كتاب خليجيون: كتب فكرية وعودة للتاريخ

كتاب خليجيون: كتب فكرية وعودة للتاريخ
TT

كتاب خليجيون: كتب فكرية وعودة للتاريخ

كتاب خليجيون: كتب فكرية وعودة للتاريخ

د نادر كاظم: «طرق الحرير»
ربما كانت هذه السنة سنة القراءة في حياتي، فقد قرأت العشرات من الكتب، وتعدادها فقط كفيل بملء هذه المساحة، ولكن أكتفي هنا بترشيح 5 كتب؛ الأول هو كتاب «العرب» للرحالة البريطاني تيم ماكينتوش - سميث، وفي هذا الكتاب يسعى تيم إلى كتابة تاريخ العرب منذ العام 853 قبل الميلاد حتى العام 2018 بعد الميلاد.
الكتاب الثاني هو كتاب «طرق الحرير... تاريخ جديد للعالم» للمؤرخ بيتر فرانكوبان. يقدم فيه فرانكوبان قراءة مختلفة وثرية لتاريخ العالم من خلال تتبع تاريخي شائق للطرق التي شبكت الغرب بالشرق، وشهدت ظهور وتفاعل الحضارات والأديان الكبرى في العالم؛ الهندوسية، البوذية، اليهودية، المسيحية، الإسلام.
الكتاب الثالث هو كتاب «العاقل... تاريخ مختصر للنوع البشري» ليوفال نوح هراري، فهذا الكتاب شائق جدا، يقدم قصة الإنسان العاقل بكل تشابكاتها البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والنفسية والسياسية، وصولاً للهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا. نُشر الكتاب لأول مرة باللغة العبرية في عام 2011. وترجم للإنجليزية في عام 2014. ثم ترجم لـ45 لغة، وصدرت ترجمته العربية السلسة والرشيقة في عام 2018.كتاب مهم وشائق ومحفز.
الكتاب الرابع هو «إمبراطور الأمراض» لسيدهارتا موكيرجي، الذي يقدم سيرة ذاتية ملحمية لمرض السرطان، وتشكل المعرفة البشرية والطبية حوله منذ 2500 سنة حتى اليوم. كتاب عظيم وباهر، وعلى الرغم من علميته فإنه مكتوب بأسلوب سردي شائق جداً.
الكتاب الخامس هو «الديمقراطية الإله الذي فشل» لهانز هيرمان هوبا، وهو نقد جذري لفكرة الديمقراطية، ويخلص إلى أن للديمقراطية تداعيات خطيرة كثيرة تبدأ بالتبذير الاقتصادي وارتفاع مستويات الجريمة، وتدهور معايير السلوك والأخلاق، وسهولة الدخول في حروب شاملة ومدمرة، وتنتهي عند تفكيك الحضارة وتدهورها.
- أكاديمي بحريني

د. صالح بن أحمد السهيمي: «أزهار غرناطة» و«عبقرية اللغة»
ومن أبها جنوبي السعودية يقول؛ لعل أول الكتب التي قرأتها في عام 2019 كتاب «عبقرية اللغة» لـ«ويندي ليسير»، ترجمه إلى العربية المترجم القدير حمد الشمري. الكتاب يشد قارئه منذ اللحظة الأولى، كاشفاً عن عبقرية اللغة الأم وتأثيرها على اللغة الثانية «الإنجليزية»، فكأنَّ المحررة أرادت أن تفتّشَ عن سرِّ العبقرية لدى الكُتَّاب الذين يكتبون بالإنجليزية، هذه العبقرية تتقاطع عبر أهمية الزمن في البناء اللغوي مع التأثير الحكائي... فــَـيُسْهِمُ السردُ في تأثيثِ البناء اللغوي لدى الكُتَّاب، ثم يجد القارئ متعة أدبية في قراءة السّــيَرِ والكشف عن بعض الخصائص المؤثرة في اللغة الأدبية، أيّاً كانت هذه اللغة!
وفي كتاب عبقرية اللغة؛ تتجلى سلطة التأثير في بناء اللغة لدى الكُتَّاب عبر ركائز مهمة، منها الركيزة الحضارية، ومن ثم الركيزة الدينية والسياسية والأسرية، كل هذا أسهم في تشكيل الوعي اللغوي لدى الكتاب، ثم انعكس هذا الوعي على نتاجهم الثقافي.
ومن الأعمال الروائية المتميزة تعاطفت كثيراً مع رواية «أزهار غرناطة» لجوردي بيرداكير فيلا - سفيل؛ تجولت بي هذه الرواية في مدينة غرناطة كاشفة عن التقاطع التاريخي والحكائي؛ ولعل اهتمامي السردي والنقدي بهذا الموضوع جعلني أتعاطف مع الرواية مستنطقاً الأمكنة والأزمنة داخلها وخارجها، ثم تتبعت فيها التقاء الخيال بالحقيقة، الالتقاء ساعدني في فهم بعض قصص الإطار في العمل الروائي.
- قاص وأكاديمي سعودي

عبد الله ناجي: من رواية «الرسام» إلى كتاب «أصل الأشياء»
تمثل القراءة لي حياة أخرى، إن لم تكن هي حياتي الحقيقية، وسأقتصر في حديثي على 3 كتب؛ أولها رواية «الرسام تحت المجلى» لأفونسو كروش، فمن وجهة نظري هذه الرواية لا تقرأ، بل تؤكل جملة جملة، وكلمة كلمة، من لذاذة اللغة وطرافة المعاني المبتكرة، أستطيع القول إنها رواية لغة، على الرغم من كونها محتشدة بالأحداث والمشاهد، فاللغة هنا ستصعد بالقارئ إلى الأعلى كما تصعد الأشجار، من الدائرة وإليها يبدأ ويعود، لم تكن الدائرة هي الرسمة الأولى والدائمة لبطل الرواية فقط، بل كانت ترمز إلى فلسفته في الوجود، فكل شيء دائري ومتكرر، الزمن والأحداث والذكريات.
الكتاب الثاني هو كتاب «أصل الأشياء» ليوليوس لبيس، كتاب يضع يدك، ويفتح أحداقك على بدايات الثقافة الإنسانية، إنه بحث مطول وعميق في الإنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، يعود بنا إلى المسكن الأول للإنسان؛ حيث أمانه وراحته من متاعب العالم، ويتنقل بنا بين مكونات حياته، وانتقالاته من طور إلى طور، من صائد إلى مخترع، ومن النقود الصدفية إلى دفتر الشيكات، ومن الطبلة حتى الصحيفة، ومن القبيلة إلى الدولة.
الكتاب الثالث هو رواية قصيرة لستيفان زفايغ، تحمل عنوان «بائع الكتب القديمة»، وسأختصر الحديث عنها باقتباس آخر عبارة من الرواية، أشعر أنها قالت كل ما أردت أن أكتبه عنها: «إننا لا ننتج الكتب إلا لكي نبقى على صلة بالبشر فيما وراء الموت، فنذود بذلك عن أنفسنا ضد العدو الألد لكل حياة، ضد الزمن الذي يمضي... ضد النسيان».
- روائي وشاعر سعودي


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.