دائماً ما يستمتع عشاق كرة القدم عندما يرون لاعباً من مدافعي أو مهاجمي الفريق وهو يضطر لارتداء القفازات وحراسة مرمى فريقه. صحيح أن هذا الأمر لا يحدث كثيراً، لكنه دائماً ما يكون مثيراً وممتعاً، لكن ما هو شعور المشاهد عندما يحدث العكس؟ فماذا يحدث عندما يضطر حارس المرمى للعب كمدافع أو لاعب خط وسط أو حتى كمهاجم؟ إنه شيء أكثر ندرة بكل تأكيد، وقد رأينا عدداً قليلاً للغاية من هذه الحالات خلال السنوات الماضية، حيث لعب فابيان بارتيز وشامال جورج في مراكز غير حراسة المرمى في بعض المباريات الودية، في حين لعب ديفيد جيمس وراي وود في خط الهجوم في مباريات تنافسية - ولعب وود هذا الدور في المباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي.
لكن أوسكار ويرث ذهب إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث لعب 90 دقيقة كاملة في مركز قلب الدفاع مع نادي ريال بلد الوليد في الدوري الإسباني الممتاز عام 1987.
وكان ويرت قد خاض مسيرة كروية حافلة بالفعل قبل انضمامه لنادي بلد الوليد في صيف عام 1986. فلم يكتف باللعب لأكبر ثلاثة أندية في تشيلي - يونيفرسيداد كاتوليكا، وكولو كولو، ويونيفرسيداد دي تشيلي - لكنه دافع أيضاً عن قميص منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم عام 1982 بإسبانيا، ولعب لفترة مع نادي أوبرهاوزن الألماني.
ولم يتمكن ويرث من المشاركة في الجولات الافتتاحية للموسم الجديد بالدوري الإسباني الممتاز بسبب بعض المشاكل التي تتعلق بأوراق قيده. وعندما انتهت تلك المشكلة، كان حارس المرمى الأساسي لنادي بلد الوليد، كارلوس فينوي، يقدم مستويات جيدة، وبالتالي استمر في الدفاع عن عرين الفريق. لذلك، كان يتعين على ويرث أن ينتظر الفرصة المناسبة للمشاركة في المباريات.
وعندما شارك ويرث أخيراً في أول مباراة له مع بلد الوليد في الدوري الإسباني الممتاز، والتي كانت أمام إشبيلية في 12 أبريل (نيسان) 1987. لم يلعب بدلاً من فينوي، لكنهما لعبا معاً في نفس المباراة. وواجه بلد الوليد مشكلة كبيرة في تلك المباراة، حيث فقد خدمات مدافعيه الأساسيين مانولو هيرو وإنريكي مورينو بسبب الإصابة، كما فقد خدمات الظهير الأيسر خوان كارلوس. ولم يكن الفريق يضم سوى لاعب واحد فقط يلعب في مركز قلب الدفاع وهو مارتن سايز، لكنه لم يلعب سوى 180 دقيقة فقط طوال ذلك الموسم.
وكان الشاغل الأكبر للمدير الفني لبلد الوليد، خافير أزكارغورتا، هو إيجاد لاعب آخر قادر على اللعب في مركز قلب الدفاع في الخط الخلفي المكون من أربعة لاعبين. وفي ظل قلة الخيارات، قرر أزكارغورتا - الذي كان يعرف بالفعل أنه لن يستمر في قيادة الفريق لموسم آخر - الاعتماد على حارس المرمى الثاني في مركز قلب الدفاع!.
كان بلد الوليد يضم ثلاثة حراس مرمى في ذلك الموسم - فينوي، وويرث، وجوزيه لويس رودريغيز، الذي كان يجلس على مقاعد البدلاء في مباراة الفريق أمام إشبيلية - لذلك كان ويرث يلعب في مركز قلب الدفاع في بعض الحصص التدريبية. وعلاوة على ذلك، كان ويرث يلعب في مركز الظهير الأيمن وقلب الدفاع حتى الخامسة عشرة من عمره، لذلك لم يكن الأمر غريباً تماماً بالنسبة له، لكنه لم يكن يتخيل أن يلعب يوماً ما في مركز قلب الدفاع في إحدى المباريات بالدوري الإسباني الممتاز.
ولم تكن هذه المباراة سهلة على الإطلاق، لأنها كانت أمام إشبيلية، الذي كان يتقدم على بلد الوليد بثلاثة مراكز في جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز، وكان يلعب تلك المباراة بين جماهيره على ملعب «رامون سانشيز بيزجوان». ودائماً ما كانت مباراة بلد الوليد أمام إشبيلية تتسم بالصعوبة الشديدة تحت أي ظروف، فما بالنا والفريق يلعب بحارس مرماه الاحتياطي في مركز قلب الدفاع؟
لكن الغريب أن بلد الوليد فاز في تلك المباراة بهدفين مقابل هدف وحيد، رغم أنه كان يلعب بحارسي مرمى! والأكثر غرابة أن هذا كان أول فوز يحققه الفريق خارج ملعبه منذ سبعة أشهر. وسجل مانولو بينا هدفاً في بداية كل شوط، في حين أحرز إشبيلية هدفاً وحيداً، ليحقق بلد الوليد انتصاراً ثميناً بقيادة ويرث.
وقال خوان مينديز لصحيفة «إل بايس» الإسبانية: «لقد تألق ويرث في مركز قلب الدفاع. لقد نجح في تنظيم خط الدفاع بصفاته القيادية وموهبته الكبيرة. وكان دائماً يتمركز بشكل صحيح، رغم أنه كان يلعب في كثير من الأحيان وكأنه ليبرو أكثر منه كمدافع يراقب مهاجم الفريق المنافس. لقد تألق في ألعاب الهواء، ولم يسمح لمهاجمي إشبيلية، رامون أو تشولو - الذي كان يقدم مستويات رائعة أمام المرمى في المباريات الأخيرة - بأن يتفوقا عليه».
أما ويرث نفسه فقلل من أدائه في تلك المباراة، وقال في تصريحات صحافية: «أي لاعب محترف يجب أن يكون قادراً على اللعب في أكثر من مركز. كنت أدرك تماماً صعوبة اللعب في هذا المركز، كما كنت أدرك صعوبة هذا الأمر على المدير الفني، الذي خاطر بالدفع بي في هذا المركز. لكنني استعددت لهذه المباراة بشكل جيد، وأعتقد أنني كنت على قدر المسؤولية».
وفي الحقيقة، لا يوجد أدنى شك في أن ويرث كان على قدر المسؤولية فعلاً. وقد عمل ويرث أيضاً مدرساً لمادة الألعاب الرياضية في بلد الوليد، وقال إن الجمهور كان يطالبه باستمرار بأن يغير مركزه من حراسة المرمى ويلعب مدافعاً أو في خط الوسط. ولم يلعب ويرث في خط الدفاع مرة ثانية، لكنه لعب كحارس مرمى في أربع مباريات في ذلك الموسم، وحصل أخيراً على الفرصة لكي يثبت أنه قادر على التألق في المركز الذي تعاقد معه الفريق للعب فيه وهو حراسة المرمى.
وشارك ويرث في ست مباريات أخرى في الموسم التالي، قبل أن يرحل عن كرة القدم الإسبانية في مايو (أيار) 1988 بعد هزيمة فريقه أمام ريال مدريد على ملعب «سانتياغو برنابيو» في الجولة الأخيرة من ذلك الموسم. وعاد ويرث إلى أميركا الجنوبية في ذلك الصيف، ولعب لنادي إنديبيندينتي ميديلين في كولومبيا، قبل أن يعود مرة أخرى إلى تشيلي ليلعب لنادي يونيفرسيداد كاتوليكا، الذي وصل معه للمباراة النهائية لكأس كوبا ليبيرتادوريس في عام 1993.
لكن المباراة التي لعبها أوسكار ويرث كمدافع أمام إشبيلية جعلته الرجل الأشهر في ذلك الوقت، ومن المؤكد أنه سيخصص مساحة كبيرة للغاية في سيرته الذاتية للحديث عما حدث في تلك المباراة.
«بلد الوليد» لعب بحارسي مرمى... وفاز على إشبيلية
من النادر أن تجد حارساً يلعب في مركز قلب الدفاع في الدوري الإسباني ويساعد فريقه على الانتصار
«بلد الوليد» لعب بحارسي مرمى... وفاز على إشبيلية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة