المتطرفون يسعون للحصول على أنصار دون التعرض للاعتقال الإرهاب الرقمي يبني «دولة الكراهية»

المتطرفون يسعون للحصول على أنصار دون التعرض للاعتقال الإرهاب الرقمي يبني «دولة الكراهية»
TT

المتطرفون يسعون للحصول على أنصار دون التعرض للاعتقال الإرهاب الرقمي يبني «دولة الكراهية»

المتطرفون يسعون للحصول على أنصار دون التعرض للاعتقال الإرهاب الرقمي يبني «دولة الكراهية»

«نادرا ما تخاض الحروب الحديثة دون تأصل الكراهية بين الشعوب»، مقولة ذكرها المفكر الألماني العسكري كارل كلاوزفيتز، أحد أهم المنظرين في التخطيط الاستراتيجي العسكري، تعكس أهمية زرع التطرف والكراهية وإلغاء الرأي الآخر، للحصول على شخوص مستعدين للتدمير والقتل.
ذلك ما نجده مسعى للجماعات المتطرفة بالعموم، ونموذجها الأكثر حداثة كتنظيم داعش، في محاولة لحذو استراتيجية كلاوزفيتز في «اكتساب الرأي العام» بهدف «جعل العدو ينفذ إرادتهم»، وذلك بطرق عصرية، حيث تم استغلال وسائل الإعلام الحديثة والاستفادة من كون العالم غدا «قرية صغيرة»، للتواصل مع أعضاء ومؤيدين في أقاصي الأرض.

فالحادثة «الجنائية» التي حدثت في الرياض أخيرا، والتي استهدفت مقيمين أميركيين بطلقات نارية، كانت مناسبة لبث الإشاعات والترويج لها من قبل محركات وهمية، تتبع التنظيم والمتعاطفين معه. هذه الحملة من التشويش الدعائي لتعزيز خطاب الكراهية والإرهاب ما لبثت أن خفتت واختفت ما إن أعلنت وزارة الداخلية السعودية تفاصيل الحادثة التي لا علاقة لها بالإرهاب كما روجت وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا يعتبر هذا النهج جديدا، فقد حاولت الجماعات المتطرفة سابقا اكتساب الرأي العام، ولفت الانتباه، عبر وسائل الإعلام التقليدية. فمنذ أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، تم نشر عدد لا بأس به من التسجيلات المرئية والصوتية لأسامة بن لادن، عبر قنوات إخبارية متعددة، أهمها قناة «الجزيرة».
انتقل اهتمام «القاعدة»، والجماعات المتطرفة الأخرى لاحقا، إلى إنشاء منتديات مغلقة تستقطب أعضاء ومتطرفين وداعمين، كالإخلاص والفرقان، والمجلات الإلكترونية كمجلة «Inspire» التي أنشأها أنور العولقي وسمير خان، باللغة الإنجليزية لاستقطاب المؤيدين، حيث يظهر ذلك استغلال الإنترنت لنشر ما يسمى بالـ«Propaganda» الدعائية، والتمكن من إيجاد خلايا نائمة يستفاد منها في أوقات لاحقة. العولقي أحد أبرز الأمثلة على اختيار الجماعات المتطرفة شخصيات ذات جاذبية وقدرة على الإقناع لاستقطاب أكبر عدد من المؤيدين. فهو أميركي المولد، امتلك كاريزما خاصة وتمكن من استقطاب عدد كبير من المؤيدين، بلهجته الأميركية ذات اللكنة الهادئة، وقدرته القوية على الإقناع، واستخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي كصفحته في الـ«فيسبوك»، التي حازت عددا كبيرا من المتابعين.
وسيكون من المدهش أن نقرأ أنه في فرنسا وحدها، وبحسب تصريحات الرئيس الفرنسي في يناير (كانون الثاني) 2014، فإن أكثر من 700 شخص قد غادروا فرنسا للمشاركة في القتال في سوريا، بينما حسب إحصائيات المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في لندن، فإن ما بين 200 إلى 366 بريطانيا قد توجهوا إلى سوريا للقتال. وتسعى الجماعات المتطرفة عبر الإنترنت إلى الحصول على أكبر عدد من المؤيدين في أسرع وقت، عبر القارات، دون الحاجة إلى الالتقاء بهم أو التعرض لمخاطر الاعتقال. ويظهر تركيز «داعش» على شن حملة دعائية عبر الإنترنت منذ يونيو (حزيران) 2014، حيث استمرت في وضع صور وبيانات تشير إلى آخر التطورات في الامتداد الجغرافي في العراق، والإنجازات العسكرية. فاكتساب الرأي العام يعد أهم استراتيجية، ويتم ذلك عبر توصيل الرسالة للآخرين، ونقل الأخبار وآخر التطورات، في محاولة لإضفاء نوع من الشفافية وزيادة المصداقية.
انتشر استخدام الإنترنت وبالأخص التسجيلات المرئية في العراق عقب سقوط نظام صدّام. ومن أشهر تلك التسجيلات سلسلة قناص بغداد، التي ظهرت على أجزاء، والتي استخدمت فيها جماعة الجيش الإسلامي في العراق صورة قناص بغداد كرمز لقوتهم وتغلبهم على قوات التحالف. وتضمنت غالبية هذه التسجيلات لقطات يتم فيها قنص جنود أميركيين بهدف بث الرعب، وإقناع الآخرين باقتراب النصر. كما انتشرت تسجيلات تخص «داعش»، تفاوتت ما بين وحشية لعمليات قتل وقطع رؤوس مختطفين بأسلوب دموي، وأخرى تحوي انتحاريين يلقون خطبة وداعية. إضافة إلى محاضرات تكتيكية تعلم الأعضاء عن بعد كيفية صنع القنابل أو حتى استخدام الأسلحة.
جميع تلك التسجيلات لم تكن متوافرة بشكل متاح للجميع، وإنما عبر تلك المنتديات المغلقة حيث يكون المتطرفون مجتمعا خاصا بهم. تطور ذلك الأمر في الآونة الأخيرة لنشهد نقلة نوعية من المنتديات المغلقة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، وأهمها «تويتر».
وعزا الباحث في معهد واشنطن للدراسات، أرون زيلين، سبب انتقال الجماعات الإرهابية إلى التقنية الأخيرة إلى استهداف عدد كبير من المنتديات من قبل الاستخبارات لدول متعددة وإغلاقها. ويعد منتدى شموخ الإسلام من أهم المنتديات التي تم إغلاقها في نهاية عام 2012. عزز ذلك التحور إتاحة مواقع كـ«تويتر» و«يوتيوب» توصيل الخطابات والتسجيلات إلى أكبر عدد من المتابعين.
يحث الكاتب عبد الله محمد محمود، الذي يكتب في وكالة «دعوة الحق» للأخبار الجهادية، الناشطين المتطرفين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للتواصل بعد إغلاق تلك المواقع. وقد عكف عدد كبير من المنتمين لـ«داعش» على إنشاء حسابات عبر «تويتر» وإلى حد ما «فيس بوك»، حيث إنه من السهل إنشاء حسابات جديدة لهم، بعدما تم إقصاء عدد من حساباتهم في «تويتر» من قبل الشركة نفسها، خصوصا بعد نشر تهديدات بالقتل. وصل الأمر إلى أن يطلق «داعش» حملة دعائية عبر «تويتر» بعنوان: «حملة المليار»، لاستقطاب أكبر عدد من المؤيدين للتنظيم.
في لقاء في صحيفة «واشنطن بوست»، نشر في يناير 2010، مع بروفسور الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، وخبير مكافحة الإرهاب بروس هوفمان، يجد هوفمان أن الإرهابيين قد نجحوا في استغلال الإنترنت كوسيط لتجنيد الإرهابيين، ولا توجد كيفية عقلانية لإيقاف ذلك.
في تقرير لخدمات أبحاث الكونغرس، قسم كل من السيناتور سوزان كولينز وجو ليبرمان مراحل التطرف الفكري عبر الإنترنت إلى ثلاث مراحل. المرحلة الأولى: ما قبل التطرف، وهي مرحلة استكشاف الهوية، حيث يقوم المتتبع عبر الإنترنت بمتابعة الصفحات باهتمام بمعرفة الفكر الذي يتبعه المتطرفون ومعتقداتهم. المرحلة الثانية، هي مرحلة التلقين، حيث يبدأ المتتبع بتلقي كل ما ينشر والتشبع بالآيديولوجية المتبعة من قبل المتطرفين، والتفاعل ومحاولة إيجاد طرق للمشاركة. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فيبدأ فيها المتابع في التواصل مع أعضاء آخرين، ومحاولة الاندراج في المنظمة وأنشطتها بمختلف السبل.
حين يرد إلى أذهاننا مصطلح الأمن القومي، لا بد من تذكر ذلك الجدل بين إشكالية الأمن القومي، والحاجة إلى مراقبة الأنشطة التي يقوم بها مستخدمو الإنترنت، وتعارض ذلك مع الحريات الشخصية، خصوصا لدى الدول التي تطالب مؤسساتها بالمحافظة على حرية المعلومات. وتعكس ذلك فضيحة سنودن، حين سرب المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، في يونيو 2013، تفاصيل تجسس الوكالة والمراقبة المكثفة للشعب الأميركي، مما اعتبر بمثابة انتهاك للحريات ومنافيا للديمقراطية التي تؤمن بها أميركا. مما يشير إلى التوجه العام في السياسة الأميركية، نحو الاستفادة من المصادر المعلوماتية، وتمحيصها. وقد قامت وكالة الأمن القومي الأميركي بطلب الحصول من مواقع إلكترونية كـ«فيسبوك» و«يوتيوب» على معلومات لحسابات المتطرفين، وبريدهم الإلكتروني، و«عناوين الـIP»، في محاولة للكشف عن مواقعهم.
وأوضح كل من كولينز وليبرمان أنه من الصعب استخدام الرقابة وحجب المواقع، لأن في ذلك مخالفة للدستور والحرية الشخصية، وقد يتسبب في جدل كبير. واقترحا كسبل لمكافحة امتداد التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي نشر الوعي العام، وذلك للتمكن من تخفيف الإقبال على المحتويات المتطرفة، ويشمل ذلك نشر معاني الديمقراطية وتعددية الرأي، والأفكار السلمية. إضافة إلى أهم خطوة وهي استغلال ومراقبة صفحات ومواقع المتطرفين، لمراقبة وتحليل النقاشات والتعرف على «modus Operandi»، أي «طرق العمليات»، والكشف عن آخر المستجدات وأي اتجاه يسلكونه.
وتتخذ بريطانيا مسلكا مشابها للأميركي، حيث أظهر رئيس الوزراء كاميرون عزمه على مراقبة وترصد تحركات المتطرفين وبثهم لفكرهم. وقد صادرت الشرطة البريطانية ما تجاوز 28 ألف مادة إلكترونية ذات صلة بالإرهاب، تضمنت 46 تسجيل فيديو مرتبطا بـ«داعش». وفي تقرير نشره المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، في جامعة كينغز كوليج البريطانية، أوضح أن حجب المواد التي تحض على التطرف لا يعتبر استراتيجية مجدية، ولن يسهل القضاء على تجنيد الآخرين آيديولوجيا وبث الكراهية. وإنما لا بد من تجنيد المجتمع الإلكتروني للعمل مع الحكومات في مراقبة المواد المتطرفة وإيضاح الطرق التي يتم فيها التبليغ عن وجود مثل تلك المواد، بالإضافة إلى التقليل من جاذبية رسائل المتطرفين من خلال ترويج التسامح.
بينما سلكت بعض الحكومات منهجا حادا في مكافحة تهديد الأمن القومي، من خلال حجب مواقع التواصل الاجتماعي. ففي تركيا، في محاولة للحد من سبل تأليب الرأي العام، أمر إردوغان، في مارس (آذار) 2014، بحجب «تويتر»، وهدد بحجب مواقع أخرى، مما أدّى إلى استياء الرأي العام.
أما في السعودية، حيث يكمن أكبر عدد لمستخدمي «تويتر» في العالم العربي، بنسبة 40 في المائة من إجمالي عدد المستخدمين في العالم العربي، ويصل إلى 2.4 مليون مستخدم، حسب إحصائيات نشرت في تقرير الإعلام الاجتماعي العربي، وذلك في مارس 2014، فقد سعت الحكومة السعودية لسن قوانين تجرم استخدام الإنترنت بهدف بث الفكر المتطرف أو المتعاطف معه، ومحاكمة المتورطين في ذلك.
وقد وصف رئيس حملة «السكينة» في المملكة، عبد المنعم المشوح، في تصريحات إعلامية، «تويتر» بأنه يعتبر أكثر شبكة تواصل اجتماعي استقطابا للسعوديين، وتحثهم على الانضمام لـ«داعش»، حيث يتم اختيار شخصيات ذات حضور قوي للفت الانتباه، كسليمان السبيعي الملقب بـ«سمبتيك»، والذي اشتهر ببرنامج هزلي عبر برنامج «كيك»، حيث استفاد تنظيم داعش من شهرته وصفحته في «تويتر» لاستقطاب الآخرين. إضافة إلى استخدام قصص مؤثرة ليتناقلها المغردون بوفرة، كتهريب الأب ناصر الشايق طفليه عبد الله وأحمد إلى سوريا، ونشر صور لهما حاملين لسلاح الكلاشنيكوف، زاعما أنهما سيكونان من طيور الجنة. وتفجير الطبيب فيصل العنزي لنفسه في كركوك. وقد شن عدد كبير من المغردين في «تويتر» حملة ضد الفكر المتطرف والانضمام إلى «داعش»، بعد انتشار مثل تلك الأخبار. وهو ما يتماشى مع حملة «السكينة»، وهي حملة تطوعية مستقلة تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، انطلقت منذ عام 2003، بهدف مخاطبة المتطرفين، وإعادة تأهيلهم فكريا، والتعمق في العالم الإلكتروني.
في نهاية المطاف لا بد من الاستعانة بمقولة المفكر الصيني سن تزو، صاحب كتاب «فن الحرب»: «اعرف نفسك، واعرف عدوك، فهذا يعني أن النصر مؤكد»، حيث يتوجب الحصول على أكبر قدر من المعلومات التي تخص المتطرفين، في محاولة لتمحيصها والحد من سلطتها على الآخرين.
* متخصصة في استراتيجيات مكافحة الإرهاب



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».