره على سودانية المثلث المتنازع عليه بين مصر والسودان المعروف بمثلث «حلايب»، والتي وردت في حواره مع «الشرق الأوسط».
وتواصلت الحملة أثناء الزيارة، بل بلغت حد الاستخفاف، خاصة ما ذهب إليه إعلامي مصري في برنامج تلفزيوني، سخر فيه من قبول الرئيس البشير الخضوع لقواعد البروتوكول الرئاسي المصري الذي لا يشترط علم الدولة المضيفة، وعقد جلسة المباحثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحت خريطة مصر وهي تتضمن المنطقة المتنازعة «حلايب» باعتبارها مصرية.
واعتبر الإعلامي في ذلك رسالة من القيادة المصرية للقيادة السودانية بأن موضوع حلايب غير قابل للنقاش مصريا، بل وبلغ الأمر أن زعم أديب أن الرئيس السيسي، ورجال مراسمه لن يقبلوا الجلوس في الخرطوم وخلفيتهم خريطة سودانية تتضمن حلايب باعتبارها منطقة سودانية.
واحتفت مواقع التواصل الاجتماعي السودانية المعارضة بالفيديو الذي يسخر من ما اعتبرته تهاونا رئاسيا بصورة السودان في أجهزة الإعلام المصرية، وتعبيرا عن ضعف الرئاسة السودانية أمام نظيرتها المصرية من جهة، ومن جهة أخرى تنازلا عن «سودانية حلايب».
وفي طائرة عودته من القاهرة قال الرئيس البشير لعدد من الصحافيين، ردا على تلك الحملة الإعلامية، إن الرئيس السيسي اعتذر له عما سماه «بعض التفلتات» التي حدثت من إعلاميين مصريين خلال الفترة الماضية، وأضاف: «الأمس تحدثت بعض وسائل الإعلام المصرية، عن أن الجانب المصري تعمد وضع خريطة تشير إلى وجود مثلث حلايب داخل الأراضي المصرية، وعلمت أن الخريطة المذكورة موجودة في مكانها منذ أن تم إنشاء قصر الاتحادية».
وجدد البشير مقولته السابقة قائلا: «هم يقولون: إن حلايب مصرية، ونحن نقول ونصر على سودانية حلايب، لكننا لن نحترب عليها، وإذا نجحنا في تفعيل برنامج التعاون المشترك وأنجزنا ما اتفقنا عليه، فستزول الحدود تلقائيا، ولن يحدث خلاف حولها». وحسب محللين فإن ما قاله الرئيس البشير وبتلك السرعة يعبر بشكل ما، عن أثر وتأثير الحملة التي قادتها ضد زيارته أجهزة إعلام مصرية، وهو ما حدا بصحافيين سودانيين لاستنكار الحملة، واعتبارها ضد السودان وليس ضد الرئيس البشير شخصيا، واستفزازا لمعظم السودانيين، بلغت حد وصفهم لأجهزة الإعلام المصرية بأنها تجاوزت حدود اللياقة في التعامل مع الشأن السوداني.
ولم تقتصر عملية استهجان ما ورد في الإعلام المصري عند حدود الإعلاميين، فوزير الاستثمار والأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان مصطفى عثمان إسماعيل، وصف الانتقادات التي طالت الرئيس البشير، من وسائل الإعلام المصرية، بأن بعضها تجاوز حدود اللياقة في التعامل مع الرئيس السوداني، وأشار إلى أن احترام شخوص رؤساء الدول جزء من الأمانة الإعلامية.
الرئيس البشير وحكومته من جهتهم، يفرضون قيودا مشددة على حرية الإعلام، ويضعون قيودا مشددة تحت لافتة «الخطوط الحمراء»، ومهددات الأمن القومي، وهو الأمر الذي جدد تعزيزه في تصريحاته للصحافيين الذين رافقوه في عودته من القاهرة، قال: «فيما يتعلق بقضية الحريات مثلا نريد أن نتحاور بدءا على القضية المذكورة ونتفاكر حول مفهوم الحريات، ونتفق على ما يحفظ الأمن القومي وعلى الخطوط الحمراء».
وبهذا فإن كثيرين يعتقدون أن الحملة التي واجهها هناك في القاهرة جزء من حصاد الزرع هنا في الخرطوم، وأن تقييد وتوجيه الإعلام المصري هو سبب الحملة، وأن القضايا الخلافية المصرية السودانية وعلى رأسها النزاع الحدودي على حلايب تحول لـ«حرب إعلامية» لا تستهدف الطرفين بل تستهدف المواطنين في كلا البلدين، فحين تتحدث القيادة السودانية عن سودانية حلايب فإنها توجه رسالة للمواطن السوداني، ومثلها تفعل القيادة المصرية وإن كان بجدية وعملية أكثر مما هي عليه عند الجانب السوداني. بيد أن الأسئلة التي أثارها إعلاميون مصريون تظل مثيرة، وتطرح هي نفسها أسئلة جديدة من قبيل هل كان صدفة، أم أنها رسالة «حصيفة» وجهتها مصر للسودان، دون أن تفتح فمها بكلمة، فأبقت ملف حلايب مطويا..؟!