العنف نظام ساكن ومعقد لا يمكن تبسيطه

حنة أرندت.. أرادت الخروج من التصورات اللغوية إلى السياق التاريخي

تأليف: حنة أرندت - ترجمة: إبراهيم العريس - الناشر: دار الساقي للطباعة والنشر - عدد الصفحات: 112 صفحة
تأليف: حنة أرندت - ترجمة: إبراهيم العريس - الناشر: دار الساقي للطباعة والنشر - عدد الصفحات: 112 صفحة
TT

العنف نظام ساكن ومعقد لا يمكن تبسيطه

تأليف: حنة أرندت - ترجمة: إبراهيم العريس - الناشر: دار الساقي للطباعة والنشر - عدد الصفحات: 112 صفحة
تأليف: حنة أرندت - ترجمة: إبراهيم العريس - الناشر: دار الساقي للطباعة والنشر - عدد الصفحات: 112 صفحة

حنة أرندت (1906 - 1975) حجر استثنائي في بركة الفلاسفة المعاصرين الراكدة، فهي بإزاء كونها من الأسماء الكبيرة في النظرية السياسية، إلا أن اضطلاعها بالتفلسف العملي عبر مفاهيم ضاجّة وموارة كالعنف والثورة والتطرف والشمولية جعلها واحدة من أهم الأسماء التي تجمع نضالها العملي باطلاعها الفكري ومعرفتها الواسعة حتى وصفها أحد النقاد المؤرخين لها بقوله «حياة هذه الناقدة اللاذعة تجسد أيضا جملة الحياة الفكرية والسياسية في عدة قرون أوروبية»، كما أنها عملت كأستاذة للنظرية السياسية في جامعات عريقة مثل كولومبيا وكاليفورنيا وبيرنستون وتعود جذورها إلى عائلة علمانية من يهود ألمانيا قطنت مدينة ليندن، وكان وصول النازيين بما دشنوه من عهد شمولي راديكالي محطة مركزية في حياة «حنة» دفعتها للانتقال من النظرية إلى الممارسة عبر الدخول في أتون العمل السياسي الذي توجته باعتقالها 1933 على يد المخابرات النازية، وفي نشأتها كان ارتباطها الفكري والعاطفي بالفيلسوف الألماني مارتن هيدغر مؤثرا في شخصيتها ولاحقا تتلمذت على الفيلسوف كارل ياسبرز في جامعة هايدلبرج وقدمت فيها أطروحتها للدكتوراه عام 1928. ربما كان كتابها عن «التوتاليتارية» أشهر ما ألفته إضافة إلى أطروحتها الرائدة «في الثورة» التي تعد بحق واحدة من أهم الكتب التي أسست لمفهوم الثورة وماهيتها وأفكارها وتطبيقاتها من خلال قراءة مختلفة للثورة الفرنسية، إلا أن ذلك لا يلغي كتابها الصغير حجما «في العنف» الكبير في الأسئلة التي يطرحها حول الظاهرة وعلاقتها بالراهن السياسي.
وعلى الرغم من أن الكتاب صدر بالعربية في مطلع التسعينات مع ترجمة أنيقة باذخة بقلم إبراهيم العريس فإن استدعاءه في هذه المرحلة التي يتصاعد فيها العنف مهم جدا لأسباب كثيرة يلخصها أنه واحد من أكثر الكتب التي غاصت في مفهوم العنف وممارسته على مستوى النظرية الفلسفية وليس التحليل السياسي أو الرصد البحثي، وهو ما نحتاجه لفهم هذه الظاهرة المركّبة التي عادة ما يجري الوقوف فيها على الشواطئ والضفاف.
وإذا كانت ظاهرة «العنف» فهما وتحليلا وتفلسفا قديمة قدم التاريخ، فإن أطروحة حنة أرندت قاربت علاقة هذا العنف الكامن لدى البشرية بالسلطة والمجتمع، فبينما يتساءل الفلاسفة عن طبيعة العنف باعتباره لازمة للسلطة والمجتمع وظاهرة تاريخية طبيعية لكن انتقاله للشر المحض والتدمير يطرح ذات السؤال حول العنف غير السياسي، باعتبار أن جزءا من التحليل التاريخي للعنف ارتبط بفلسفات تاريخية مثالية بدءا من أفلاطون والفارابيوالقديس «طوما الأكويني» والقديس «أغسطين» إلا أننا يمكن إعادة تحقيب تاريخية العنف منذ لحظة أفلاطون وحواراته التي تدور حول العدالة والمساواة والسعادة والفضيلة والعلم ومن هنا يرى أفلاطون صراحة أن السياسة لا تقاس بالقوة ولا بالأسلحة، بل بالتمسك بالفضيلة، لأنّ غاية الدولة عنده هي إسعاد الإنسان لا الدفع به نحو الاقتتال، في حين رأى أرسطو أن السياسة كامنة في ذات الإنسان، وذلك في توفيقه بين الديمقراطية والأرستقراطية، فإنّ السعادة تنبثق من خلال هذا التوفيق بين هذين النظامين، وتنعدم في ظل سيادة نظام على آخر، حيث يسود العنف.
ويطرح الفارابي فكرته بوضوح أكبر وتطور لثنائية العنف والسياسية في المدينة الفاضلة مؤكدا على أنّ الغلبة والقهر من خاصية المدينة الضالة، في حين أنّ السياسة الحكيمة والقويمة هي التي تؤدي إلى إسعاد الإنسان، ولا يمكن إلا أن تسود المدينة الفاضلة وحدها، وهي المتميزة بالعدل والعقل.
مقاربة حنة أرندت تذهب بعيدا عن استخدام أداة الأخلاق في قراءة العلائق الوشيجة بين السياسة والعنف، حيث تذهب أولا إلى قراءة السياسة من زاوية التفاعل والتواصل الذي يطبع العلاقات بين الناس في إطار من الاختلاف والتمايز بينهم وتساويهم، رغم اختلافهم وتمايزهم، إذ إنّ هذا الاختلاف والتمايز في نظرها هو ما يضمن ألا تتحول السياسة إلى العنف، وهنا تنتقل بالمفهوم من مثاليته إلى واقعية مفرطة تحاول الخروج من أقواس الثنائيات المتعارضة التي طرحتها الفلسفة الكلاسيكية.
حنة أرندت تقفز على التراث الماركسي كله الذي أعاد مركزية العنف الثوري باعتباره ضرورة تاريخية، فالباحث في تاريخ الأفكار الفلسفية الكبرى لا يمكن أن يتجاهل تأثير الفلسفة الماركسية في إعادة تدوير مفهوم العنف باعتباره ضرورة تاريخية لتنظيم الثورة وتأطير العنف الجماهيري؛ فالعنف الثوري وسيلة للقضاء على العنف للوصول إلى مجتمع جديد تغيب فيه السياسة والعنف.
وهنا جزء شخصي في حياتها مهم جدا لا يمكن تجاهله ويعطي لأطروحاتها حول العنف والثورة معان جديدة، فالمتابع لسيرة حياة حنة أرندت يدرك علاقتها الوطيدة بالفيلسوف الألماني الأشهر هيدغر الذي في مفارقة تاريخية أيد النظام النازي لفترة قصيرة، ثم تراجع وصمت، ولكن من دون تسويغ أو تبرير لموقفه، إلا أن تعددية حنة أرندت جعلتها لا توجه له أي نقد حتى بعدما توقفت الحرب وسقط النظام النازي، بل أبعد من ذلك كتبت حنة أرندت وهي اليهودية في ذلك الزمان النازي إعادة قراءة للمحرقة من جديد كظاهرة عنفية غير مفارقة لرؤيتها للعنف وللتاريخ ومن زاوية سياسية محددة.
ترفض حنة أرندت كل التصورات المسبقة عن «العنف» وتراها اختزالية وناقصة بسبب وجود العوائق الإبستيمولوجية أمام فهم العنف وعقله. خاصة تلك المعرفة التي جعلت من العنف ظاهرة عادية، كما تنتقد مفهوم إنجلز للعنف باعتباره محرك الاقتصاد، وبالتالي فالعنف هنا لا يعبر عن الطبيعة العدوانية اللاواعية للإنسان، التي لا يمكن السيطرة عليها، بل عن المصالح الاقتصادية والشره نحو الرفاه والرغبة في الهيمنة على الموارد.
كما أن أرندت تتعالى على مدارس التحليل النفسي التي ترى في العنف غريزة لا سيما تجاه تيار إيريك فروم تلميذ فرويد وتؤكد أن «استمرار وجود الحرب بيننا اليوم، لا يعني وجود عشق للموت في قلب النوع البشري، أو لغريزة تدميرية لا يمكن قهرها».
العنف ببساطة لدى أرندت نظام اجتماعي ساكن ومضمر وقارّ، ويحتوي في جوهره على أشكال متصارعة من التنظيمات الاجتماعية، وبالتالي لم يظهر تاريخيا شكل أو نمط واحد للعنف، ومن هنا فإن كل الصراعات القديمة فقدت كل معانيها في الزمن المعاصر، فالعنف الجديد مختلف جذريا عن سوابقه، فالعنف المعاصر أكثر عقلانية من وجهة نظرها لأنه يسعى إلى قهر الخصم وإخضاعه وإضعافه، عن طريق الكثير من الوسائل، وأهمها السباق المحموم نحو التسلح الذي لا يعد إعدادا للحرب بقدر أنه وسيلة ناجعة للإخضاع والسلم طويل الأجل.
وفي ذات السياق تعود أرندت وتؤكد بعد حديثها عن العنف العقلاني بين الدول أنه غير قادر على خلق أسباب قيادة التاريخ وتوجيهه، أو التشجيع على الثورة والدفاع عن التقدم، غير أنه يستطيع تحويل الاضطرابات والاحتجاجات إلى مسرح واقعي وبشكل جذري قد يغير توجهات الجماهير، وهنا مكمن سر تأثير العنف.
تنتقد أرندت عنف المجموعات الصغيرة خاصة الحركات الطلابية، حيث تراه مفهوما لم يبن على نظرية متماسكة بل يعيش جهلا مركبا من حيث فهم نظرية الصراع في شكلها الماركسي، وتذهب ساخرة إلى أن كثيرا من قادة العنف الطلابي والجماهيري لم يقرأوا مارسك أو إنجلز، كما أنها ترى في ادعاءات سارتر وسورل حول العنف مجرد تخرصات لا مسؤولة وتنتقد بشدة مقولة سورل عن تأثير وسحر الإضراب العام.
تسعى حنة جاهدة إلى التفريق بين العنف ومفاهيم مقاربة له في ذات الحقل الدلالي كمفهوم السلطة والقوة والنفوذ والقدرة، وترى أن أزمة المفكرين في الخلط بين هذه المفاهيم واستعمالاتها، لذلك ترفض مجرد إعمال التصورات اللغوية، وترك الأهم وهو التصور التاريخي للعنف.
لكنها تميّز بين عنف السلطة وعنف الأفراد باعتبار أن السلطة هي الحكم، إلا أن التحولات التي أصابت مفهوم الدولة الآن هي جزء من وجهة نظر حنة أرندت من اختراق الأفكار الماركسية للمفاهيم العامة، وبسببه ظهر مفهوم الدولة التسلطية التي تعلب دور إخضاع مواطنيها، وبالتالي لم يصبح المجال العام مجالا لممارسة الحرية بقدر تحوله إلى إنتاج أو على الأقل إدارة العنف بين مكونات المجتمع.
بالنسبة للإرهاب المبني على رافعة دينية فتؤكد حنة أرندت أنه وإن كان معظمه توتاليتاريًّا من حيث طبيعته، فهو ظاهرة خاصة بنوع المجتمعات التي تسعى وراء الحداثة واكتساب طرائق العَلمانية، أي المجتمعات التي تبحث عن التغيير، سواء المادي أو المعنوي.
وبالتالي هو مفارق للإرهاب السياسي الذي لا يعدو أن يكون سوى سلوكا رمزيا قائما على استخدام منظَّم للعنف بسبب ارتفاع منسوب الخوف والقلق. فاستخدام هذا النوع من العنف هو أحد مكوِّنات الفعل الإرهابي الذي يدخل في نزاع مع دولة القانون حول إمكانات الأمَّة وتاريخها. فهو صراع من أجل امتلاك الحقيقة. فالإرهاب ينطلق من رفض المجتمع، دون أن يكون هناك هدف واضح من هذا الرفض أو غاية محددة؛ فهو يحتوي بداخله على الفوضى والعشوائية.
العنف سلوك خارج بنية الدولة هو مفهوم قائم على حل التناقضات بالقوة، لكن الإرهاب هو شكل لليأس يعبر عنه المنخرطون فيه على طريقة الاقتصاص والانتقام، هذا الانتقام الذي لا يستحضر أي معنى من معاني العنف وعلاقتها بتغيير الوضع القائم.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.