بذور مغلفة بالبكتيريا والحرير تعيد الحياة للأراضي الملحية

جُرّبت بنجاح في المغرب

إحاطة البذور بطبقة واقية من الحرير والبكتيريا يجعل من الممكن زراعتها في التربة الملحية
إحاطة البذور بطبقة واقية من الحرير والبكتيريا يجعل من الممكن زراعتها في التربة الملحية
TT

بذور مغلفة بالبكتيريا والحرير تعيد الحياة للأراضي الملحية

إحاطة البذور بطبقة واقية من الحرير والبكتيريا يجعل من الممكن زراعتها في التربة الملحية
إحاطة البذور بطبقة واقية من الحرير والبكتيريا يجعل من الممكن زراعتها في التربة الملحية

توصل فريق بحثي أميركي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لطريقة يمكن أن تساعد على زراعة المحاصيل في التربة غير المنتجة، مثل التربة الملحية. وتعتمد الطريقة التي أعلن عنها في دراسة نشرت في دورية PNAS الشهرية، على إحاطة البذور بطبقة واقية من الحرير المعالج بنوع من بكتيريا تنتج سماد النيتروجين بشكل طبيعي، لمساعدة النباتات على التطور.
وأظهرت الاختبارات أن هذه البذور يمكن أن تنمو بنجاح في التربة التي تكون مالحة جداً، والتي لا تسمح عادة للبذور غير المعالجة بالنمو بشكل طبيعي.
ويأمل الباحثون في تطبيق هذه العملية بتكلفة منخفضة ودون الحاجة لمعدات متخصصة، بما يمكن أن يسمح بالزراعة في مساحات من الأراضي تعتبر الآن غير صالحة.

- «طلاء» البذور
نشأت الفكرة من بحث سابق لـ«بنديتو ماريلي»، أستاذ الهندسة البيئية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث كان يدور بحثه حول «استخدام الطلاء الحريري كوسيلة لإطالة العمر الافتراضي للبذور المستخدمة كمحاصيل غذائية».
يقول ماريلي في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019: «عندما كنت أقوم ببعض الأبحاث حول هذا الموضوع، عثرت على الأسمدة الحيوية التي يمكن استخدامها لزيادة كمية المواد الغذائية في التربة، وتستخدم هذه الأسمدة الميكروبات التي تعيش في تكافل مع نباتات معينة وتحول النتروجين من الهواء إلى شكل يمكن للنباتات تناوله بسهولة».
ولا يقتصر الأمر على توفير الأسمدة الطبيعية للمحاصيل النباتية، لكنه يتجنب المشاكل المرتبطة بمنهجية التسميد الأخرى، فواحدة من المشاكل الكبيرة مع الأسمدة النيتروجينية هي أن لها تأثيرا بيئيا كبيرا، لأن كثرة استخدامها يؤثر على جودة التربة، وفقاً لماريلي.
تقوم فكرة ماريلي وزملائه على أن البكتيريا التي تحول النيتروجين من الهواء لشكل يمكن للنباتات تناوله بسهولة، موجودة بشكل طبيعي في التربة في جميع أنحاء العالم، مع وجود أصناف محلية في مناطق مختلفة، إلا أنه يصعب الحفاظ عليها خارج بيئة التربة الطبيعية، لكن الحرير يمكن أن يحافظ عليها، لذلك قرروا تجربة هذه البكتيريا، والمعروفة باسم ريزوبكتيريا (Rhizobacteria).
ويقول: «لقد توصلنا في البداية لاستخدامها في طلاء البذور لدينا، وبمجرد أن توضع البذور في التربة، فإنها ستنشط، لكن الاختبارات الأولية لم تنجح، ولم يتم الحفاظ على البكتيريا كما هو متوقع». وكان الحل الذي توصل له الدكتور أوغسطين زفينافاس، الباحث المشارك بالدراسة، هو إضافة عنصر غذائي معين لهذا المزيج، وهو نوع من السكر يعرف باسم التريالوز (trehalose)، والذي تستخدمه بعض الكائنات الحية للبقاء في ظروف المياه المنخفضة.
تم وضع كل من الحرير والبكتيريا والتريالوز في الماء، وقام الباحثون بنقع البذور في المحلول لبضع ثوان لإنتاج طلاء متساوٍ، ثم تم اختبار البذور في كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومرفق بحثي تديره جامعة محمد السادس للعلوم التطبيقية في بن جرير بالمغرب.
يقول زفينافاس: «أظهرت النتائج أن هذا الأسلوب يعمل بشكل جيد للغاية، وتطورت النباتات الناتجة، التي استفادت من إنتاج الأسمدة المستمر من قبل البكتيريا بشكل أفضل من النباتات غير المعالجة، ونمت بنجاح في التربة الملحية التي لا تنتج نباتات في الوقت الراهن».
وفي الممارسة العملية، يمكن تطبيق هذه الطلاءات على البذور إما عن طريق الغمس أو طلاء الرش، كما يقول الباحثون، ويمكن إجراء العمليتين في درجة الحرارة والضغط المحيطين العاديين.
ويقول زفينافاس إن «العملية سريعة وسهلة، وقد تكون قابلة للتطوير، حيث يمكن تغطيس البذور ببساطة لبضع ثوانٍ، مما ينتج طلاء لا يتجاوز سمكه بضعة ميكرومترات».

- صالحة للتعميم
وعادة ما توفر هذه البكتيريا الجذرية المستخدمة في الدراسة الأسمدة للمحاصيل البقولية مثل الفول والحمص، لكن قد يكون من الممكن تكييفها للعمل مع أنواع أخرى من المحاصيل، وهذا جزء من البحث المستمر للفريق.
يقول ماريلي: «هناك دفعة كبيرة لتوسيع استخدام البكتيريا الجذرية لتشمل المحاصيل غير المزهرة، وإحدى الطرق لتحقيق ذلك هي تعديل الحمض النووي للبكتيريا أو النباتات أو كلاهما، لكن الطريقة التي توصلنا إليها قد تجعل ذلك غير ضروري». ويضيف «تغليف وإيصال البكتيريا إلى التربة، يجعلها من الممكن أن تكون مفيدة لأنواع أخرى من النباتات».
وحتى لو اقتصرت هذه الطريقة على المحاصيل البقولية، فإن هذه الطريقة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في المناطق ذات المساحات الكبيرة من التربة المالحة، بناء على نتائج المغرب، كما يؤكد ماريلي.
ويثني الدكتور محمد نور الدين، الأستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية بمصر، على نتائج الدراسة، التي تساهم في علاج واحدة من المشكلات التي تؤثر على مستقبل الأمن الغذائي العالمي.
وتحدث هذه المشكلة، كما يوضح نور الدين، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، عندما تحدث زيادة في تركيز الأملاح، مثل الصوديوم والكلوريد والبورون، في منطقة جذور النبات وتصل هذه التركيزات إلى الحد الذي يؤثر على نموها. ويقول: «وجود فكرة تساهم في إعادة الحياة لتلك الأراضي أمر مهم جدا، وأتوقع الانتشار التجاري لها في أسرع وقت».
وتعاني نحو 20 في المائة من نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم من التملح، وزادت مساحة الأراضي التي تعاني من المشكلة من 45 مليون هكتار مطلع تسعينات القرن الماضي إلى 62 مليون هكتار حالياً، وهو ما يعادل مساحة بلد مثل فرنسا، وفق دراسة صادرة عن معهد أبحاث المياه والبيئة والصحة التابع لجامعة الأمم المتحدة بكندا عام 2014.


مقالات ذات صلة

شراكة سعودية بريطانية بمجال التراث الثقافي ودعم العلا مَعْلماً سياحياً عالمياً

يوميات الشرق ولي العهد مستقبلاً ستارمر في الرياض مساء الاثنين (واس)

شراكة سعودية بريطانية بمجال التراث الثقافي ودعم العلا مَعْلماً سياحياً عالمياً

هيئة التراث التاريخية في إنجلترا تضع اللمسات الأخيرة على شراكة جديدة مع هيئة التراث السعودي

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
يوميات الشرق تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه خلال الحفل (واس)

تركي آل الشيخ: مبادرة الزواج الجماعي ستكون حافزاً لمراحل مقبلة في مناطق السعودية

أكد المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، أن «مبادرة الزواج الجماعي» التي تم الإعلان عنها تمثل حافزاً لمراحل إضافية خلال الفترة المقبلة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص ‎⁨فيلم «زيرو» للمخرج جان لوك إيربول يُعرض في الدورة الجديدة (إدارة المهرجان)⁩

خاص عسيري لـ«الشرق الأوسط»: «البحر الأحمر» هو السفير الأول للسينما المحلية والإقليمية

يترقب عشاق الفن السابع انطلاق الدورة الربعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الخميس، التي تستضيفها مدينة جدة.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق جانب من الفعاليات التي شهدتها «أيام مصر» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

حديقة السويدي تختتم فعاليات «أيام مصر» ضمن «انسجام عالمي»

اختتمت «حديقة السويدي» فعالياتها ضمن مبادرة «تعزيز التواصل مع المقيمين» التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية تحت شعار «انسجام عالمي» بفعاليات «أيام مصر»

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الفعاليات تنوّعت ما بين مختلف الثقافات المصرية (الشرق الأوسط)

الثقافات المصرية تحصد تفاعلاً في «حديقة السويدي» بالرياض

شهدت فعاليات «أيام مصر» في «حديقة السويدي» بالعاصمة السعودية الرياض، حضوراً واسعاً وتفاعلاً من المقيمين المصريين في السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً