«إدلب الكبرى»... معركة «المصير» للنظام السوري

على الرغم من دخول الحرب في سوريا عامها التاسع، فإن تلك الحرب المدمرة لم تضع أوزارها بعد. وحيث تمكنت قوات النظام السوري، بدعم من روسيا، من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي انتزعها مقاتلو تنظيم «داعش» والمسلحون المدعمون من الغرب، فإن أمام هذا النظام معركة أخرى، وهي «معركة إدلب الكبرى».
ويسعى النظام السوري لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب التي يسيطر المسلحون على معظم مناطقها. ورغم أنه من المتوقع ألا تكون المعركة سهلة على الإطلاق، فإن النظام عازم على حسمها باعتبارها رمزاً يمثل التوترات التي شهدتها بلاده على مدار العقد الماضي.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قال مؤخراً: «معركة إدلب ستكون الأساس لحسم الفوضى والإرهاب في كل مناطق سوريا».
وإلى جانب هذه المعركة، يرى محللون ومتابعون أن الأسد لا يزال يواجه تحديات من الداخل والخارج. وتوقع سام هيلر، المحلل بـ«مجموعة الأزمات الدولية»، أن يحقق النظام السوري انتصاراً في «معركة إدلب»، لكن لا يزال أمام النظام طريق يتعين عليه أن يقطعها قبل أن يتمكن من إعلان النصر بشكل حاسم».
ويضيف هيلر، لوكالة الأنباء الألمانية: «لا أعتقد أن المجتمع الدولي بشكل عام مستعد لقبول شرعية الأسد وتطبيع العلاقات مع حكومته». ولفت هيلر إلى أن «الولايات المتحدة وبعض حلفائها يرفضون التراجع عن مطلبهم المتعلق بتغيير سياسي حقيقي في سوريا من خلال عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة. ويبدو أن مطالبهم تعني تنحي الأسد أو عزله».
وأشار المحلل إلى أنه ما دام استمر التعثر في العملية السياسية، فإن المجتمع الدولي سيبقي على العقوبات الصارمة المفروضة على سوريا، خاصة أن عزلتها السياسية والاقتصادية لا تكلفه الكثير. كما أشار إلى أن المناطق السورية التي لا تزال خارج السيطرة الكاملة للحكومة السورية لا تمثل فقط تحدياً عسكرياً للأسد، وإنما أيضاً تحدياً سياسياً.
ويقصد هيلر بذلك بشكل رئيسي مناطق شمال شرقي سوريا، حيث اتفقت تركيا وروسيا في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على السيطرة بشكل مشترك على مساحات شاسعة من المناطق القريبة من الحدود التركية، والتي اضطر المسلحون الأكراد السوريون إلى الانسحاب منها بعد تدخل عسكري تركي قوي قوبل بإدانة دولية ورد فعل وُصِفَ بالفاتر من جانب الولايات المتحدة.
وقال هيلر «هناك مناطق تشهد تشابكات جيوسياسية، وهو الأمر الظاهر للعيان من خلال وجود خليط من القوات العسكرية الأجنبية المنتشرة على الأرض. وإذا ما أرادت الحكومة السورية استعادة هذه المناطق، يتعين عليها فك هذه التشابكات، وهو ما لا تستطيع دمشق منفردة القيام به».
وأشار هيلر إلى أنه «من أجل ذلك، فإن دمشق تظل في حاجة إلى دعم روسيا، إما لمساعدة جيش النظام السوري في التقدم العسكري، أو للتعامل دبلوماسياً مع المعارضة الدولية التي تقف في وجه عودة الدولة السورية».
وتأتي هذه التطورات وسط ترقب من جانب تركيا، التي تدَخلت مباشرة أكثر من مرة في الصراع السوري ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية التي تراها أنقرة الذراع السورية لمنظمة «حزب العمال الكردستاني» الانفصالية التركية.
وفي التاسع من أكتوبر الماضي، شنت تركيا ومسلحون سوريون موالون لها عملية ضد مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، بعدما قامت الولايات المتحدة بسحب قواتها فجأة من المنطقة، ومن ثم تنفيذ إعادة انتشار قالت إنها تهدف إلى حماية المنشآت النفطية في سوريا.
وعلى مدار عام 2019، نجحت روسيا وتركيا، اللتان تدعمان طرفي نقيض الصراع في سوريا، في تأسيس تحالف دقيق يحفظ لكل منهما مصالحه هناك قدر المستطاع.
ويرى آرون لوند، الباحث في مؤسسة «سنشري فاونديشن»، ومقرها نيويورك، أن نظام الأسد «انتصر» أمام محاولة الإطاحة به لأنه على مدار سنوات الصراع «كان معه الجيش، ومعه الأسلحة، والاقتصاد، والخبرة، والمؤسسات».
وأضاف: «في هذه المرحلة، لا يوجد تهديد جدي لحكم الأسد لسوريا، وإن كان أساس هذا الحكم ضعيفاً، وهشاً إلى حد ما - إلى جانب وجود اقتصاد مدمر ودعم أجنبي منعدم، وغير ذلك».
واستبعد لوند أن يكون لدى الأسد، الموجود في السلطة منذ عام 2000، أي خطط في المستقبل القريب للالتزام باتفاق سياسي لا يصب في مصلحته.
وقال لوند «بالطبع، إذا ما شعرت دمشق بأن المحادثات التي تجريها اللجنة الدستورية (التي من المفترض أن تقوم بكتابة دستور جديد للبلاد) تسير لصالحها، فربما يحرصون على الاستفادة من هذه العملية». وشدد لوند على أن الأسد لن يقبل «بقصاصة ورق تنص على مغادرته السلطة».
وبدأت اللجنة، التي تشكلت برعاية الأمم المتحدة، عملها في أكتوبر الماضي في جنيف بمشاركة 150 عضواً يمثلون، بالتساوي، الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني. وجرى عقد جولة من محادثات اللجنة في جنيف الشهر الماضي، لكنها انتهت بتبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة بعرقلة عملها.