في روسيا... أي مواطن «عميل أجنبي» بموجب تعديلات على قوانين الإعلام

مسؤولون يؤكدون أنها لن تقيد حرية المواطنين

السيناتور أندريه كليموف يؤكد أن القانون لا يقيد حرية المواطنين الروس في نشر وتداول المعلومات والأخبار
السيناتور أندريه كليموف يؤكد أن القانون لا يقيد حرية المواطنين الروس في نشر وتداول المعلومات والأخبار
TT

في روسيا... أي مواطن «عميل أجنبي» بموجب تعديلات على قوانين الإعلام

السيناتور أندريه كليموف يؤكد أن القانون لا يقيد حرية المواطنين الروس في نشر وتداول المعلومات والأخبار
السيناتور أندريه كليموف يؤكد أن القانون لا يقيد حرية المواطنين الروس في نشر وتداول المعلومات والأخبار

تواصل روسيا تبني تشريعات مثيرة للجدل في مجال الإعلام، تصر الجهات الرسمية على تبريرها، إما في سياق «الضرورات»، أو «متطلبات المرحلة»، وتؤكد أنها لا تمس «حرية التعبير والكلمة»، بينما يضعها مراقبون وحقوقيون ضمن «سياسات رسمية» تهدف إلى فرض هيمنة أوسع على الإعلام، ومختلف وسائل نشر وتداول المعلومات والأخبار.
ويدور الجدل حالياً حول تعديلات على قانون الإعلام، تتيح لوزارة العدل الروسية ووزارة الخارجية، إطلاق تصنيف «عميل أجنبي» بما في ذلك على الشخصيات الطبيعية، وذلك بعد نحو عامين على تبني تعديلات في نص القانون ذاته، سمحت للسلطات الروسية بإدراج «الشخصيات الاعتبارية» فقط ضمن هذا التصنيف. وبينما تستغرق بعض مشروعات القوانين أشهراً طويلة من النقاشات داخل مجلسي البرلمان (الدوما والمجلس الفيدرالي)، وتوقيع الرئيس الروسي عليها لتصبح نافذة، كان لافتاً في حالتي تبني تعديلات على قانون الإعلام، أن أنجزت السلطات التشريعية والتنفيذية جميع الإجراءات الضرورية بسرعة نسبياً، لتصبح تلك التعديلات نافذة في أقرب وقت.
وكان أعضاء في المجلس الفيدرالي الروسي تقدموا في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي باقتراح إدخال تعديلات على «قانون الإعلام»، بعضها إداري، مثل تحديد قيمة الغرامة المالية عن مخالفة وسائل الإعلام المصنفة «عميلاً أجنبياً» للقانون، وكانت هناك تعديلات مثيرة للجدل، وبصورة خاصة الاقتراح بتوسيع صلاحيات القانون، والسماح بإدراج «شخصيات طبيعية» كذلك، على قائمة «عميل أجنبي». وبموجب هذه التعديلات، تملك وزارة العدل ووزارة الخارجية حق إطلاق تصنيف «عميل أجنبي» على أي شخص يقوم بنشر أخبار واحدة من وسائل الإعلام (بصفتها شخصية اعتبارية) المصنفة سابقاً «عميلاً أجنبياً» لدى السلطات الروسية، أو الشخص الذي يقوم بنشر أخبار وتقارير «مخصصة لعدد غير محدود من المتابعين»، ويحصل عن ذلك على تمويل أجنبي. ويتعين على كل فرد يُطلق عليه هذا التوصيف من جانب السلطات، التسجيل أصولاً لدى وزارة العدل، ووضع علامة على الأخبار التي ينشرها توضح أنه يحمل صفة «عميل أجنبي»، وأن يدفع الغرامات في حال انتهك قانون الإعلام.
السيناتور أندريه كليموف، رئيس لجنة المجلس الفيدرالي المؤقتة لـ«الدفاع عن السيادة»، قال في تصريحات لوسائل إعلام روسية، إن «مشروع القانون (اي التعديلات) لا يقتصر فقط على الشخصيات التي تملك وسيلة إعلامية، بل ويشمل كذلك الشخصيات التي تنشر معلومات لعدد غير محدد من المتابعين، بما في ذلك عبر فضاء الإنترنت، وبما في ذلك عندما يكون هذا العمل من خارج روسيا أيضاً»، وأكد، وفق ما نقلت عنه صحيفة «آر بي كا» الروسية، أن الأمر بالنسبة للشخصيات التي قد يتم إدراجها على قائمة «عميل أجنبي» لدى وزارة العدل الروسية لا يقتصر على أصحاب المدونات (بلوغر) فقط «بل ويمكن إدراج أي شخص على تلك القائمة، إن كان رجل أعمال، أو متقاعداً، أو حتى ربة منزل»، موضحاً أنه «إذا كان هذا الشخص ينشر معلومات لعدد واسع فإنه في منطقة الخطر»، إلا أن قرار إدراجه على القائمة يعود بالدرجة الأولى إلى «طبيعة ما ينشره من معلومات، وأن تكون مخالفة للقوانين»، على حد قول كليموف، الذي أشار إلى عوامل أخرى تؤثر على إطلاق تصنيف «عميل أجنبي» على الأفراد، بينها «أن يحصل على أموال أو ممتلكات أو دعاية لنشاطه من الخارج».
