سنة خفض التصعيد في اليمن... وبداية النهاية

اتفاق الرياض فاجأ التشاؤم وأثبت إمكانية وجود حلول مهما توسعت فجوة الخلافات

الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد والرئيس عبد ربه منصور هادي أثناء مصافحة بين ممثلي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي  لدى توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر  (أ.ب)
الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد والرئيس عبد ربه منصور هادي أثناء مصافحة بين ممثلي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي لدى توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر (أ.ب)
TT

سنة خفض التصعيد في اليمن... وبداية النهاية

الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد والرئيس عبد ربه منصور هادي أثناء مصافحة بين ممثلي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي  لدى توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر  (أ.ب)
الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد والرئيس عبد ربه منصور هادي أثناء مصافحة بين ممثلي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي لدى توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر (أ.ب)

منذ بداية الأزمة اليمنية والسؤال السحري يتكرر: متى تنتهي الأزمة؟ وكيف تنتهي؟ وكانت الإجابات تشبه الأزمة في تعقيداتها، بدءاً من فهم مضمونها، وأشكال صراعاتها التي لم تكن مجرد تنافس سني - شيعي مثلما ينتقد بعض اليمنيين بعض المؤسسات الفكرية والإعلامية الغربية على تسطيحها أزمة بلادهم بتلك البساطة، أو تغليفها بحسابات إقليمية كبرى، وتجاهل الهم اليمني الخاص. ولا هي أزمة قطبين يمنيين داخليين وحسب، فالأحداث التي شهدتها صنعاء عام 2017 بين الحوثيين وشريكهم علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق، بين شركاء، مثلما كانت أحداث عدن في أغسطس (آب) 2019، بين حليفين. الفرق بين الأزمتين الداخليتين فقط هو أن الحوثيين قتلوا صالح لإنهاء الأزمة، بينما رعت السعودية اتفاقاً بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية (الشرعية) التي تشاركه الهدف الأسمى، وهو تحرير البلاد من وكيل إيران وكابوس اليمن «الانقلاب الحوثي».

تفاوت آراء الحل
مجدداً: متى تنتهي الأزمة؟ وكيف ستنتهي؟ عند قراءة الإجابات التي ترد من قبل الحكومة اليمنية أو المقربين من صنع القرار فيها، فإنها تذهب إلى ما يشبه القاعدة الذهبية: «الحوثيون لا يعرفون إلا لغة القوة»، وتعليلها يكمن في أن القوة وحدها التي حررت مساحات شاسعة من البلاد، بينما يرى آخرون، ومنهم الجانب الأميركي، أن الضغط العسكري هو العملية الأكثر فعالية، وهو ما يتفق معه توجه تحالف دعم الشرعية في اليمن، الذي يبدو من خلال خطابه الإعلامي أنه فعَّل العمليات العسكرية للضغط على الحوثيين، ووضع طاولة الحل الخيار الأخير لهم.
رأي آخر، وهو قريب من وجهة نظر المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، وتدعمه بعض القوى الأوروبية، يعتقد أن الجانب الإنساني مدخل إلى الحل السلمي والحوار، وهو ما يختلف معه يمنيون كثر لسببين: الأول أن الحوثيين لا يوجد في تاريخ صراعاتهم (الحروب الست منذ عام 2004) نموذج انتهى بمدخل إنساني تلاه حل سياسي. والثاني أن الحوثيين ليسوا أولئك المقاتلين السابقين الذين كانوا لا يخرجون من الكهوف والجبال؛ بل الآن لديهم سيطرة على مكتسبات دولة، ويدعمهم الخارج (إيران و«حزب الله») بالمال والتقنية والسلاح والاستشارات السياسية والعسكرية والإعلامية، وبالتالي لن يتنازلوا بسهولة قد تصل في بعض الأحيان إلى حد «السذاجة».
رأي ثالث يعتقد أنهم مصيبون ولكنه يتساءل: هل القوة استطاعت بعد كل هذا الوقت إنهاء الحوثيين؟ تأتي الإجابات بأن العمل العسكري المسؤول لا تجدر مقارنته بعمل عصابات أو سلوك انقلابيين زرعوا على سبيل المثال نحو مليون لغم، بحسب خبراء ألغام يعملون على الأرض في اليمن. وبالتالي يصر الرأي الداعي إلى الضغط العسكري الشديد في أحلك الظروف على أنه هو المصيب.
وريثما يحصل تغير ملموس على المشهد، يجدر استعراض ما آل إليه عام 2019، الذي قد يطلق عليه مجازاً «عام خفض التصعيد»، وتمهيد «بداية النهاية» للأزمة.

«الإعمار السعودي» نجم العام
خمسة أعوام ونيف على بدايتها في سبتمبر (أيلول) 2014، مضت على الأزمة اليمنية، عندما انقلب الحوثيون على الحكومة، واستولوا بتسهيلات من الرئيس السابق علي عبد الله صالح على السلطة بالقوة، قبل أن ينتفض ضدهم نهاية عام 2017، وينتهى خلافه معهم بقتله وسجن أبنائه وأقاربه، ثم الإفراج عن بعضهم والإبقاء على آخرين.
جرى تحرير 85 في المائة من الأراضي التي استولى عليها الحوثيون خلال انقلابهم، وتم تشكيل الحكومة اليمنية في ظروف لا تود أي حكومة في الأرض أن تتشكل وهي قائمة، وتعرضت هي الأخرى لأكثر من خضة وتغيرات وصراعات، بدءاً من رئيسها، مروراً ببعض وزرائها ومن في مقامهم من مسؤولين رفيعي المستوى في القطاع الاقتصادي، كوزراء المالية ورؤساء اللجنة الاقتصادية ومحافظو البنك المركزي، وواجهت نهاية العام أحداثاً عسكرية وخلافاً مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان بعض قياداته العليا أعضاء سابقين ومسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة ذاتها.
تحالف دعم الشرعية هو أيضاً تطور منذ بدء العمليات، وباتت الأخطاء السابقة التي واجهها بشجاعة تقل كثيراً عن تلك التي كانت وقت بداية العمليات العسكرية في مارس (آذار) 2015، بالتوازي مع أدوار إنسانية كان يلعبها، وفي مقدمتها وحدة لحماية الأطفال المندرجة تحت العمليات الإنسانية الأخرى التي لا يتحدث عنها كثيراً، وأبرزها التنسيق مع جميع البعثات والتحركات الإغاثية الدولية داخل أراضي اليمن.
كما لعب التحالف دوراً مهماً في حماية مصالح العالم؛ حين سيَّر الدوريات، وقضى على الخطر الحوثي الذي يحيق بمضيق باب المندب والملاحة بشكل عام في البحر الأحمر.
وبخلاف التوسع الذي سجله برنامج الإعمار السعودي، بما يربو على تسعين مشروعاً متعددة القطاعات وفي مختلف المحافظات، والتحسن الطفيف الذي تحدت به الحكومة اليمنية ظروفاً قاسية، وعملت بما تيسر بين يديها لتحسين أداء العملة، وكسر احتكار النفط، ودفع رواتب المتقاعدين كافة، ونحو 62 في المائة من موظفي الدولة بالمناطق المحررة؛ لم يسجل اليمن خلال عام 2019 أي تقدم لافت، حتى في الجانب العسكري.
ولم تحصل انفراجة في ملف 15 ألف أسير ومعتقل لدى الحكومة والحوثيين، أو حتى على الصعيد السياسي. كل ما جرى تسجيله لا يتجاوز ما يصفه أصحاب الشأن والمهتمين بالاستثناءات.
«استوكهولم» الاتفاقية التي أعادت جفاءً شاب العملية السياسية منذ مشاورات الكويت في عام 2016، وسَعَت إلى بناءِ ثقة مطلع العام لم تمضِ كما أريد لها. تحسن طفيف في الحديدة التي يتبادل فيها الطرفان الاتهامات بارتكاب خروقات، وانتهاكات وصلت إلى مستوى الاستهداف المباشر للفريق الحكومي.
استغرق الطرفان 9 أشهر لتلد الاجتماعات الصعبة المشتركة برئاسة الأمم المتحدة وعضوية الحكومة والحوثيين «غرفة مراقبة مشتركة»، واحتاجت الغرفة شهراً آخر لإنشاء نقاط مشتركة خمس، في خطوط التماس بالحديدة، ومع ذلك لا يجد التفاؤل طريقه لدى الطرفين على الأقل.
آخر حديث للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث هذا العام، أعرب فيه بوضوح عن أن هناك أناساً، وهو واحد منهم، يعتقدون بأنه كان من الممكن عمل الأفضل، وفقاً لما نشره موقع أخبار الأمم المتحدة.
ومع ذلك، ذكر غريفيث في حوار مع «الشرق الأوسط» نشر في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أن هناك 5 مؤشرات قال إنها «تدعو إلى التفاؤل». وأضاف: «هناك بعض المؤشرات الملموسة التي تدعو للأمل في اليمن (...) شهدنا في الفترة الأخيرة تراجعاً كبيراً في أعمال العنف بالشمال، وإطلاق سراح عدد من السجناء والمحتجزين، والسماح للسفن المحملة بالنفط الذي تحتاج إليه البلاد بشدة بالدخول إلى الحديدة، والسماح لوكالات الإغاثة بتقديم مساعدات للأشخاص المحتاجين لها في الدريهمي، إضافة إلى إنجاز محادثات جدة (اتفاق الرياض) بنجاح حول الجنوب، مع التوصل إلى اتفاق قد يمثل خطوة أولى نحو عملية سلام دائم عبر البلاد. وعليه، فإن كل هذه المؤشرات تدعو للشعور بالأمل، وتعكس حسن النيات بين الأطراف المعنية، وتحقق تغييرات ملموسة وتقدماً حقيقياً على الأرض».

اتفاق الرياض
يبدو أن خيبة الأمل كانت ستغلف جل الأحداث في اليمن خلال عام، إلا أن خطوات مثل اتفاق الرياض فاجأت «التشاؤم» الذي ساد الأزمة برمتها. ضخ الاتفاق الأمل، وأحيا التفاؤل في عروق اليأس الذي تسلل إلى عقول أصحاب القضية الأهم، وهم اليمنيون.
كان الخلاف في عدن مطلع أغسطس بمثابة صدمة. كان الترقب والأعصاب المتشنجة يتسابقان مع كل نبأ يرد، إلى أن دفعت الرياض بقارب الخلاف إلى مرفأ الوفاق.
اتفاق الرياض وشى لليمنيين بأن مصطلح الحوار والاتفاق ما زال حاضراً في قاموس المستقبل. يحتاج فقط إرادة وشعوراً بالمسؤولية وضبط الاندفاع، وهو ما ضربت به الحكومة اليمنية مثالاً خلال الأحداث. المجلس الانتقالي الجنوبي أظهر هو أيضاً نضجاً عندما نهج الطريق السياسية، للوصول إلى التوافقات والأهداف التي تحقق له على الأقل الحد الأدنى مما يرنو إليه.
يشار إلى أن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، وصف يوم توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بأنه «يوم بهيج»، وقال: «كل يوم يجتمع فيه اليمنيون هو يوم فرح للمملكة، التي كانت منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز، وستظل دوماً، مع اليمن، حريصة على استقراره، وساعية في ازدهاره، وواثقة بأن حكمة أبناء شعبه تسمو فوق كل التحديات».
الأمير محمد ذكَّر بأن «مواقف المملكة تجاه اليمن مواقف أصيلة كأصالة شعبه العزيز، الذي تربطنا به أواصر الدين والقربي والجوار».
وقال: «استمراراً لتلك المواقف الراسخة، فقد صدرت توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين للمسؤولين في المملكة، ببذل كل الجهود من أجل رأب الصدع بين الأشقاء في اليمن».
ونوَّه: «نشيد باستجابة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، لدعوة المملكة للحوار فيها، وما تم التوصل إليه في اتفاق الرياض، الذي نسأل الله أن يجعله فاتحة خير لمرحلة جديدة من الاستقرار والبناء والتنمية في اليمن، ستكون المملكة معكم فيها كما كانت دوماً».
وأضاف: «أود أن أشكر في هذه المناسبة أخي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأنوِّه بما قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة من تضحيات جليلة في ساحات الشرف، مع جنودنا البواسل وزملائهم في بقية قوات التحالف».
وقال: «لقد كان شغلنا الشاغل منذ أن بدأت الأزمة اليمنية، هو نصرة الشعب اليمني الشقيق، استجابة لطلب رئيسه الشرعي، وانطلاقاً من مبدأ الدفاع عن النفس، ولوقف التدخلات الخارجية التي تسعى لفرض واقع جديد عليه بقوة السلاح، والانقلاب على شرعيته ومؤسساته، وتهديد أمن جيرانه وأمن المنطقة وممراتها المائية الحيوية للعالم كله». وزاد ولي العهد بالقول: «لقد تمكنَّا من تحقيق الكثير لليمن وأمن المنطقة، وقدمنا من الدعم والمساعدة للشعب اليمني ما يليق بما يجمعنا به من إخاء ومحبة، وسنواصل السعي لتحقيق تطلعات الشعب اليمني في استعادة دولته، والوصول إلى حل سياسي للأزمة وفقاً للمرجعيات الثلاث، وتفويت الفرصة على كل من لا يريد الخير لليمن»، متابعاً: «تؤكد المملكة على أن هذه النيات الصادقة والحكمة اليمانية التي تجسدت في اتفاق الرياض، وإعلاء مصلحة الشعب اليمني فوق كل اعتبار، وفوق مطامع الأطراف التي تسعى لنشر الطائفية والفوضى وعدم الاستقرار في اليمن، ستحقق تطلعات الشعب اليمني، وسيفتح هذا الاتفاق المبارك الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية، للوصول إلى الحل السياسي الذي ينهي الأزمة اليمنية، ويحصن اليمن ويحميه ممن لا يريد الخير لليمن بجميع مكوناته وسائر شعوب أمتنا العربية».

انتهاكات حوثية
لم تكن سنة عادية. لقد قُتل مدنيون، وزاد الحوثيون من قمعهم وتسللهم إلى كل فكرة تنهب ما تبقى من فتافيت الأموال لدى المواطنين في مناطق سيطرتهم. لم تتغير الملازم الخمينية التي فرضها الانقلابيون على ثقافة اليمن؛ بل وصلت إلى البرلمان غير الشرعي في صنعاء، وحتى من لم يهرب من جحيم الحوثيين من بعض النواب اليمنيين راح يصرخ ويشكو منها، مثلما يصرخ اليمنيون في مناطق سيطرة الميليشيات من حرمانهم رواتبهم 3 أعوام.
استمر حشد المقاتلين وترغيب القبائل وعامة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بالمال، ولو كان قليلاً مقابل القتال، مثلما زادت وتيرة الترهيب أيضاً في تهديد من لا يستطيع المساهمة بالمال بأنه سيجبر على القتال.
وكان من اللافت في عام 2019 خروج الأمم المتحدة وبعض مسؤوليها عن صمتهم، بعدما أيقنوا أن السنوات الخمس التي قضوها في محاولة كسب ود الحوثيين والسكوت على كل ما يتجرعونه منهم، من تنكيل ونهب وتهديد وخطف وانتهاكات واسعة بحق الموظفين الأمميين، المحليين منهم والأجانب، لم يثمر شيئاً، حتى خرجت الجملة الشهيرة: «إنهم يسرقون الطعام من أفواه الجوعى».
خرجت أيضاً وكالات أنباء عالمية بتحقيقات تفيد بفساد يجري داخل دهاليز العمل الأممي الإغاثي في اليمن مع الحوثيين، وهو ما لم تنفه الأمم المتحدة، وأكدت أنها تحقق في التقارير الإعلامية التي تحدثت عن ذلك الشأن.

