الأزمة تفرض «تقشفاً» على اللبنانيين في الأعياد

التسوق للميسورين والسفر للمغتربين... وحجوزات الفنادق تراجعت 90 %

شجرة ميلاد مصنوعة من لافتات التظاهر وسط بيروت (إ.ب.أ)
شجرة ميلاد مصنوعة من لافتات التظاهر وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

الأزمة تفرض «تقشفاً» على اللبنانيين في الأعياد

شجرة ميلاد مصنوعة من لافتات التظاهر وسط بيروت (إ.ب.أ)
شجرة ميلاد مصنوعة من لافتات التظاهر وسط بيروت (إ.ب.أ)

أيام قليلة تفصلنا عن بداية العام الجديد، وبيروت لم تلبس حلة العيد كاملة، كما في السنوات الماضية، إلا في بعض شوارعها التي تزينت بشجرة الميلاد وأضيئت بألوان الزينة.
ورغم حلول موسم الأعياد، الموسم الأكثر استقطاباً للبنانيين المغتربين الذين يأتون للاحتفال مع عائلاتهم وأصدقائهم، إضافة إلى عدد كبير من السياح الأجانب والعرب للسهر والتسوق، فإن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حالت دون ذلك.
ففي زيارة سريعة للمحال التجارية في بيروت، يبدو لافتاً أن حركة المتسوقين خجولة، فيما تشتكي غالبية أصحاب المحال التجارية من قلة الزبائن وتراجع المبيعات، في ظل الأزمة المالية والمعيشية القائمة، بينما يبدو المشهد أكثر حركة في «المولات»، حيث التنزيلات كبيرة جداً، والرواد من طبقة ميسورة أكثر.
ويقول عضو لجنة الأسواق في جمعية تجار بيروت، رشيد كبة، لـ«الشرق الأوسط» إن «التسوق في بيروت أكثر من معدوم هذا العام، لأنه لم يعد أولوية لدى الناس الذين يعانون أزمات مالية ومعيشية، نتيجة تراجع سعر صرف الليرة التي فقدت كثيراً من قيمتها أخيراً، وما عزز ذلك القيود التي فرضتها المصارف على سحوبات المودعين، ففرضت نوعاً من التعثر في السيولة لدى التجار والزبائن». ورأى أن «نصف الموجودين في المراكز التجارية يحتفلون مع أطفالهم بالعيد ليس أكثر، لذلك نجد أن المطاعم أكثر حركة من المحال التجارية التي تبيع الألبسة مثلاً، فيما النصف الآخر يشتري القليل، على اعتبار أن التبضع خلال الأزمة الراهنة يعد من الكماليات، ما عدا المواد الغذائية».
ولفت إلى أن تفاقم أزمة التجار هو «نتيجة تراكم تراجع التسوق على مدى أعوام، والدليل على ذلك أن 3250 مؤسسة تجارية أقفلت أبوابها منذ يونيو (حزيران) 2018 حتى نهاية هذا العام، منها مؤسسات تجارية قديمة ومعروفة»، محذراً كذلك من «تدهور الأوضاع أكثر، في حال استمر الوضع السياسي على ما هو عليه».
وقال نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر في لبنان، جان عبود، لـ«الشرق الأوسط» إن «حركة السفر من الخارج إلى لبنان في موسم أعياد نهاية العام محدودة، وقد تراجعت بنسبة 30 إلى 35 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها في الأعوام الماضية، لكنها تبقى أفضل مقارنة مع الشهرين الماضيين، حين تراجعت في حدود 80 في المائة منذ بدء الاحتجاجات الشعبية».
ويشير عبود إلى أنه لم يسجل مجيء سياح عرب وأجانب في هذه الفترة إلى لبنان، موضحاً أن «جميع القادمين هم من اللبنانيين المغتربين العاملين في الخارج، بدليل أن لا حركة سجلت في الفنادق خلال هذا الموسم، مما يعني أن القادمين سيقيمون مع عائلاتهم».
وفي هذا السياق، أكد نقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، لـ«الشرق الأوسط» أن «نسبة الحجوزات في الفنادق تراجعت إلى ما يعادل 90 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي»، وأشار إلى أن «هذا التراجع بدأ تدريجياً منذ انطلاق التحركات الاحتجاجية في لبنان، قبل شهرين».
وأضاف: «في الوقت الراهن، قمنا بإقفال جزئي للمؤسسات، ومثال على ذلك إقفال عدد كبير من الغرف في بعض الفنادق، وإلغاء كل الخدمات التي كانت تقدم مجاناً للزبائن»، لافتاً إلى «انخفاض أسعار حجوزات الفنادق بسبب المضاربة الحاصلة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، مما أدى إلى انخفاض الأسعار بنسبة 30 إلى 40 في المائة».
وعن سهرات ليلة رأس السنة التي تعلن عنها الفنادق عادة في موسم الأعياد، أشار الأشقر إلى أنه «لا سهرات أعلنت عنها الفنادق في ظل الوضع الراهن، وما ساهم في ذلك القيود التي فرضتها المصارف على أموال المودعين»، وأوضح أن «هناك صعوبة في تقدير خسائر القطاع في المرحلة الراهنة، لكن تبقى إمكانية إعادة النهوض، والحكومة هي مفتاح الحل، في حال تم تشكيلها ونالت ثقة الشعب ومجلس النواب والمجتمعين الدولي والإقليمي، حتى تضخ الدول أموالاً من الخارج في لبنان، ويستقر الوضع الأمني والسياسي، وبالتالي تعود السياحة إليه».
يذكر أنه منذ عام 2012 حتى 2018، كانت الحركة السياحية العربية في لبنان تأتي من العراق والأردن ومصر، بسبب مقاطعة الخليجيين للبنان. وفي عام 2018، كان لافتاً ارتفاع نسبة السياح الأوروبيين التي سجلت زيادة في حدود 25 في المائة. لكن هذا العام لم يشهد لبنان أي حركة من هذه الجنسيات، وفق عبود.
إلى ذلك، قال رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي في لبنان، طوني الرامي، لـ«الشرق الأوسط» إن «حركة المطاعم والمقاهي والملاهي بدأت بالتراجع منذ سبتمبر (أيلول)، وليس فقط منذ بدء التحركات الاحتجاجية في أكتوبر (تشرين الأول)».
وأضاف أن «الظروف التي يمر بها لبنان صعبة جداً. تراجع القدرة الشرائية وشح السيولة والوضع النفسي عوامل جعلت خروج رواد المطاعم والسياحة شبه معدوم في الفترة الراهنة، ولكن نحن نسعى إلى تقديم أسعار تشجيعية خلال الأعياد، إذ إن 90 في المائة من القطاع يقدم في العيد قائمة طعام بأسعار توازي أي ليلة عادية بهدف استمراريتنا، والسهرات ستكون أسعارها مدروسة جداً وتشجيعية».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.