آندرو بيلي محافظاً لبنك إنجلترا... بتكليفات «007»

تحسن في نمو الربع الثالث... والإسترليني ضحية المخاوف

أندرو بيلي المحافظ الجديد للمركزي البريطاني (أ.ف.ب)
أندرو بيلي المحافظ الجديد للمركزي البريطاني (أ.ف.ب)
TT

آندرو بيلي محافظاً لبنك إنجلترا... بتكليفات «007»

أندرو بيلي المحافظ الجديد للمركزي البريطاني (أ.ف.ب)
أندرو بيلي المحافظ الجديد للمركزي البريطاني (أ.ف.ب)

أعلن وزير المالية البريطاني ساجد جاويد، أمس (الجمعة)، عن اختيار آندرو بيلي، النائب السابق لمحافظ «بنك إنجلترا المركزي»، لتعيينه محافظاً جديداً للبنك، خلفاً للمحافظ الحالي مارك كارني، الذي يترك منصبه «رسمياً» في 31 يناير (كانون الثاني) المقبل، في اليوم ذاته المزمع لتطبيق «بريكست»، إلا أنه من المقرر أن يستمر بالعمل مع بيلي في فترة «انتقالية ناعمة» حتى 16 مارس (آذار).
وسيواجه بيلي فور تسلمه منصبه مهمة صعبة للغاية، إذ عليه أن يواجه منذ يومه الأول كمحافظ لبنك إنجلترا مهام التعامل مع جميع الآثار المترتبة على «بريكست»، بما في ذلك الاستعداد لجميع الحسابات والاحتمالات المعقدة لهذه العملية؛ أياً كانت المسالك التي سيلجأ لها رئيس الوزراء بوريس جونسون خلال الفترة المقبلة.
لكن وجود بيلي على مدار الأعوام الماضية داخل - أو بالقرب من - دائرة صنع السياسيات المالية، ربما يجعله الأقرب للفهم العميق لمختلف أوجه العملية الصعبة، ما جعل بعض المراقبين يطلقون عليه مبكراً لقب «007»، نسبة إلى العميل البريطاني (الروائي- السينمائي) الأشهر «جيمس بوند»، الذي تُوكل إليه دائماً مهام شبه مستحيلة، لكنه ينجح في إنجازها.
وعمل بيلي (60 عاماً) على مدى 30 عاما في البنك المركزي قبل أن ينتقل في عام 2016 إلى عمله الحالي رئيساً تنفيذياً لهيئة مراقبة السلوك المالي في البلاد. وأجّلَت بريطانيا تعيين محافظ جديد للبنك المركزي منذ العام الماضي، مع تركيز البلاد على عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وعلى عكس كارني، الذي بدأ عمله في عام 2013، وافق بيلي على الخدمة لمدة ثماني سنوات كاملة. ومن نواحٍ كثيرة يُعدّ بيلي من أهم المطلعين على بنك إنجلترا، وكان ينظر إليه على أنه المنافس الأول في كل استطلاع أجرته «بلومبرغ» عن الاقتصاديين.
وكانت صحيفة «فاينانشيال تايمز» قد ذكرت الخميس أن بيلي سيتولى المنصب، وقالت الصحيفة إن مينوش شفيق، وهي نائب آخر لمحافظ البنك، لم تعد في السباق، ولا شريتي فاديرا رئيسة «بنك سانتاندير المملكة المتحدة»، أو كيفين وارش صانع السياسات السابق بمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وبما قد يكون أول «بشرى خير» عقب الإعلان عن اسم بيلي، أن ذلك تزامن ذلك مع إعلان نمو الاقتصاد البريطاني بوتيرة أسرع قليلاً في الربع الثالث من العام مقارنة مع تقديرات سابقة، وانكماش عجز ميزان المعاملات الجارية للبلاد إلى أدنى مستوياته منذ 2012. في دفعة صغيرة قبيل ما تبدو أنها ستكون نهاية عام مصحوبة بتباطؤ قبيل خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي. وأظهرت أرقام من مكتب الإحصاءات الوطنية أن خامس أكبر اقتصاد في العالم نما 0.4 في المائة في الربع الثالث من العام، بارتفاع عن تقدير سابق عند 0.3 في المائة، وبدعم من مراجعة بالرفع لناتج قطاعي الخدمات والتشييد.
وقال المكتب إن ارتفاعاً في صادرات السلع ساعد على تضاؤل عجز ميزان المدفوعات البريطاني إلى 15.860 مليار جنيه إسترليني (20.68 مليار دولار) في الربع الثالث من 24.152 مليار إسترليني في الربع الثاني، وهو ما يتفق تقريباً مع التوقعات. وكنسبة مئوية من الناتج الاقتصادي، نزل العجز إلى 2.8 في المائة، وهو أدنى مستوياته منذ أوائل 2012.
أيضاً، كشفت بيانات اقتصادية ارتفاع ثقة الأعمال والمستهلك في بريطانيا خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في ظل الفوز الكاسح الذي حققه رئيس الوزراء بوريس جونسون في الانتخابات العامة، وهو ما أضفى بعض الاستقرار على عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
وأفادت «بلومبرغ» بأن مؤشر «جي إف كيه» لقياس ثقة المستهلك ارتفع بمقدار ثلاث نقاط، أمس (الجمعة)، ليصل إلى أعلى معدلاته منذ يوليو (تموز) الماضي، في ظل تحسن التوقعات بشأن الآفاق الاقتصادية للبلاد خلال عام 2020. وكما ارتفع مؤشر «لويدز» لقياس ثقة الأعمال إلى أعلى معدل له خلال خمسة أشهر، حيث تراجعت النظرة السلبية للشركات بشأن تأثير الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى أدنى معدلاتها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
ورغم التحسُّن الذي طرأ على المؤشرين هذا الشهر، فإنهما لا يزالان أدنى من متوسطات القراءة التي يتم تسجيلها في المعتاد، وإن كان التركيز ينصب حالياً على مدى قدرة بريطانيا على إبرام اتفاق تجاري بحلول نهاية 2020.
وكان «البنك المركزي البريطاني»، صرح، أول من أمس (الخميس)، بأنه لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان اتضاح المسار نحو الخروج من التكتل الأوروبي سيؤدي إلى تحسين الثقة في المناخ الاقتصادي في البلاد.
وفي غضون ذلك، سجّل الجنيه الإسترليني تعاملات هادئة، لكن دون استقرار، في الوقت الذي يتجه فيه صوب أسوأ أداء أسبوعي في أكثر من عامين، إذ عرقلته مخاوف معتادة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) على نحو فوضوي، بينما ساعدت بيانات قوية الدولار على أن يوقف الهبوط الذي سجله في الآونة الأخيرة.
وأثناء الليل، تراجع الإسترليني دون 1.30 دولار للمرة الأولى في أسبوعين. وفي أحدث تعاملات، سجلت العملة البريطانية 1.3022 دولار مع تنامي المخاوف بشأن ما إذا كان من الممكن إبرام اتفاق قبل موعد نهائي صعب في ديسمبر (كانون الأول) 2020.
وتخلى الإسترليني عن جميع المكاسب التي حققها بعد إعادة انتخاب رئيس الوزراء بوريس جونسون لمنصبه الأسبوع الماضي، وهبط 2.3 في المائة مقابل الدولار منذ يوم الاثنين. وسجل الإسترليني أداء أسوأ مقابل اليورو، ويتجه صوب تكبد أكبر خسارة أسبوعية منذ يوليو (تموز) 2017.
وساعدت الضبابية المحيطة بآفاق الخروج البريطاني الفرنك السويسري، وهو عملة ملاذ آمن على الارتفاع لأعلى مستوياته في شهر مقابل اليورو عند 1.0881 فرنك، وأقوى مستوياته مقابل الدولار منذ أغسطس (آب).



تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
TT

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار في الأسواق العالمية، خاصة بعد أن أحدثت تقلبات الين الياباني، في أغسطس (آب) الماضي، اضطرابات عبر الأصول المختلفة.

وانخفض اليورو بنحو 3.8 في المائة أمام الدولار، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهو الآن يقترب من مستوى 1 دولار الرئيسي، تحت ضغط عدة عوامل تشمل خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لفرض تعريفات تجارية، وضعف الاقتصاد في منطقة اليورو، وتصاعد النزاع بين روسيا وأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تسهم رهانات النمو الأميركي في تقوية الدولار والأسواق الأميركية، وفق «رويترز».

ورغم ذلك، يبقى المستثمرون والمتداولون في العملات منقسمين حول المسار القادم للعملة الأوروبية، حيث يُعدّ الدولار نفسه مهدَّداً بتداعيات التضخم الناجم عن التعريفات وزيادة الديون الحكومية التي قد تُزعزع الثقة في الأسواق والاقتصاد الأميركي.

وقد تتصاعد حالة عدم اليقين إذا استمر اليورو في التراجع، مما يزيد من احتمالية حدوث تحولات مفاجئة قد تؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة على الاستراتيجيات الاستثمارية المرتبطة بسياسات ترمب، مثل تلك التي تراهن على انخفاض اليورو وارتفاع الأسهم الأميركية، وفقاً لما أشار إليه المحللون.

في هذا السياق، قال كيت جاكس، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية في «سوسيتيه جنرال»: «نحن نشهد تقلبات هائلة، حيث بدأ المتداولون التساؤل: هل نتجاوز سعر صرف اليورو مقابل الدولار أم يعود إلى مستوياته السابقة؟». وأضاف: «الخلاصة هي أننا سنرى مزيداً من المناقشات الساخنة في كلا الاتجاهين بشأن اليورو، وأنا شخصياً لا أعتقد أن هذه الارتباطات العالية بين الأصول سوف تستمر».

وبدأت أزمة السوق، في أغسطس، بتقلبات الين مقابل الدولار، والتي فاجأت صناديق التحوط التي كانت تراهن ضد العملة اليابانية، وتحولت إلى بيع الأسهم لتمويل طلبات الهامش.

وحذّرت الجهات التنظيمية من أن الأسواق قد تصبح عرضة لمثل هذه الأحداث، عندما تتغير الروايات الاقتصادية بسرعة، وخاصة في ضوء المستويات العالية من الاستدانة في النظام.

وأضاف جاكس: «إذا تجاوزنا نقطة تكافؤ اليورو مع الدولار، فسنبدأ مواجهة المخاوف التي شهدناها من قبل في الأسواق».

التداعيات المحتملة

يُعد زوج اليورو/الدولار الأميركي هو الزوج الأكثر تداولاً في الأسواق العالمية. والتغيرات السريعة في سعر صرفه يمكن أن تعطل أرباح الشركات المتعددة الجنسيات، فضلاً عن التأثير على آفاق النمو والتضخم في البلدان التي تعتمد على استيراد أو تصدير السلع بالدولار.

وقال ثيموس فيوتاكيس، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي في «باركليز»، إن «اليورو هو معيار رئيسي»، مما يعني أن الدول الحساسة للتجارة مثل الصين وكوريا الجنوبية وسويسرا قد تسمح لعملاتها بالضعف مقابل الدولار، إذا استمر اليورو في الانخفاض؛ من أجل الحفاظ على قدرة صادراتها على المنافسة مقابل منتجات منطقة اليورو.

وأشار فيوتاكيس إلى أن الجنيه البريطاني، الذي انخفض بنحو 2 في المائة أمام الدولار في نوفمبر ليصل إلى نحو 1.26 دولار، سيكون حساساً جداً تجاه أي تقلبات في تحركات اليورو.

وأصبحت الأسواق أيضاً أكثر حساسية لتحركات اليورو/الدولار، بعد أن لاحظ خبراء استراتيجيات العملة تدفقاً من المتداولين على عقود الخيارات التي تجمع الرهانات على النتائج المرتبطة بسياسات ترمب، مثل ضعف اليورو، وارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز».

وقال فيوتاكيس: «لقد رأينا كثيراً من المستثمرين يحاولون الاستثمار في هذه النتائج المشروطة»، منوهاً بالارتباطات بين تحركات العملة والأسواق الأوسع.

انقسام الآراء بشأن المستقبل

في الوقت نفسه، يبدو أن مديري الأصول على المدى الطويل منقسمون بشكل كبير بشأن الاتجاه المستقبلي لليورو والدولار، مما يشير إلى أن هذا الزوج من العملات قد يشهد تقلبات ملحوظة في الأشهر المقبلة.

وقال ويليم سيلز، كبير مسؤولي الاستثمار في وحدة الخدمات المصرفية الخاصة والثروات ببنك «إتش إس بي سي»: «نتوقع أن يهبط اليورو إلى 99 سنتاً، بحلول منتصف العام المقبل».

في المقابل، اقترح كبير مسؤولي الاستثمار في «أموندي»، أكبر مدير للأصول في أوروبا، فينسنت مورتييه، أن انخفاض أسعار الفائدة في منطقة اليورو قد يعزز النشاط الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي، وهو ما قد يساعد في رفع اليورو إلى 1.16 دولار، بحلول أواخر عام 2025.

وفي سوق خيارات العملة السريعة، كان المتداولون في أواخر يوم الثلاثاء يقدّرون احتمالات بنسبة 56 في المائة بأن ينتهي العام باستعادة اليورو بعض الأرض فوق مستواه الحالي عند نحو 1.047 دولار، على الرغم من أن البنوك الكبرى، مثل «جيه بي مورغان»، و«دويتشه بنك»، قالت إن التحرك إلى دولار واحد قد يحدث، خاصة إذا كان مرتبطاً بمزيد من التعريفات الجمركية.

وقد أدى ازدياد الرهانات على أن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية إلى 2.75 في المائة، الشهر المقبل، إلى إضعاف اليورو بشكل كبير.

لكن الرواية السائدة بأن سياسات ترمب الاقتصادية، مثل ارتفاع التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية، سوف تُبقي أسعار الفائدة مرتفعة والدولار قوياً، بدأت تتعرض لبعض الضغوط.

في هذا السياق، قال ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة «يوريزون إس جيه إل كابيتال»، إن الولايات المتحدة قد تواجه ما يسمى «لحظة يقظة السندات»، إذا قام المقرضون في سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 27 تريليون دولار، برفع تكلفة الديون؛ في محاولة للحد من التخفيضات الضريبية المموَّلة بالديون المفرطة. وأضاف: «من المحتمل أن يسمح هذا بالتيسير المالي، مما يسمح بهبوط هادئ للاقتصاد الأميركي، وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، ومن ثم جعل الدولار مُبالغاً في قيمته».