قدرات «داعش» تفجر سجالا مذهبيا في العراق

طرف يرى التنظيم «أسطوريا» وآخر مجرد «خرافة»

قدرات «داعش» تفجر سجالا مذهبيا في العراق
TT

قدرات «داعش» تفجر سجالا مذهبيا في العراق

قدرات «داعش» تفجر سجالا مذهبيا في العراق

في الوقت الذي يستغيث نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، محذرا من سقوط الأنبار بيد تنظيم «داعش»، في غضون أسبوعين، ما لم تجرِ الموافقة على التدخل البري الأميركي، يعلن زعيم منظمة بدر في احتفالية عيد الغدير أن قواته وقوات الحشد الشعبي ستتوجه لتعزيز القطعات العسكرية المرابطة في مدينة سامراء السنية (125 كلم شمال غربي بغداد)، التي تضم مرقدين من مراقد الأئمة الـ12 للطائفة الشيعية.
بين استغاثة العيساوي، التي تلتها تحذيرات لا تقل عنها خطورة من مدير ناحية عامرية الفلوجة (25 كلم جنوب غربي بغداد)، وأقرب نقطة لمسلحي «داعش» عن مطار بغداد الدولي، بإمكانية سقوط هذه المدينة سلفية الطابع أصلا بيد هؤلاء المتطرفين، فإن التنظيم نجح في إشعال فتيل حرب شيعية - سنية من نوع آخر، فالسنة الذين يحتل «داعش» معظم مدنهم ومحافظاتهم الغربية (الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى) يضخمون، من وجهة نظر الشيعة، قدرات التنظيم التي يرون أنها قدرات أسطورية.
أما الشيعة، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومن بعده نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، الذي يستمر في مناكدته للعبادي في زيارة المحافظات الوسطى والجنوبية، فيرون أن «داعش» ربما نجح في شن حرب نفسية لا أكثر. وبات العرب السنة يراهنون على الحرس الوطني المتوقع تشكيله لحماية محافظاتهم ومدنهم، بعد أن فشل الجيش في تأمين الحماية لها. ويرى حامد المطلك، العضو السني في البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار (مدينة الفلوجة)، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأسباب التي تقف خلف ذلك هي البناء الخاطئ للجيش بعد عام 2003، الذي بني مثلما يعرف الجميع على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية».
المطلك، وهو قيادي في ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه إياد علاوي (رئيس الوزراء العراقي الشيعي الأسبق)، يرى كذلك أن «قرار الحاكم المدني الأميركي بول بريمر بحل الجيش العراقي السابق والمؤسسة الأمنية كان قد باركته العديد من القيادات السياسية البارزة اليوم، التي أدركت، بعد فوات الأوان، أن ذلك القرار كان من بين الأهداف المبيتة للاحتلال الأميركي للعراق».
ويضيف المطلك، بعكس ما كان قد رآه وزير الدفاع العراقي السابق والعضو الحالي في البرلمان سعدون الدليمي عن محافظة الأنبار أيضا، في مداخلته الشهيرة بالبرلمان لدى استضافته مع عدد من القادة العسكريين بشأن ملابسات حادثة سبايكر، وقوله إن البيئة السنية طاردة للجيش العراقي، أن «الجيش لو كان مهنيا، مثلما عهدناه منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى عام 2003، لكان قد تصرف بطريقة صحيحة مع الأهالي، بينما العكس هو الصحيح. فبالإضافة إلى أننا كنا حذرنا من مغبة زج الجيش في الخلافات الداخلية، فإن قيادات هذا الجيش، وبسبب الفساد المالي والإداري، لم تتصرف بإنصاف ومسؤولية مع المواطنين، كما أنها لم تقاتل حين داهم (داعش) الموصل».
في المقابل، ترى القيادات الشيعية أن هناك من يريد إدخال الأميركيين إلى العراق بدعوى قدرات «داعش» التي لا تُقهر.
ويقول أبو رسول الكناني، وهو قيادي في سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، الذي ترابط قواته في إحدى المناطق المحاذية لحزام بغداد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المدن والمناطق التي دخلها (داعش) ما كان ممكنا دخولها، لو لم تكن هناك رغبة، أو على الأقل عدم مقاومة، من أهالي تلك المناطق لدخولها»، مبينا أن «مدينة مثل الفلوجة كانت قد عُرفت بقدرتها على مقاومة الأميركيين وعدم دخولهم لها عام 2004، لكن تمكن (داعش) من دخولها وتأسيس ولاية فيها، وهو ما يعني أن هناك قبولا بهذا الوضع».
وأضاف أنه «بصرف النظر عن الكلام عن الجيش الذي لم يقاتل في الموصل أو تكريت، فإن علينا أن نعيد إلى الأذهان كيف أن (داعش) لم يتمكن من دخول آمرلي، بل حتى الضلوعية السنية التي صمدت لأن هناك إرادة من أهالي هذه المنطقة لعدم الاستسلام، وكذلك لمناطق كثيرة في محافظة ديالى التي لم يتمكن (داعش) من دخولها».
بدوره، يقف زعيم منظمة بدر، هادي العامري، الذي أبدى استعداده للتوجه إلى الأنبار لمقاتلة «داعش»، مع تصورات زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بأن تضخيم قدرات «داعش» الخرافية وتصويرها بوصفها قدرات أسطورية يراد منه تبرير التدخل البري.
ويلخص العامري المسألة من زاوية وجود فصائل المقاومة (الحشد الشعبي وغالبيته من الشيعة) في هذه المنطقة أو تلك لمواجهة «داعش» أم لا. فهو يقول في كلمة له بمناسبة عيد الغدير إن مناطق محافظة ديالى سيجري الانتهاء من تحريرها بالكامل خلال فترة قصيرة.
ويضيف: «ستتوجه القوات بعدها من ديالى إلى مدينة سامراء، لتعزيز القطعات العسكرية التي تقدمت لمسافة تزيد على 11 كيلومترا شمال قاعدة سبايكر الجوية في محافظة صلاح الدين». وعن الوضع الأمني في شمال بابل، اعترف العامري بأن «الوضع في ناحية جرف الصخر معقد، لأنه لم يكن هناك اهتمام جدي من قبل فصائل المقاومة بها». أما بشأن الأنبار، فقد أوضح العامري أن «المحافظة هي الوحيدة التي لا توجد فيها فصائل المقاومة والحشد».
وبشأن ما إذا كان كانت هناك حرب نفسية، من خلال تضخيم قدرات «داعش» أو مخطط حقيقي يتوجب الحذر منه، يقول عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد الدكتور هاشم حسن لـ«الشرق الأوسط» إن «المشهد الأمني مرتبط بالوضع السياسي، وبالعكس، وبالتالي فإن ما نحتاج إليه هو التعامل بمصداقية مع الأحداث والحقائق والأخبار، فليس من المصلحة التهويل، كما ليس من المصلحة الاستخفاف، لأن المؤشرات على الأرض تشير إلى ما يدل على أن هناك مخاوف حقيقية». ويضيف حسن قائلا إنه «وبصرف النظر عن كل ذلك، فإن علينا في العراق أن نحذر من أن هناك مخططا يتجاوز العراق إلى المنطقة يقوم على أساس إعادة تقسيم المنطقة، بما يجعل من اتفاقية (سايكس - بيكو) إنجازا بالقياس إلى ما يجري التخطيط له اليوم».
ويشير إلى أنه «من الواضح أن الحكومة العراقية لا تعي المخاطر جيدا، لأنها لا تمتلك رؤية واضحة لما يجري ولما ينبغي عمله، وبالتالي فإن ما نحتاج إليه هو إرادة متماسكة وموحدة من قبل الجميع، لأن المرحلة من أخطر ما ينبغي تخيله».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم