ثروة «داعش».. من النفط والضرائب والهبات

ضربات التحالف خفضت إنتاجه النفطي للنصف.. فقد كان يزيد على 30 ألف برميل في اليوم من دير الزور وحدها

ثروة «داعش».. من النفط والضرائب والهبات
TT

ثروة «داعش».. من النفط والضرائب والهبات

ثروة «داعش».. من النفط والضرائب والهبات

سعى الرئيس الأميركي بارك أوباما إلى تحالف دولي لمحاربة تنظيم داعش الذي توسع في العراق وسوريا مخلّفا مئات القتلى وتاركا وراءه مئات الآلاف من اللاجئين. فرض تنظيم داعش نفسه كأغنى جماعة إرهابية في العالم، لذلك ومن أجل تدميره، لا بدّ من ضرب مصادر ثروته.
إلى جانب البروباغندا العنيفة، والآيديولوجية البغيضة والاستبداد المستمر، بنى «داعش» سمعته على قدرته على استقطاب الأموال والاستفادة منها بذكاء. يشير هاوارد شاتز أحد المحللين في مؤسسة «راند» وهي مركز أبحاث أميركي في تقرير نشر مؤخرا إلى أنه «كما هو الحال مع أي دولة أخرى، على داعش أن يسدّد فواتير ويطعم الأفواه».
ثروة «داعش» تأتي من مصادر دخل مختلفة ومعظمها جُمع محليا داخل العراق وسوريا. ولا شك أن التنظيم أخذ الكثير من العبر من أخطاء مؤسسته الأم - «القاعدة». فقد أظهرت الوثائق أن التنظيم المتطرف لم يعتمد بشكل كبير على التبرعات متجنبا بذلك انقطاع موارده حال استهداف شبكات تمويله. بل فضل التوجه نحو تهريب النفط إلى بلدان أخرى في المنطقة ونحو الابتزاز وفرض الضرائب خاصة على الأقليات غير المسلمة، ومؤخرا بيع ممتلكات سكان الموصل.
يبقى إنتاج النفط أكبر مصدر للدخل يعتمد عليه تنظيم داعش وفقا لمختلف الخبراء. يقول جهاد يازجي خبير اقتصادي سوري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه قبل ضربات الائتلاف كان إجمالي إنتاج الطاقة يزيد على 30.000 برميل يوميا في دير الزور وحدها في سوريا، غير أنه من المعتقد أن هذه القدرة قد تقلصت إلى حد كبير منذ بدء الضربات.
استهدفت ضربات التحالف أكثر من 12 من المصافي المتنقلة في سوريا، إنما «من الصعب جدا تقدير الأرقام الفعلية».
وبناء على خبير النفط العراقي لؤي خطيب في تصريح أيضا لـ«الشرق الأوسط» فقد انخفض إنتاج العراق من منتصف سبتمبر (أيلول) إلى 20.000 برميل يوميا (أي ما يعادل 500.000 دولار يوميا تقريبا)، وهو نصف المبلغ الذي كان يجنيه «داعش» يوميا في العراق قبل الضربات. «ولكن ليس لدي إحصائيات بعد الضربات الجوية الأميركية وهناك انقطاع في كلا البلدين بسبب الغارات الجوية» بحسب خطيب.
يدرك التنظيم خير إدراك أهمية الثروة النفطية، ففي الأسبوع الماضي، أفيد بأن عشرات المسلحين المنتمين إلى المنظمة المتطرفة قتلوا خلال اشتباكات حول البلدة بيجي شمال تكريت حيث توجد إحدى أهم المصافي العراقية.
«تبيع الجماعة النفط لمن يقوم بشرائه»، وفق شاتز. فعملاء «داعش» كثيرون إن كان في سوريا وتركيا وإقليم كردستان العراق وربما في إيران، فضلا عن نظام بشار الأسد الذي يذكر تقرير «راند» أنه هو أيضا اشترى النفط من المتطرفين. ويؤكد الخبير أيضا في مذكرته أن سيطرة «داعش» على النفط ليست نهجا جديدا لمنظمة راديكالية، فبين عامي 2006 و2009. استطاع سلف «داعش» أي تنظيم القاعدة في العراق، تحصيل ما يقارب الملياري دولار أميركي من خلال تهريب النفط المنتج في مصفاة بيجي في شمال العراق.
نجحت جميع الضربات التي وجهها الائتلاف في القضاء على سيطرة «داعش» على مصافي النفط والحد من عمليات البيع معيدا تركيب هندسة «داعش» المالية. إنما يبقى الكثير لفعله لوقف امتداد «داعش» السريع في المنطقة، وفق مارك والس مدير المنظمة غير الحكومية Counter Extremism Project التي تهدف إلى محاربة التطرف الآيديولوجي.
ومصادر الدخل الأخرى التي تعتمد عليها الجماعة المتطرفة تشمل الابتزاز من عمليات الخطف وتحصيل الضرائب في المدن الكبرى وكذلك على محاور الطرق الرئيسة.
فقد أفادت تقارير صحافية كثيرة أن الضرائب التي تفرضها المنظمات المتطرفة على سائقي الشاحنات في العراق أو على طول الحدود العراقية تتراوح بين 200 إلى 300 دولار أميركي. كما تفرض الضرائب على الشركات في المدن الكبرى هذا فضلا عن إيجارات الممتلكات المصادرة من الأشخاص الذين يصنفهم «داعش» أعدائه.
ويفيد الموقع الإلكتروني لصحيفة «نقاش» أن الجماعة تقوم بجمع الإيجارات، وتتصرف تماما مثل سلطة بلدية الموصل وتحصل الكثير من الإيجارات من 2 من المناطق التجارية الكبيرة على جانبي الموصل. ويقدر أن ثمة ما يزيد على 5.000 شركة تجارية في هذه المناطق. يجمع «داعش» الإيجارات أيضا من أجزاء أخرى من المدينة - بما في ذلك المشاريع الصناعية في أماكن عدة أخرى وحتى من المرافق السياحية في مناطق الموصل. معظم هذه الممتلكات كان ملكا للسكان المحليين الذين فروا أو أولئك الذين أجبروا على الخروج وصودرت ممتلكاتهم من قبل «داعش». تشمل هذه الممتلكات منازل وشركات عائدة لسكان مسيحيين، وممتلكات للمسلمين الشيعة والشبك، وبعض منهم من المسلمين السنة، فضلا عن أفراد من الجيش العراقي والشرطة والمسؤولين الحكوميين والسياسيين والقضاة والمدعين العامين.
ومن المعروف أيضا أن الجماعة قد استولت على الإيرادات التابعة للوقف السني في نينوى. وذكرت صحيفة نقاش أن «داعش» يخطط الآن لبيع بعض من تلك العقارات في مزاد علني.
وفي حين من الصعب جدا وضع حد نهائي للحركة التجارية غير المشروعة لـ«داعش» لكي تتمكن دول التحالف من اتخاذ عدة تدابير لإضعاف قدرات المنظمة الإرهابية المالية، جاء تفجير المصافي المتنقلة كخطوة جيدة اتخذها التحالف الذي استهدف أكثر من 12 من المصافي المتنقلة، ويلحظ الخطيب في هذا السياق ضرورة تفادي تدمير البنية التحتية وحقول النفط، الذي سيكون له نتائج عكسية لأن الإصلاحات ستكون مكلفة وسوف تحتاج الحكومات الشرعية المستقبلية إلى عائدات النفط لتتمكن من بسط سيطرتها.
بالإضافة إلى المصافي المتنقلة، لا بد من استهداف أيضا الطرق التي تسلكها الصهاريج لنقل النفط من الحقول وإليها.. «يحتاج التحالف أيضا لضرب قوافل شاحنات (داعش) المحملة بالنفط والمتجهة إلى بلدان أخرى، واستهداف نقاط التفتيش والحدود التي يمسكها مقاتلو (داعش) وهلم جرا، للتأكد من أن هذه المنظمة حرمت من أي وسيلة تمويل رئيسة» يضيف الخطيب.
ولا بد أيضا من وضع حد لتهريب النفط وجعل نقله أكثر صعوبة مع ملاحقة المهربين. ويمكن أن يجري هذا في بلد المقصد مثل الأردن وإيران وتركيا والعراق. وعلى البلدان المعنية مقاضاة المتورطين في هذه التجارة ووضع حد لها بما أنها تمثل المورد الأهم لـ«داعش». إنهم بحاجة لأن يُقمعوا، وفق الخطيب. وينبغي أن تركز الاستخبارات من الولايات المتحدة والعراق وأي دولة أخرى يقاتل «داعش» على تحديد الوسطاء والمشترين للنفط المهرّب واعتماد أي من الوسائل اللازمة لإيقاف هذه المشتريات. ويجب على الحكومة العراقية إشراك تركيا والأردن والأكراد العراقيين لرسم استراتيجية مشتركة لاحتواء عمليات النفط، وفقا لتقرير راند.
يعد «داعش» اليوم من التنظيمات التي تقوم على النقد وقد اعتمدت على السُعاة ليس فقط لإيصال رسائل بين قيادتها المتفرقة بل أيضا لنقل الأموال. هذا يعني أن استهداف الممولين أو السعات كما الأشخاص الذين يلعبون دورا ماليا هاما في التنظيم طريقة فعالة لتعطيل قوة المنظمة المالية.
وإجبار مقاتلي «داعش» على الخروج بعيدا عن مراكز المدن الكبيرة خطوة هامة في الحرب ضد الإرهاب في سوريا والعراق. فالمدن الكبيرة تشكل قوة مالية للتنظيم بسبب الضرائب التي يمكن أن تفرض فيها. إذ إن إقصاء «داعش» من المدن الكبيرة يقلص إيراداته ويحرمه من مصدر دخل هام.
أخيرا، قد يتمثل الإجراء الأخير في استهداف الجهاديين الأوروبيين الآتين إلى العراق وسوريا. فوفق الخطيب «هم يأتون في كثير من الأحيان حاملين مبالغ نقدية كبيرة، وبالتالي لا بد من أن تؤخذ بحقهم إجراءات صارمة». وينبغي تعزيز تدابير التدقيق ومراقبة نقل المبالغ النقدية من أوروبا إلى الدول العربية.
إن القضاء على «داعش» يتطلب بالطبع أكثر بكثير من تعطيل تمويله. «فلا بد من أن يهزم داعش عسكريا، أمر سيحصل مع مرور الزمن ومع نشوء حكومات موثوقة ومشروعة في العراق وسوريا»، كما يرد في تقرير شاتز. في العراق، يجب على حكومة الوحدة الوطنية الجديدة اتباع السلطة اللامركزية وتوزيع جزء أكبر من الميزانية الوطنية للمناطق ومنها ذات الأغلبية السنية. كما عليها العمل لعقد صفقات مع القبائل السنية المحلية وتشجيع التعاون الاقتصادي وزيادة الدعم الحكومي المباشر.

* صحافية متخصصة في الحركات الأصولية



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.