هناك سؤال واحد يتساءله المولعون بالأخبار: أين اطلعت على هذا الخبر من قبل؟ إن أصل القصة الإخبارية ومسارها عبر مختلف وسائل الإعلام العالمية، وتلاشيها في نهاية المطاف، يعد جزءا من حجم الإثارة التي تنقلها للقارئ.
لا بد أن يكون هؤلاء الذين يتصفحون وسائل الإعلام العربية قد طرحوا هذا السؤال منذ بضعة أيام عندما سلطت العديد من الصحف، لا سيما في مصر ولبنان، الضوء على خبر البيان الصادر عن الشيخ يوسف القرضاوي، رجل الدين المصري الذي تربطه صله وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين. ويتناول البيان، الذي نقل من خلال شريط فيديو رديء الكفاءة، تعليق الشيخ القرضاوي - الذي يرأس أيضا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - على تنظيم داعش المستحدث، و«خليفته» أبو بكر البغدادي؛ حيث أوضح أن البغدادي كان عضوا بجماعة «الإخوان المسلمين»، لكنه «انشق» عنها، مبتعدا عما يعدّه سبيل الهدى. وكانت «الشرق الأوسط» لها السبق في الحصول على نسخة من شريط الفيديو، ولم يكن من الغريب أن يكون لهذه الجريدة السبق في نشر خبر حول توجيه القرضاوي اللوم لتنظيم داعش والبغدادي.
تكمن المشكلة في أن العديد من وكالات الأنباء العربية التي تداولت الخبر نقلا عن «الشرق الأوسط» لم تذكر اسم الجريدة كمصدر استقت منه الخبر، أو حتى اسم محررها ككاتب له. فيما قام عدد من وكالات الأنباء الغربية بتوثيق الخبر بالإشارة إلى مصدره الأصلي.
الإشارة إلى المصدر تعد أمرا ضروريا، ليس فقط لكونها من أخلاقيات مهنة الصحافة، ولكن أيضا لعدة أسباب عملية. فعلى سبيل المثال، إذا كان مصدر الخبر صحيفة محترمة أو مراسلا ذا خبرة، فإن القصة التي جرى نقلها ستحظى بالمزيد من المصداقية لدى القارئ حال تسمية ذلك المصدر. وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان المصدر غير مشهور أو مشكوكا فيه، فإن الإشارة إلى المصدر في هذه الحالة ستكون بمثابة تحذير للقارئ، وتقلل من درجة مصداقية الخبر. في الواقع، عادة ما يستخدم من يلجأون إلى نشر معلومات مضللة منافذ إعلامية جديدة قاموا بتأسيسها بغرض إيجاد مصدر لكل مادة تنشرها آلة الدعاية الخاصة بهم. كما أن الإشارة إلى المصدر تقي من مواجهة إجراءات قانونية معادية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض المصادر تكون محمية، عندما يتعلق الأمر بالبرلمانات والمحاكم القضائية على سبيل المثال؛ أي يمكن للمراسل الاستشهاد بما دار من مناقشات فيهما دون عقاب. الإشارة إلى النقل عن مصادر أخرى ستجعل الأمر واضحا منذ البداية، وفي حال الكشف عن أي تشهير أو نية خبيثة، فإن ذلك لن يكون من جانب الجهة الإعلامية التي قامت بتغطية القصة.
وكان يُطلق على هؤلاء الذين يقومون بنشر أخبار قام آخرون بتغطيتها وتقديمها على أنها من صنعهم، في شارع فليت القديم، مصطلح «شغبر»، نظرا لأن الشغبر عادة ما يتغذى على الجثث التي خلفها الأسد بعد أن تغذى «ملك الغابة» على حيوانات أصغر.
وفي الواقع، لم يجر الحصول على «السبق الصحافي» بالطريقة ذاتها في كل الحالات. وعادة ما يأتي السبق الصحافي على سبيل الصدفة، جنبا إلى جنب مع وجود المراسل، ببساطة، في المكان المناسب في الوقت المناسب. ومن أمثلة ذلك، السبق الصحافي لمراسل صحيفة «لوموند» إريك رولو عن قرار جمال عبد الناصر إغلاق معسكرات العمل التي أسسها نظامه في مصر. ويطلعنا رولو في مذكراته الرائعة أن عبد الناصر قرر القيام بذلك على أي حال، وأن وجود مراسل أجنبي أتاح له الفرصة للكشف عما يعتزم القيام به بطريقة غير مباشرة.
لكن قد تتاح الفرصة بشكل مباشر لبعض المراسلين، وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى قصة ووترغيت عندما كان يود مجموعة من المسؤولين داخل الإدارة الأميركية تدمير الرئيس ريتشارد نيكسون من خلال تسريب معلومات عن الانتهاكات التي اقترفتها حملته الانتخابية خلال انتخابات الرئاسة لعام 1972. وتمكن اثنان من مراسلي «واشنطن بوست» من تزويد الصحيفة بالمعلومات تدريجيا، وأصبحا أسطورة في زمانهما، حتى بعد استقالة الرئيس نيكسون.
ويمكن أيضا أن يتحقق السبق الصحافي عندما يتنازل المراسل بعض الشيء عن مبادئه، ويمكن هنا الإشارة إلى ما كشف عنه كاتب عمود بارز بصحيفة «واشنطن بوست» يُدعى جورج ويل - في حقبة السبعينيات - عن قرار مدهش متخذ من جانب الرئيس جيمي كارتر. فما هو مصدر معلوماته؟ وآنذاك زعم كارتر أنه جرى استدعاء الصحافي إلى المكتب البيضاوي، وهناك استرق نظرة سريعة على رسالة كانت توجد على المكتب الرئاسي، بينما كان يجري الرئيس مكالمة هاتفية. وبالتأكيد نفى ويل قيامه بذلك.
وفي بعض الأحيان، يحدث السبق الصحافي بسبب وضع الصحيفة في سياق خاص، فمثلا، أثناء الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك، تلقت «الشرق الأوسط»، بشكل حصري «نداء من أجل المساعدة» من الرئيس عزت بيغوفيتش. وبالفعل جرى نشر عنوان رئيس في الصفحة الأولى وتداولته مئات المنافذ الإعلامية الأخرى؛ حيث كان القائد المسلم البوسني يود توصيل رسالة من خلال هذه الجريدة باعتبارها الجريدة العربية اليومية الرائدة.
وخلال الحرب الأهلية في اليمن عام 1994، أجرى قادة كلا الجانبين مقابلات حصرية مع «الشرق الأوسط»، ويتضح من ذلك أن مكانة الجريدة المرموقة كانت سببا لأن يكون لها هذا السبق الصحافي. وعلى النقيض من ذلك، لم يتح قادة الحرب الأهلية في نيكاراغوا، مثلا، هذه الفرصة لـ«الشرق الأوسط»، ولكن كان يعود السبق لصحيفة «ديلي كلارين»، الصحيفة الأرجنتينية الرائدة.
وبالتأكيد، لا يمكن أن تنفرد صحيفة واحدة بموضوعات السبق الصحافي بأكملها، وإذا كان الأمر كذلك فإنها لن تتمكن من تأدية وظيفتها على أكمل وجه.
«السبق الصحافي».. الجدل مستمر
مراسلان من «واشنطن بوست» دخلا التاريخ بقصة ووترغيت
«السبق الصحافي».. الجدل مستمر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة