سنوات السينما: Farewell‪, My Lovely

روبرت ميتشوم يناجي نفسه
روبرت ميتشوم يناجي نفسه
TT

سنوات السينما: Farewell‪, My Lovely

روبرت ميتشوم يناجي نفسه
روبرت ميتشوم يناجي نفسه

Farewell‪, My Lovely
‪(‬1975‪)‬
(تحفة)

يُضرب ويُصفع ويُخدع ويُخدّر… هذا هو حال البطل في هذا الفيلم.
طبعاً النهاية تحسب له. الأخيار ينتصرون والأشرار ينهزمون لكن هذا «الفيلم نوار» ليس عن نهاية سعيدة وجاهزة. هي عن ذلك التحري الذي تندمج صراعاته الخاصة مع تلك الاجتماعية العامّة تاركة آثارها التي لا تندمل على حياته.
المخرج دك ريتشاردز لم يكن ذا باع طويل من الأعمال السينمائية، لكن أفلامه جميعاً (سبعة فقط) كانت جيدة ومن بينها فيلمان بديعان: «كالبيبر كاتل كومباني» (1972) و«وداعاً، يا حبي» (1975). وهذا الثاني مأخوذ عن رواية بالعنوان ذاته وضعها الكاتب البوليسي رايموند تشاندلر الذي اقتبست السينما الأميركية عن أعماله أفلاماً كثيرة بعضها أكثر من مرّة. وعن براعة ومعرفة تم اختيار الممثل روبرت ميتشوم (هذا أحد أفضل أدواره) لكي يؤدي شخصية التحري فيليب مارلو المحمّل بهموم الدنيا.
في الواقع يبدأ الفيلم بسرد بعض هذه الهموم عندما نجد ميتشوم يتحدث قائلاً: «في الربيع الماضي ولأول مرّة شعرت بأني متعب وأدركت أنني كبرت. ربما بسبب الطقس العفن الذي شهدناه في لوس أنجليس. ربما بسبب القضايا العفنة التي تسلمتها، غالباً ملاحقة أزواج مفقودين ثم ملاحقة زوجاتهم بعد العثور عليهم لكي أقبض. أو ربما للحقيقة البسيطة وهي أنني متعب وأصبحت أكبر سنّاً».
يحمل إلينا الفيلم شخصية بطل - ضد البطولة. اختلف فيليب مارلو حتى عن أمثاله من أبطال الروايات البوليسية الشعبية، مثل مايك هامر (كتبه ميكي سبيلاين) ومايك شاين (كتبه برت هاليداي) ولم يكن عبقريا في التحليل البوليسي مثل هيركول بوارو (كتابة أغاثا كريستي) أو شرلوك هولمز (كتابة آرثر كونان دويل). كان تحرياً خاصاً مخلصا لعمله يتلقى المتاعب ويوجهها أيضاً. يُضرب ويُهان ويُخدع ويسقط بلا وعي… كان إنساناً.
التعليق الصوتي الذي يبدأ الفيلم به هو تمهيد لفلاش باك طويل (يستمر حتى ربع الساعة الأخيرة من الفيلم أو نحوها) لما يحدث. ها هو مارلو يجد فتاة هاربة من بيت عائلتها ويسلمها لأمها قائلاً: «في المرّة المقبلة ابحثي عن تحر آخر لهذه المهمّة». ما قام به، على بساطته، لا يفوت رجلاً بجسد ضخم اسمه موس (جاك أوهالوران) الذي يختاره ليجد له فيلما. لقد دخل السجن لأجلها ويريده أن يجدها لأنه يحبها. يعتقد موس أنها لا تزال تحبه، بينما ستدلنا الأحداث أنها غيرت اسمها واحتفظت بالغنيمة التي من أجلها دخل موس السجن.
مشاهد جيدة متلاحمة كثيرة تقع قبل أن يلتقي مارلو بامرأة (ضخمة الجثة أيضاً) اسمها فرنسيس (كيت مورتاف) التي تريد أن تعرف منه بعض المعلومات. حين يرفض تصفعه أكثر من مرة. يلكمها فتنتقم بتخديره. قوّة المشهد هي في العنف الداخلي أكثر من الخارجي. في المقابل هناك رقة إنسانية متوفرة في شخص عائلة فقيرة (رجل أبيض وزوجة سوداء) وبائع صحف ومغنية حانات سابقة. أما فيلما نفسها (شارلوت رامبلينغ) فالوصول إليها يقع في النهاية التي لا تنفك تسبر غور الدواخل في الشخصيات.
يحاول مارلو التصالح مع العالم لكن العالم لا يتصالح معه. والفيلم محمّل بذلك الشجن العميق لشخص ولمدينة ولحياة وحب دفين لنوع من السينما وللفيلم نوار تحديداً. يصوّر المخرج دك ريتشاردز باقتصاد وبحب للنوع البوليسي. وكل ما تقوم عليه شخصية مارلو من مزايا سلوكية ومن مشاعر موجود هنا، كذلك نوعية الحوار النابض بالسخرية.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.