تلاسن حاد بين «المستقبل» و«الوطني الحر»

عون يدافع عن «حق باسيل» في تأليف الحكومة... ونواب يعدّون كلامه خرقاً للدستور

TT

تلاسن حاد بين «المستقبل» و«الوطني الحر»

فجّرت تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري التي هاجم فيها عهد الرئيس ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل، سجالاً بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر». ودافع عون عن «حق» باسيل في تشكيل الحكومة، وإن قال إنه لا يتدخل فيها، وهو ما عدّه نواب «المستقبل» موقفاً «مخالفاً للدستور».
وقال عون: «ليس باسيل من يؤلف الحكومة. لكن لنفترض أنه كذلك. أليس له الحق؟ أليس نائباً ورئيس أكبر تكتل؟». ولمح إلى إمكانية التراجع عن تمسكه بحكومة «تكنوسياسية»، متمنياً في حديث مع الصحافيين بعد الخلوة التي عقدها مع البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي قبيل مشاركته في قداس عيد الميلاد، أن «يتجاوز لبنان أزمته الراهنة، وتكون الحكومة هدية رأس السنة». وأكد أنه طمأن البطريرك إلى «مسار الأمور».
وعن كلام رئيس الحكومة المستقيل، قال عون: «هل يريد الحريري أن يحسدني على هدوئي كي أحافظ على الهدوء في البلد أم على حماقتي التي تجعلني أتصرف بشكل سيئ؟». وقال إنه «لم يتم الحديث لغاية الآن عن شكل الحكومة»، لكنه رد على سؤال عن حكومة اللون الواحد بالقول إن «اللون ليس بالتكليف، بل من يحدد اللون هو التأليف». وحين سُئل عما إذا كان لا يزال متمسكاً بحكومة تكنوسياسية، أجاب: «أعتقد لا. أعتقد ستكون من اختصاصيين».
ورفض اعتبار أن الميثاقية أصبحت في خطر بعد تكليف حسان دياب لتأليف الحكومة، وقال: «انتظرنا مائة يوم ولم تُحل المشكلة، أريد ولا أريد (في إشارة إلى موقف الحريري)، كمن يلعب بزهرة المارغريت... الحكومة لا تؤلف هكذا». واستنكر وصف الحكومة المقبلة بـ«حكومة حزب الله»، عادّاً أن «هناك الكثير من الأطراف غير فرحين ويلجأون إلى نشر هذا الخبر، فالحكومة هي حكومة جميع اللبنانيين بمن فيهم (حزب الله)».
وكان الحريري قد أطلق مواقف تصعيدية في وجه عون وصهره، مساء الثلاثاء، واصفاً الحكومة المقبلة بأنها «حكومة باسيل». وأكد أنه لن يتعاون بعد الآن مع باسيل «إن لم يعتدل». وعدّ أن فريق الرئيس «يتعامل مع الدستور والقانون على أنهما وجهة نظر»، رافضاً في الوقت عينه «الحملة على الحريرية السياسية».
ورحب نواب في «المستقبل» بكلام الحريري، ورأى فيه البعض «تخلصاً من حمل التسوية الرئاسية»، ولاقت مواقفه ردوداً من قبل مسؤولين في «التيار الوطني الحر». وتوجّه وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي إلى الحريري بالقول: «عذراً مجدداً دولة الرئيس. نحن قوم نستذكر الفضل والحسني في ليلة الميلاد ولا نجحد أو ننسى أو نهذي. العهد لا يرمى منك إلا بالورد وأنت الأعلم بما صدر عنك وعانى منك. أما أتباعك ممن اصطفيت فهم حاقدون ولا يرتوون من سم الكراهية، فتخلص من أدرانهم القاتلة قبل أن تفتك باعتدالك ورجاحة فكرك، فلا تقع في الهذيان».
ولم تكد موجة السجالات تهدأ مساء على خليفة كلام الحريري حتى تجددت صباحاً إثر موقف عون، وقوله إنه «يحق لباسيل» تأليف الحكومة. وردت النائبة في «المستقبل» رولا الطبش على كلام عون، عبر حسابها على «تويتر»، قائلة: «هل سألت نفسك يوماً عن الجدوى من تقديم مصلحة الصهر (باسيل) على مصلحة البلد؟ وهل أن الدستور ينص على ربط تأخير تشكيل الحكومات بصهر الجنرال؟ وهل أن إصرارك على حكومة تكنوسياسية بوجود جبران هو الذي عطل الاستشارات، أم إصرار الرئيس الحريري على تشكيل حكومة اختصاصيين؟». وأضافت: «الدستور ليس زهرة مارغريت يا فخامة الرئيس، ورقة لجبران وورقة لجريصاتي».
من جهته، وصف النائب سامي فتفت، كلام عون بـ«الطعنة الدستورية الجديدة»، وعدّ «القول بأن جبران باسيل يحق له أن يكون شريكاً بتأليف الحكومة لأنه رئيس أكبر كتلة نيابية، هو طعنة دستورية جديدة للعهد، ويخالف أصول تشكيل الحكومات، والكتل النيابية يتم التشاور معها». وأسف في سلسلة تغريدات عبر «تويتر» لصدور هذا الموقف عن «رئيس الجمهورية المؤتمن على تطبيق الدستور». وقال: «تأليف الحكومة حق حصري بالدستور برئيسي الجمهورية والحكومة، إلا إذا اختار رئيس الجمهورية تجيير صلاحياته للآخرين، أو تنازل الرئيس المكلف عن صلاحياته».
وأسف النائب في «المستقبل» محمد حجار لجهة «ألا يرى الرئيس عون في البلد إلا جبران باسيل». وكتب عبر «تويتر»: «أمر مؤسف ألا يرى الرئيس ميشال عون بالبلد إلا جبران باسيل، وأن يعتبر أن قواعد الدستور والحياة السياسية اللبنانية تدور من حوله». وأوضح أن «القول بأن الرئاسة انتظرت الرئيس الحريري مائة يوم، مثير للاستغراب، لأن البلاد كانت تنتظر من الرئاسة فك عقدة جبران وتمسكه بحكومة تكنوسياسية، وأن الرئيس الحريري قال لهم من اليوم الأول لنذهب إلى حكومة اختصاصيين... الحكومة التي نطقوا بها أخيراً من بكركي». وأضاف أن «اللبنانيين يتذكرون من قال عام 2017 لعيون صهر الجنرال لا تتشكل حكومة. ويتذكرون من قال قبل أشهر للمتظاهرين من لم يعجبه فليهاجر».
وكتب النائب السابق والقيادي في «المستقبل» مصطفى علوش على «تويتر» قائلاً: «بعد كلام رئيس الجمهورية، يبدو أن كل محاولات حماية الرئاسة من نزق الصهر فشلت».
وردّ النائب في «الوطني الحر» سليم عون على نواب «المستقبل»، قائلاً في تغريدة عبر «تويتر»: «نتفهم جيداً ما يتخبط به تيار سياسي وردات فعله المتوترة، نتيجة إصابته أخيراً بنكستين: الأولى فشله بإدارة معركة مرشحه لرئاسة الحكومة، والثانية عدم استطاعته عرقلة الرئيس المكلف رغم استعماله التحريض المذهبي، لا بل بدأ يشعر بثبات وقدرة هذا الرئيس واتجاهه نحو تأليف ناجح وسريع».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».