سلوك إرهابي
في عام 2019، دخلت هجمات «الدرون» المفخخة ساحة المعركة. تصدت السعودية لنحو 500 باليستي و«درون» مسيرة، منذ بداية الأزمة، وزعم الحوثيون أنهم هاجموا منشأتي نفط في أكتوبر؛ لكن العقيد تركي المالكي المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية قال في مؤتمر صحافي: «لدى السعودية أدلة على أن الهجوم لم ينطلق من اليمن كما زعمت أذرع إيران»، معتبراً أن «هجوم أرامكو» لم يستهدف السعودية فقط؛ بل أيضاً المجتمع الدولي وأمن الطاقة، وفقاً لـ«العربية. نت».
هجمات «أرامكو» كانت في أعقاب عشرات الهجمات التي تصدت لها السعودية، ونتج عن حادثة منها أضرار أصابت مطار أبها في شهر يونيو (حزيران)؛ إذ قتل سوري وأصيب 7 آخرون في هجوم للحوثيين، حسبما أعلن التحالف. وفي يوليو (تموز)، أصيب إثر ذلك تسعة أشخاص، ثمانية سعوديين ومقيم هندي.
العقيد المالكي لطالما أكد أن «المحاولات الإرهابية المتكررة من الميليشيا الحوثية الإرهابية هي نتيجة للخسائر الكبيرة في صفوف عناصرها الإرهابيين وعتادها ومعداتها»، مشدداً على أن «التحالف مستمر في تنفيذ الإجراءات الرادعة ضد الحوثيين، لتحييد وتدمير قدراتهم وبكل صرامة، وبما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية». ويؤكد المتحدث أن إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن الأعمال الإرهابية «يمثل اعترافاً صريحاً ومسؤولية كاملة باستهداف المدنيين».


مقالات ذات صلة

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

حصاد الأسبوع من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع إيشيبا

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع الأعلام الجورجية والأوروبية مرفوعة في تظاهرات العاصمة الجورجية تبيليسي (رويترز)

«الحلم الجورجي» يكسب الجولة ضد «الحلم الأوروبي»

«لقد انتصرت روسيا اليوم في جورجيا... علينا أن نعترف بذلك»... بهذه الكلمات لخّص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تخوض بلاده حرباً مفتوحة مع روسيا منذ 33

رائد جبر (موسكو )
حصاد الأسبوع لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

حققت الهند والصين تقدماً كبيراً على صعيد المناقشات حول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا؛ ما يشير إلى إمكانية لتحسين العلاقات في أعقاب المناوشات التي وقعت بين الجانبين، وأسفرت عن تجميد العلاقات بين العملاقين الآسيويين. هذا التقدّم الكبير المتمثل في الإعلان عن الاتفاق على «فك الاشتباك العسكري»، والذي جاء قبيل انعقاد قمة «البريكس» السادسة عشرة في روسيا، مهّد الطريق للمباحثات الثنائية بين رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جينبينغ. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم أن العلاقات التجارية ظلت عند مستويات قياسية مرتفعة، تضرّرت العلاقات الثنائية في مجالات، بينها الاستثمار والسفر والتأشيرات... ويبقى الآن أن نرى ما إذا كانت العلاقات الثنائية ستتعافى.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)

الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

> على الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات الصينية - الهندية، رفضت الهند في اجتماع «منظمة شنغهاي للتعاون»، الذي اختتم أعماله حديثاً في باكستان، الانضمام.


قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
TT

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

جاء الإعلان عندما أبلغ وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري وسائل الإعلام أن «الهند والصين توصلتا إلى اتفاق على طول خط السيطرة الفعلية»، ولم يلبث أن أكد لين جيان، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، إبرام الاتفاق.

يُذكر أن المواجهة على امتداد «خط السيطرة الفعلية» (الحدودي)، بدأت بمناوشات بين القوات الهندية والصينية على ضفاف بحيرة بانغونغ خلال مايو (أيار) 2020. ثم توترت العلاقات بين البلدين بعد اندلاع اشتباكات مميتة في يونيو (حزيران) 2020 – تضمنت استخدام الصخور والقضبان الحديدية وتبادل اللكمات - حول نهر غالوان، الواقع على ارتفاع كبير، وبانغونغ تسو في إقليم لاداخ؛ ما أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً، إلى جانب عدد غير معروف من القوات الصينية، قدّرته وسائل إعلام روسية بما يتجاوز 40. سقوط أول الضحايا على «خط السيطرة الفعلية» منذ 45 سنة دفع العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوى لها منذ حرب الحدود عام 1962. وأدّت التدابير المضادة القوية للهند، والوجود العسكري الكثيف لها، إلى مواجهة حدودية استمرت لأكثر من أربع سنوات، مع تمركز أكثر من 50 ألف جندي على الجانبين. ومن ناحيته، أكد الجانب الهندي أن مجمل العلاقات مع الصين «يتعذر تطبيعها من دون إقرار حالة من السلام والهدوء على الحدود» بينهما.

«خط السيطرة الفعلية»... نقطة اشتعال تاريخية

يكمن السبب الجذري للصراع بين الهند والصين، في حدودهما المشتركة الممتدة لمسافة 3440 كيلومتراً، والتي يشار إليها عادةً باسم «خط السيطرة الفعلية». ولطالما كانت هذه الحدود الجبلية غير المحدّدة على نحو واضح، ولا سيما أنها تمر عبر تضاريس وعرة، مصدراً دائماً للتوتر بين القوتين النوويتين. وبعكس الحدود الدولية التقليدية، يشكل «خط السيطرة الفعلية» خط الحدود بين الصين والهند فقط «بحكم الأمر الواقع»؟ ذلك أن ثمة تبايناً كبيراً بين البلدين حيال تصوره وتعريفه.

تاريخياً، لدى كل من الهند والصين وجهة نظر خاصة مختلفة بشأن ترسيم خط السيطرة الفعلية؛ الأمر الذي أدى إلى اشتعال نزاعات متكرّرة حول السيطرة على النقاط الاستراتيجية على طول الحدود. وبناءً عليه؛ ما دفع إذن باتجاه هذا التطور الإيجابي في العلاقات؟

في هذا الصدد، أعرب الصحافي الهندي جواراف ساوانت، الذي يزور روسيا حالياً لتغطية أخبار مجموعة «البريكس»، عن اعتقاده بأن بين العوامل وراء ذوبان الثلوج بين نيودلهي وبكين «انتخابات الشهر المقبل في الولايات المتحدة». وشرح أن «السباق الانتخابي (الأميركي) متقارب، وثمة احتمال واضح لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض». وأردف أن تراجع مستوى التوتر بالعلاقات بين البلدين سيخدم كلاً منهما. ومن وجهة نظر الصين، فإن قيادة هندية تسعى إلى سياسة خارجية مستقلة منفصلة عن المصالح الغربية أفضل بالتأكيد لبكين.

أهمية قمة «البريكس»

والآن، لماذا تشكّل قمة «البريكس» السادسة عشرة لحظة مهمة، في الدبلوماسية العالمية؟

في الواقع، للمرة الأولى منذ الحرب بين روسيا وأوكرانيا اجتمع عدد كبير من قادة العالم في روسيا، وهو ما فُسّر بأنه فشل للمحاولات الغربية في عزل موسكو، وهذا أمر قد يؤثر كذلك على توازن القوى العالمي. ثم إنه يدور موضوع قمة هذا العام حول «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين».

معلومٌ أن مجموعة «البريكس» انطلقت، بداية الأمر، من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب إفريقيا. إلا أنها سرعان ما برزت منصةً رئيسية للتعاون الاقتصادي والسياسي العالمي. وفي عام 2023، انضم أعضاء جدد للمجموعة، بينهم المملكة العربية السعودية، وإيران، ومصر والإمارات العربية المتحدة؛ ما جعلها أكثر شمولاً.

واليوم، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 60 تريليون دولار، تمثل دول «البريكس» 37.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متجاوزة بذلك «مجموعة الدول السبع». ومع مواصلة «البريكس» توسعها، كبر دورها وازداد وضوحاً على صعيد إعادة تشكيل ديناميكيات القوة العالمية. وهنا أضاف الصحافي الهندي ساوانت أن «هذا النوع من الود الذي يتأمله الهنود والروس والصينيون على الأرض - إلى جانب آخرين داخل (البريكس) - من شأنه أن يثير قلق الغرب»، مشيراً إلى أن مودي وشي سيعقدان لقاءً ثنائياً على هامش القمة.

ولجهة مسألة «العزلة»، تكشف قمة «البريكس» عن أن روسيا بعيدة كل البعد عن العزلة، لدى توجه قادة من مختلف الدول إلى قازان للمشاركة في مناقشات يمكن أن تشكل مستقبل الحكم العالمي. واللافت، طبعاً، أن القمة لم تجتذب حلفاء روسيا المقربين فحسب، بل اجتذبت أيضاً عدداً من الدول التي تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع موسكو.

قمة «البريكس» المنعقدة لثلاثة أيام، وسط إجراءات أمنية مشددة، تعد أكبر حدث دولي تستضيفه روسيا منذ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بغزو أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وفي حين يسعى بوتين، صراحةً، إلى بناء تحالف من خلال «البريكس» قادر على تحدّي «هيمنة» الغرب، صرّح رئيس الوزراء الهندي مودي أثناء زيارته روسيا بأن زيارتيه إلى روسيا في الأشهر الثلاثة الماضية «تعكسان التنسيق الوثيق والصداقة العميقة بين البلدين». وأضاف: «لقد عزّزت قمتنا السنوية في موسكو في يوليو (تموز)، تعاوننا في كل المجالات... وفي غضون 15 سنة، بنت مجموعة (البريكس) هويتها الخاصة. واليوم، تسعى الكثير من دول العالم للانضمام إليها».

وحول الموضوع الأوكراني، من وجهة نظر هندية، يرى المحلل السياسي سوشانت سارين أنه «على الصعيد الدبلوماسي، سار مودي على حبل مشدود منذ بدء الصراع في أوكرانيا... إذ تعهّدت نيودلهي بتقديم الدعم الإنساني لكييف، لكن مع تجنب الإدانة الصريحة للهجوم الروسي بالوقت ذاته. ثم في يوليو، زار مودي موسكو، أعقب ذلك بزيارة إلى كييف خلال أغسطس (آب)، داعياً إلى عقد مباحثات لإنهاء الصراع. وأثمرت جهوده بالفعل إلى دعوات إلى أن تضطلع الهند بدور وسيط بين الجانبين».

كذلك، مع إعراب مودي عن دعم الهند «حل عاجلاً» للوضع في أوكرانيا، ومعه مختلف جهود إرساء السلام والاستقرار، خاطب الزعيم الهندي نظيره الروسي قائلاً في حديث بينهما: «كنا على اتصال دائم بشأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ونعتقد أن النزاعات يجب أن تُحل سلمياً فقط. ونحن ندعم تماماً الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار سريعاً... وكل جهودنا تعطي الأولوية للجوانب الإنسانية».

الرئيس الروسي يلقي كلمته في القمة (رويترز)

من جهتها، أضافت مصادر بوزارة الشؤون الخارجية الهندية، على صلة بمكتب «البريكس» أن «المناقشات حول إقرار عملة للـ(بريكس)، لتحدي هيمنة الدولار الأميركي تكتسب زخماً. كما تقدّم القمة منصّة للدول تعينها على توحيد صفوفها ضد العقوبات التعسفية التي يفرضها الغرب. ومع توسع (البريكس) وتطورها، بات من الواضح أن هذه المجموعة تستطيع أن تلعب دوراً مركزياً في تشكيل نظام عالمي جديد، وتحدي الهيمنة الغربية التقليدية. وسيكون دور الهند في (البريكس)، إلى جانب علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، أساسياً في تحديد كيفية تطور هذا التوازن الجديد للقوى».

لقاء محتمل بين مودي وشي

وعودة إلى موضوع العلاقات الهندية - الصينية، ذكّر الصحافي مانيش جها، بأنه «لم يعقد الطرفان مباحثات رسمية ثنائية منذ عام 2019؛ ولذا فإن أي تقارب اليوم سيكون تطوّراً محموداً... وسيحظى بمتابعة أميركية من كثب». وأضاف جها: «الواضح أن واشنطن استغلت فتور العلاقات بين مودي وشي للتقرّب من نيودلهي، وتعزيز التجمّعات الإقليمية مثل مجموعة (الكواد «الرباعية»)، التي تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، مع العمل على الضغط على الهند للانضمام إلى العقوبات ضد روسيا؛ الأمر الذي رفضته نيودلهي حتى الآن». ثم تابع: «لا يمكن تجاهل دور روسيا بصفتها وسيطاً في هذه العملية، ذلك أنها تظل شريكاً استراتيجياً رئيسياً لكل من الهند والصين. ورغم التحديات التي تفرضها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حافظت الهند على علاقة متوازنة مع روسيا؛ ما يضمن بقاء مكانتها على الساحة العالمية قوية».

في الحقيقة، هذا الوضع مربح لكل من الهند والصين. فبالنسبة للصين، التي تمرّ بفترة ركود اقتصادي، سيكون استئناف النشاط الاقتصادي الطبيعي مع الهند بمثابة مكافأة. وبسبب حروب التعرفات الجمركية مع الولايات المتحدة - التي بدأت مع إدارة دونالد ترمب واستمرت خلال رئاسة جو بايدن - بدت بكين حريصة على استئناف العلاقات الاقتصادية مع نيودلهي، بينما يواصل القادة الميدانيون العسكريون والدبلوماسيون مناقشة وحل السقطات التي وقعت عام 2020، وهذا رغم إصرار نيودلهي على عدم استئناف العلاقات الطبيعية مع بكين إلى حين تسوية القضايا العالقة منذ وقوع المواجهات العسكرية ذلك العام.

في هذه الأثناء، تراقب واشنطن التطوّرات. وفعلاً صرّح ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، بأن واشنطن تتابع هذه التطورات (في العلاقات الهندية – الصينية عن قرب». لكن الوزارة لم تذكر ما إذا كانت نيودلهي قد أبلغت واشنطن - الشريك الجيوسياسي الرئيسي – بالاتفاق.

في هذا السياق، نشير إلى أنه منذ مواجهات عام 2020، عززت نيودلهي علاقاتها مع واشنطن لمواجهة ما تعتبره الدولتان «تحركات بكين العدوانية ضد جيرانها». وجرى تسليط الضوء على هذه العلاقة المتعمقة من خلال توقيع «اتفاقيات التعاون الدفاعي»، بما في ذلك تقارير عن تبادل المعلومات الاستخباراتية.

ومع ذلك، ظهرت مخاوف في واشنطن بشأن التقارب المتزايد بين نيودلهي وموسكو، وخصوصاً في خضم الضغوط الغربية لعزل الرئيس بوتين دولياً، في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا.

من جانب آخر، من وجهة نظر الصين، فإن القضاء على أسباب الانزعاج من الهند قد يجعل الفلبين نقطة الاشتعال الرئيسية بسبب مطالبات إقليمية متضاربة. (إلى جانب تايوان، التي تدّعي الصين أحقية السيادة عليها). أما الهند فترى أن تحقيق انفراج في العلاقات مع الصين، أمر بالغ الأهمية؛ لأنه يتيح لها مساحة أكبر للمناورة التفاوضية مع شركائها الغربيين، خصوصاً واشنطن، في أعقاب التوتر الدبلوماسي مع كندا.