خمس أوراق غربية لـ«ضغط أقصى» على دمشق و«تغيير اللعبة» مع موسكو

عاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من واشنطن قبل أيام بـ«خيبة» لدى اختبار موقف الإدارة الأميركية بالنسبة إلى الملف السوري، ذلك أنه بُلّغ أن «قانون سيزر» سيقر وستعقبه عقوبات اقتصادية أوروبية وإمساك خمس أوراق لتنفيذ «سياسة الضغوط القصوى» على دمشق و«تغيير قواعد اللعبة» مع موسكو للدفع نحو حل سياسي جدي في سوريا، يتضمن إضعاف النفوذ الإيراني.
بالنسبة إلى موسكو، فإن انطلاق أعمال اللجنة الدستورية بداية نوفمبر (تشرين الثاني) «يجب أن يقابل بحوافز غربية» تتضمن تخفيف العقوبات عن دمشق وتحريك عجلة التطبيع العربية والأوروبية معها وتشجيع اللاجئين على العودة والمساهمة في مشاريع إعادتهم وتوطينهم، إضافة إلى الإشارة إلى أن «العقوبات تعمق الأزمة الإنسانية» في سوريا و«تعقد الحل السياسي». يضاف أيضا إلى ذلك، دعوة موسكو الآخرين إلى عدم استعجال تحقيق العملية السياسية «نتائج فورية» لأن هذه الأمور ستأخذ وقتا... وخير «مثال روسي» لتقوية هذه الحجة، مفاوضات التسوية الإسرائيلية - العربية برعاية أميركية.
لقاء لافروف مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، استند إلى هذه القراءة الروسية مدفوعاً بضرورة اختبار مدى الانسجام بين مواقف أعضاء الإدارة التي يعتبر المبعوث الأميركي إلى سوريا جيميس جيفري ومساعده جيول روبرن بين «صقورها» في الملف السوري.
الجواب الأميركي، كان «مخيبا» للجانب الروسي، ذلك أن موقف أقطاب الخارجية الأميركية، بومبيو وجيفري وروبرن، موحد إزاء تقويم العملية السياسية وشروطها. القراءة الأميركية: دمشق «ليست جدية في الإصلاح الدستوري وإنجاح أعمال لجنتها في جنيف وعرقلت أعمالها ولم تلتزم وعودها»، إضافة إلى أن سلوك دمشق «لم يتغير فيما يتعلق باللاجئين والتسويات والمعتقلين». كما استنتجت موسكو أن «قانون قيصر» سيقر في الكونغرس و«سيغير اللعبة» خصوصاً أنه سيسهل فرض عقوبات على أي شخص أو كيان سواء كان سوريا أو غير سوري يخرق بنوده، المتعلقة بدعم ملموس للعمليات العسكرية أو الإعمار.
تزامنت الدفعة الأميركية، مع عودة الدول الأوروبية لبحث وضع قائمة جديدة من العقوبات على شخصيات سورية منخرطة بالإعمار أو الصراع على أن تقر في الأسابيع المقبلة. كانت بروكسل تريثت في فرض هذه العقوبات بعد تشكيل اللجنة الدستورية وعقد اجتماعاتها في بداية نوفمبر، لكيلا ترسل «رسالة خاطئة». لكن بعد «سلوك» الحكومة في الجولة الثانية، عاد بقوة الحديث عن فرض العقوبات.
بالنسبة إلى الجانبين الأميركي والأوروبي، هناك اعتقاد بوجود خمس «أوراق ضغط»: الأولى، المساهمة في إعادة أعمار سوريا. الثانية، التطبيع مع دمشق و«شرعنة النظام». الثالثة، العقوبات الاقتصادية. الرابعة، الوجود العسكري للتحالف بقيادة أميركا في شرق الفرات. الخامسة، السيطرة على الموارد الاستراتيجية من نفط وغاز وثروات.
الاتجاه الغربي حالياً هو للإمساك بهذه الأوراق. والهدف ليس دمشق، بل موسكو. بُلغت موسكو من دول أوروبية، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ومن أميركا: الدول الغربية لن تغير سلوكها ما لم تغير دمشق سلوكها بضغوطات من موسكو. الجديد هنا، أن الوجود العسكري الأميركي الجديد بات متجذرا في عقل الرئيس دونالد ترمب أكثر من أي وقت مضى: إنه امتلاك النفط وحمايته والدفاع عنه.
التوقعات الغربية، أن المسار المقبل نحو دمشق، هو «تصعيد الضغوط وليس تخفيفها». عملياً، يعني ذلك بطء مسار التطبيع العربي الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، الثنائي والجماعي. تردد رجال الأعمال العرب في المساهمة في مشاريع الإعمار وتريث فتح خطوط الحركة البرية والجوية إلى دمشق تخوفا من العقوبات. حذر دول أوروبية من تسخين الطريق إلى دمشق (كانت هنغاريا وقبرص أعلنتا نية استئناف النشاط الدبلوماسي وألمحت روما إلى حوار مع دمشق). زيارة الأزمة الاقتصادية في سوريا وتدهور سعر صرف الليرة بفعل سياسة الضغط والعقوبات والأزمات في الدول المجاورة خصوصاً لبنان.
في موازاة ذلك، تواصل واشنطن خيار التواصل العسكري لتنسيق العمليات و«منع الاحتكاك» شرق الفرات خصوصاً بعد الازدحام البري والجوي، حيث باتت هذه المناطق معقدة ومتداخلة عسكرياً تضم: قوات التحالف بقيادة أميركا براً وجواً. إسرائيل عبر غاراتها ضد «مواقع إيران». إيران عبر تجنيد عناصر سورية وبناء قواعد عسكرية في البوكمال. روسيا عبر شرطتها العسكرية ودورياتها ومروحياتها ومنظومة صواريخها وقاعدتها في القامشلي ووراثة مناطق التحالف. تركيا عبر قواتها وطائراتها وقواعدها ومشاريعها للتوطين. سوريا عبر قواتها وحرس الحدود ورموزها وخيوطها وتراثها. إيجاد صيغة للإبحار في هذا البحيرة العسكرية المزدحمة، كان غرض اللقاء بين رئيسي الأركان الروسي فاليري غيراسيموف والأميركي الجنرال مارك ميلي في جنيف أول من أمس.
أيضاً، تواصل واشنطن تشجيع التواصل الساخن الروسي - الإسرائيلي لتنسيق العمليات الجوية بعد شن طائرات «إف 35» إسرائيلية غارات مكثفة على «مصنع إيراني» في البوكمال الأسبوع الماضي على بعد بضع مئات من الكيلومترات من نقاط انتشار القوات الروسية في القامشلي. الإبحار في هذه السماء المزدحمة والبيئة السياسية المعقدة شرق الفرات والإقليم، كان جوهر اللقاء بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات ونظيره الأميركي روبرت أوبراين في البيت الأبيض قبل يومين.
أميركا، ودول أوروبية من ورائها، تعمل على مسارات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية لإيصال رسالة إلى موسكو: روسيا تملك سوريا والسلوك الغربي لن يتغير ما لم يتغير السلوك السوري.
روسيا، ودول إقليمية من ورائها، تعمل على مسارات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية لإيصال رسالة إلى واشنطن، بالرهان على الوقت والإمساك العسكري بالأرض وتغيير الوقائع... ومواعيد أميركا مع الانتخابات الرئاسية نهاية العام وتحديات أوروبا الداخلية بفعل الهجرة والإرهاب والانقسامات.