وخلال ثلاثة أسابيع أنجز مجلس الدوما المناقشات في القراءات الأولى والثانية والثالثة، وأقر التعديلات خلال جلسته يوم 21 نوفمبر. ومن ثم رفع مشروع التعديلات إلى المجلس الفيدرالي للنظر والمناقشة والموافقة، إن لم تكن هناك أي تحفظات أو ملاحظات. بعد أربعة أيام فقط وافق المجلس الفيدرالية بغالبية مطلقة على التعديلات، وقام بدوره برفعها للرئيس الروسي. وقال الكرملين يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) إن الرئيس بوتين وقع مشروع القانون بعد تعديل فقراته، ويبدأ العمل بموجبه لحظة نشره في الصحيفة الرسمية. في تلك الأثناء واصل مجلس الدوما العمل على مشروع قانون طبيعة العقوبة الإدارية لـ«العميل الأجنبي» عن انتهاكه «قانون الإعلام». وبناءً على نص القانون، حتى القراءة الثانية في البرلمان، تُفرض غرامة مالية على الشخصيات الطبيعية (المواطنين) التي تتعامل مع مؤسسات إعلامية مصنفة «عميل أجنبي».
ومنذ بدء العمل على التعديلات التي تسمح للسلطات بإضافة «شخصيات طبيعية» إلى قائمة «عميل أجنبي»، دأب مسؤولون روس على التأكيد بأن هذه التعديلات لن تقيد حرية المواطنين. وقال أندريه كليشاس، رئيس لجنة المجلس الفيدرالي للدستور، إن مشروع القانون لا يقيد ولا بأي شكل حرية المواطنين الروس في نشر وتداول المعلومات، وشدد على أن إدراج أي فرد على قائمة «عميل أجنبي» سيكون فقط في حال تأكد أنه يعمل لخدمة مصالح دول أخرى، أو شخصيات أو مؤسسات أجنبية، ويحصل منهم على تمويل. وهو ما أكده أكثر من مسؤول روسي في دفاعهم عن التعديلات. إلا أن ذلك لم يكن مقنعاً على ما يبدو لوزارة الخارجية الأميركية، التي عبرت عن قلقها من احتمال استخدام قانون «عميل أجنبي» في «قمع الأصوات المستقلة». وقالت مورغان أورتاغوس، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأميركية، في «تغريدة» لها على حسابها الرسمي في «تويتر»: «ندعو روسيا لتنفيذ التزاماتها في ضمان حرية التعبير عن الرأي، التي أكد عليها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا».
وانتقد الاتحاد الأوروبي قرار إدراج الأفراد على قائمة «عميل أجنبي»، وحذرت مايا كوسيانيتشيش، المتحدثة الرسمية باسم خارجية الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي، من تأثير هذه الخطوة على حرية الإعلام في روسيا، وقالت: «بالنظر إلى المساحة المحدودة بالفعل لوسائل الإعلام الحرة في روسيا، فإن التوسع في القانون يشكل خطوة مثيرة للقلق ضد الصحافة الحرة والمستقلة»، وعبرت في بيان رسمي عن مخاوفها من استغلال التعديلات الجديدة في «إسكات الأصوات المستقلة في روسيا». وسارعت ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية للرد على التصريحات الأوروبية، وفي تصريحات يوم 28 نوفمبر، وضعت تلك التعديلات في خانة «تدابير الرد على تعامل الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي مع وسائل الإعلام الروسية»، وأضافت: «لا أصدق أن السيدة كوسيانيتشيش لا علم لها بذلك».
جدير بالذكر، أن روسيا تبنت نهاية عام 2017 تعديلات على «قانون الإعلام» نصت على منح وزارة العدل الحق في إدراج وسائل إعلام على قائمة «عميل أجنبي». وجاءت تلك الخطوة حينها رداً على قرار السلطات الأميركية إدراج وسائل إعلام روسية، في مقدمتها قناة «آر تي - أميركا» ووكالة «سبوتنيك» على قائمة «عميل أجنبي»، ومن ثم سحب الكونغرس الأميركي اعتماد صحافيي المؤسستين لديه، ومنعهم من تغطية أعمال الكونغرس عملياً. وخلال أيام معدودة وافق البرلمان على تلك التعديلات، وكذلك الأمر بالنسبة لموافقة المجلس الفيدرالي، ومن ثم وقّعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي دعا وزارة العدل الروسية إلى اعتماد قائمة «عميل أجنبي» لإدراج مؤسسات إعلامية ضمنها. وبموجب تلك التعديلات أعلنت وزارة الخارجية الروسية نهاية العام الماضي عن إدراج 9 وسائل إعلام أميركية تعمل في روسيا على تلك القائمة، وهي: «صوت أميركا»، و«راديو سفوبودا»، وقناة «ناستوياشي فريميا» (الوقت الراهن)، و«إيديل رياليي»، و«قوقاز رياليي»، و«القرم رياليي»، ومكتب «راديو سفوبودا» في جمهوريتي تترستان وبشكورتوستان، وإذاعة «أوروبا الحرة»، و«سيبيريا رياليي»، و«فاكتوغراف».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.