«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية

تغطية مكثفة للاشتباكات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين في وسط هونغ كونغ تشغل الإعلام الأميركي

«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية
TT

«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية

«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية

انتهت الأحزاب البريطانية الرئيسة من عقد مؤتمراتها السنوية الأسبوع الماضي، وعاود البرلمان عقد جلساته بانتظام. الاختلافات في القضايا السياسية والآيديولوجية بدأت تتصدر بقوة صفحات الصحافة المكتوبة، عاكسة بذلك التحضيرات لمعركة الانتخابات العامة المزمع تنظيمها في مايو (أيار) المقبل. لكن القضايا الدولية الساخنة مثل الحرب ضد «داعش» وقضايا التطرف الإسلامي في المجتمعات الأوروبية وخطر فيروس «إيبولا» الذي بدأ ينتشر خارج دول غرب أفريقيا، استحوذت هي الأخرى على نصيب كبير من هذه التغطية، واعتبرت هذه القضايا سببا للتداعيات الاقتصادية الأخيرة للبورصات.
كما تصدرت، ولعدة أيام، القضايا الاقتصادية والخوف من دخول أوروبا في حالة جديدة من الركود الاقتصادي صفحات الجرائد الرزينة. لكن صحيفة «فايننشيال تايمز»، المتخصصة في قضايا المال والأعمال، جاءت تغطيتها مميزة في هذا المجال، وتحت عنوان «تخبط في الأسواق المالية يعيد إحياء مخاوف عدم استرداد السوق عافيتها». لكن بدأت الأسواق في العالم تتعافى نسبيا الجمعة بعد يومين من التقلبات الحادة، لكنها بقيت في دائرة الاهتزاز بسبب المخاوف التي ما زالت تحيط بالنمو العالمي، وهذا ما عكسته الصحيفة. وكتبت الصحف مبينة كيف أن البورصات تمكنت من الحد من خسائرها بعد ظهر الخميس الماضي، وتعزز الهدوء في اليوم التالي، أي يوم الجمعة الماضي، عندما سجلت مؤشرات البورصات الأوروبية ارتفاعا واضحا.
وكتبت صحيفة «التايمز» و«الديلي تلغراف» و«الغاديان» و«الإندبندنت» على صفحاتها الأولى محذرة من انزلاق الاقتصاد الأوروبي الهش، وبينت جميعها كيف أن 460 مليار جنيه إسترليني خسرتها بورصة لندن نتيجة خطط إنقاذ اليونان المتعثرة والتحولات السياسية التي ترفضها الأحزاب السياسية اليونانية بخصوص خطط الصرف وشد الأحزمة، التي تزيد من خطر التدهور الاقتصادي. أضف إلى ذلك أن هناك عوامل أخرى تضاف إلى هذه المخاوف، ألا وهي تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتقليل التوقعات بالنسبة إلى نموه في السنوات المقبلة. كما ربطت الكثير من الصحف مثل «الغارديان» و«الإندبندنت» و«الديلي تلغراف» بين أسباب الأخطار الاقتصادية وتفشي فيروس الـ«إيبولا»، الذي اعتبر تهديدا حقيقيا للعالم أجمع.
كما تناولت صحيفة «التايمز» بفخر الأرقام الجديدة بخصوص عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا. وكتبت تحت عنوان: «لأول مرة ينخفض عدد العاطلين عن العمل إلى أقل من مليوني شخص منذ ست سنوات، أي أن الأرقام رجعت إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية. الصحيفة المعروفة بميولها المحافظة، حاولت أن تبين أن خطط وزير الخزانة جورج أوزبورن في تعامله مع الديون والصرف والضرائب خلال فترة البرلمان السابقة كانت صائبة. إنه بشكل آخر ترويج انتخابي لحزب المحافظين الذي يجد منافسة شديدة من الأحزاب الصاعدة مثل حزب الاستقلال الذي أصبح يشكل تهديدا للأحزاب التقليدية.
كما أبرزت معظم الصحف ما جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي قال فيه إن بلاده قد تستخدم أحد قوانين العصور الوسطى التي ترجع إلى عام 1351 لتوجيه اتهامات إلى بريطانيين ذهبوا إلى سوريا والعراق للقتال مع تنظيم الدولة الإسلامية. كما غطت الصحف بإسهاب وعلى صفحاتها الأولى قضايا التطرف الإسلامي وتحذير رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من أن التنظيم الذي سيطر مقاتلوه على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا والعراق يمثل تهديدا خطيرا على بريطانيا.
وأبرزت معظمها أرقاما تقول إن نحو 500 بريطاني بينهم كثيرون من أبناء مهاجرين مسلمين يحاربون في العراق وسوريا، لكن العدد الفعلي قد يكون أكثر بكثير. ويخشى مسؤولو الأمن من أن يشن هؤلاء هجوما داخل الأراضي البريطانية لدى عودتهم. وقال هاموند إن أي بريطاني يعلن ولاءه للدولة الإسلامية يمكن أن يكون قد ارتكب جرما بموجب قانون الخيانة لعام 1351 الذي صدر في عهد الملك الإنجليزي إدوارد الثالث.
وفي خضم كل هذه القضايا الساخنة أبرزت صحيفة «ديلي تلغراف» في عدد الجمعة قضية الموت الرحيم المثيرة للجدل. وقالت في عنوانها الرئيس في خبرها على الصفحة الأولى: «تخفيف القيود على الموت الرحيم»، مبينة أن الأطباء لن يواجهوا تهما قضائية تجريمية في حالة مساعدتهم غيرهم ممن يريدون إنهاء حياتهم، في الحالات المرضية المزمنة. ومع نهاية الأسبوع استمرت الصحف في تغطيتها للقضايا الساخنة مثل تفشي فيروس الـ«إيبولا»، لكن صحيفة «الإندبندنت» المشاكسة دائما والتي تميز نفسها باستمرار في اختيار مواضيعها، اختارت على صفحتها الأولى يوم السبت الماضي موضوع المهر والزواج، والمشكلات التي يسببها بين أبناء الجاليات الآسيوية. الاختلاف على المهر يؤدي إلى ارتكاب الجرائم بحق المرأة.
أما صحيفة الغارديان فقد استمرت في تغطيتها لفيروس الـ«إيبولا»، وعلى صفحتها الأولى كتبت «تحذير إلى العالم: يجب القضاء على الـ(إيبولا) أو مواجهة ما واجهه العالم مع مرض نقص المناعة المكتسبة». وأبرزت الصحيفة الخلافات بين الدول الكبرى بخصوص إيجاد الأموال الكافية لمحاربة الفيروس.
و منذ بداية الأسبوع، تظل النزاعات المسلحة وهجمات «داعش» مثار اهتمام الإعلام الأميركي. وخاصة بعد أن زادت هجمات «داعش» بالقرب من بغداد. وزعت خبر صواريخ «داعش» في المنطقة الخضراء وكالة «أسوشيتدبرس»، ونقلته عنها وسائل إعلامية كثيرة. وكان بداية القلق الرسمي الأميركي على بغداد.
وفي غير السياسة والحرب، ومنذ بداية الأسبوع، اهتم الإعلام الأميركي بالأعاصير، والفيضانات. بداية بإعصار «فوينغتونغ» قرب اليابان، وإعصار «حذود» في الهند ونهاية بإعصار «غونزالو» قرب جزيرة برمودا، في المحيط الأطلسي. وكالعادة، ركز التلفزيون على مناظر الإعصار، ونتائجه. وفي غير السياسة، ومنذ بداية الأسبوع، ركز الإعلام الأميركي على مرض «إيبولا»، بداية بإصابة أول ممرضة عالجت أول ضحية «إيبولا» في الولايات المتحدة. ونهاية بأخبار كاذبة بأن موظفة متعاقدة مع البنتاغون، وبالقرب من مبني البنتاغون نفسه، وقعت على الأرض، وهي تتقيأ. ورغم عدم صحة الخبر، عم الخوف البنتاغون، والعاصمة واشنطن.
وفي منتصف الأسبوع، وفي خليط من سياسة وحرب، اهتم الإعلام الأميركي باعتقال جندي أميركي، من قبل البحرية الأميركية، في السفينة بيليليو التي كانت ترسو في خليج سوبيك، في الفلبين، بتهمة قتل امرأة فلبينية من نوع «ترانسجندر» (متحولة جنسيا). وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن مظاهرات في الفلبين معادية للأميركيين أعادت إلى الأذهان عقود احتلال الولايات المتحدة للفلبين (حتى بداية القرن العشرين).
وتابع تلفزيون «سي إن إن» اختفاء، ثم ظهور، كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية. وكان أول ظهور علني له منذ 5 أسابيع. وفي منتصف الأسبوع، أيضا، واستمرارا للحرب ضد «داعش»، كان هناك تركيز على خبر أن الطائرات التركية تقصف مواقع حزب العمال الكردستاني الكردية في جنوب شرقي تركيا. وعاد التساؤل، كما أوضحت كلمة افتتاحية في صحيفة «نيويورك تايمز»، عما إذا كانت تركيا، حقيقة، تريد القضاء على «داعش»، أو تريدها درعا ضد الأكراد المعارضين المقاتلين. وفي منتصف الأسبوع، أيضا، وفجأة، تركزت الأنظار على اليمن بعد أن احتل الحوثيون العاصمة صنعاء، ثم ميناء الحديدة الرئيس. وكان ملاحظا عدم الاهتمام بالحوثيين منذ مدة طويلة، عدا تقارير متفرقة. وفجأة، صارت اليمن مثيرة. ليس فقط بسبب الحوثيين. ولكن، أيضا، بسبب اشتباكات بين الحوثيين و«القاعدة» التي هي عدو الأميركيين الأول. ولم يتضح الموقف الإعلامي (والرسمي) حول هذه الاشتباكات، ومن يؤيد ومن يعارض؟ ومع نهاية الأسبوع، وبسبب هذه التطورات العالمية (داعش، إيبولا، اليمن)، وبسبب كساد عالمي يبدو أنه لن يتحرك، تركز الاهتمام على مؤشر «داو جونز» في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك)، الذي هبط أكثر من 450 نقطة في يوم واحد. ومحا المكاسب التي حققها في عام كامل. وكان تلفزيون «سي إن بي سي» الاقتصادي هو أكثر المتابعين. (في نهاية نفس اليوم، عاد المؤشر للارتفاع قليلا).
ومع نهاية الأسبوع، أيضا، بدا وكأن مظاهرات هونغ كونغ حسمت لصالح الصين. وظل هناك اهتمام إعلامي كبير بها. وكانت هناك تغطية تلفزيونية مكثفة للاشتباكات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، في وسط هونغ كونغ، ومحاولة المتظاهرين وضع متاريس على طريق رئيس. ونقل تلفزيون «سي إن إن» المحاولة مباشرة.
وانتهى الأسبوع بخبر متكرر: استمرار انخفاض شعبية الرئيس باراك أوباما:
أولا: استطلاع صحيفة «واشنطن بوست» وتلفزيون «إي بي سي» (40 في المائة فقط يؤيدون عمله).
ثانيا: استطلاع صحيفة «وول ستريت جورنال» وتلفزيون «إن بي سي» (42 في المائة يؤيدون عمله).
لهذا، ربما لم تكن صدفة أن صحيفة «ميامي هيرالد» نشرت صورة عملاقة، في صفحتها الأولى، للسيدة الأولى ميشيل أوباما، وهي في ميامي، تخطب في مؤتمر للحزب الديمقراطي (نيابة عن زوجها).



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».