عرب «رأس العين» النازحون ممنوعون من العودة

68 مدرسة تعليمية في الحسكة تحوّلت إلى «مراكز إيواء» تعيش فيها 2500 عائلة

نازحة من رأس العين في مدرسة جنوب الحسكة (الشرق الأوسط)
نازحة من رأس العين في مدرسة جنوب الحسكة (الشرق الأوسط)
TT

عرب «رأس العين» النازحون ممنوعون من العودة

نازحة من رأس العين في مدرسة جنوب الحسكة (الشرق الأوسط)
نازحة من رأس العين في مدرسة جنوب الحسكة (الشرق الأوسط)

جلست سعدية على حصيرة رسم عليها شعار «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين»، وسط فصل دراسي بمركز إيواء بمدينة الحسكة، كانت الدموع تنهمر من عينين تختبئان خلف غطاء رأسها الأبيض. إذ ذهبت قبل أيام لتتفقد منزلها في مسقط رأسها ببلدة أبو راسين التابعة لمدينة رأس العين أقصى شمال شرقي سوريا، وصدمت عندما شاهدت بيتها خالياً بعد أن سرق كل شيء فيه، شاشة التلفاز المسطحة الحديثة والغسالة الجديدة سعة 10 كيلو والبراد الذي حمل علامة معروفة طالما حلمت باقتنائه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك: «سرقوا الفرش والأغطية والوسائد وسجاد الصوف. بقيت سنوات وشهور حتى بنيت منزلي، كم تمنيت لو قتلت فيه ولم أشاهد تلك الفظائع».
سعدية البالغة من العمر 40 عاماً عربية من منطقة أبو راسين، فرت مع زوجها وأبنائها بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد أن شن الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة؛ عملية عسكرية واسعة سيطرت بموجبها على مدينة رأس العين في محافظة الحسكة، وبلدة تل أبيض بالرقة وشريط حدودي 120 كيلومتراً بمحاذاة الحدود مع تركيا، الأمر الذي دفع عائلتها إلى النزوح نحو مدينة الحسكة المجاورة، وانتهى بها المطاف في فصل دراسي بمركز إيواء مدرسة «نشوة فيلات» جنوب الحسكة.
ذهبت سعدية الأسبوع الماضي مع زوجها لتفقد منزلها في منطقتها، التي باتت الآن خاضعة تحت سيطرة القوات النظامية الموالية للأسد، والتي انتشرت هناك بموجب اتفاق أبرمته مع «قوات سوريا الديمقراطية» برعاية روسية. «الضابط المسؤول سمح لنا بمعاينته لكنه منعنا من العودة إليه، وعندما سألته لماذا سرقتم ممتلكاتنا أجابني مستهزئاً: جنودنا يقتلون في سبيل حمايتكم».
وعمدت الجهات العسكرية بما فيها القوات النظامية إلى سرقة ممتلكات المدنيين واستباحة أموالهم، على مدار السنوات الماضية من الحرب الدائرة في سوريا، واليوم تتقاسم سعدية وأسرتها مع 3 عائلات تربطهم صلة قرابة، المكان، بعد توقف عملية التعليم في المدرسة لكثرة أعداد النازحين. تبتلع ريقها بصعوبة قبل أن تتابع كلامها: «قتل شقيقي وكان ضابط برتبة ملازم بصفوف النظام في معركة الحسكة ضد تنظيم (داعش)، واليوم يمنعونا من العودة. اشتقت لمنزلي وأريد العودة للعيش تحت سقفه».
أما جواهر التي تبلغ من العمر (25 سنة) فتقول وهي متكئة على لوح السبورة الذي بات مكاناً لتعليق الملابس، إنهم يخشون العودة إلى رأس العين: «اتصلت مع الجيران فحذرونا من العودة بسبب الانتهاكات التي تطال المدنيين، وحيث تكثر حالات السرقة والاعتقال، والتهم جاهزة بالانتساب إلى الوحدات وقوات قسد».
وكان أكثر من 300 ألف سوري قد فروا من مناطقهم في رأس العين وتل أبيض بعد الهجوم التركي قاصدين المناطق المجاورة. وتحولت 68 مدرسة تعليمية في مدينة الحسكة إلى مراكز إيواء، يعيش فيها قرابة 2500 عائلة نازحة، أي أكثر من 10 آلاف شخص من بينهم 900 سيدة حامل و60 طفلاً غير مصحوبين بذويهم ولا يعرف عن أهاليهم أي شيء. كما افتتحت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، مخيماً لنازحي رأس العين تقطنه 750 عائلة يصل عدد أفرادها إلى 4 آلاف نازح يعيشون أوضاعاً مأساوية، بحسب رئيس مكتب شؤون المنظمات خالد إبراهيم.
يقول خالد إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»، من مكتبه بمدينة الحسكة: «بعد الهجوم انسحبت معظم المنظمات الدولية، واعتمدنا على موارد الإدارة والمنظمات المحلية، الناس هربت بملابسها تحت وابل القصف وناموا أياماً وليال في العراء حتى تمكنا من فرزهم على المدارس». وحذر إبراهيم من كارثة إنسانيّة وانتشار أمراض وبائية معدية خاصة مع اشتداد موجات البرد والأمطار الشتوية، وقال: «تنقصنا المواد الأساسية والأغطية والمساعدات الطبية ونقاط إسعافية ميدانية لسد الفجوة الصحية التي اتسعت مع زيادة أعداد النازحين». ويشكو أن من بين أبرز التحديات والعقبات التي تواجه عملهم في تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين، التعميم الذي أصدره محافظ الحسكة: «منع المحافظ العاملين في المنظمات الدولية والمؤسسات الإنسانية من تقديم المساعدات الإغاثية للقاطنين في المخيمات ومراكز الإيواء».
وبحسب التعميم الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط» وكان مذيلاً بتوقيع محافظ الحسكة اللواء جابر الحمود الموسى، ويخاطب مكاتب المنظمات الدولية والمحلية ومكتب شؤون تنسيق المساعدات الإنسانية، على «عدم نقل أو استقبال وافدين في المخيمات الموجودة بالمحافظة أو المساهمة في افتتاح مخيمات جديدة لهم».
الحمامات ومياه الشرب
شكت حليمة المتحدرة من قرية تل حلاف التابعة لمدينة رأس العين، وكانت تغسل الصحون والكاسات بالقرب من خزان مياه كبير بلون أحمر حمل شعار الصليب الأحمر الدولي، من أنهم فقدوا خصوصيهم بعد النزوح، «الحمامات جماعية، وكذلك المطبخ ولا تفصل بيننا سوى فصول دراسية. النساء يعانين الأمرين لعدم وجود مكان خاص بهن. حقيقة وضعنا مأساوي».
وتكفلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري بتوزيع مياه صالحة للشرب في خزانات صحية كاستجابة عاجلة، وتوزع في الأسبوع ما يزيد على ربع مليون لتر من المياه وتقدم دعماً منتظماً لمخيمي الهول والعريشة إلى جانب تقديم المساعدات لمراكز النازحين داخلياً في مدينة الحسكة ومراكز الاحتجاز. بينما تقدم منظمة «شركاء الإغاثة والتنمية» العالمية، وجبات طعام وآلاف الإسفنجات والبطانيات وحليب أطفال ومطابخ جماعية منذ منتصف أكتوبر الماضي. ونقل مسؤول بارز طلب عدم الإفصاح عن اسمه، أنهم قدموا قرابة 3 ملايين وجبة غذائية للنازحين، وقال: «خططنا للشتاء توزيع 4000 كيس نوم لمراكز الإيواء والمخيمات بحسب الحاجة الأكثر إلحاحاً، لكن عملنا حالة طارئة وننتظر عودة المنظمات الدولية لتغطية الحاجات الأساسية».
وعبّر سلطان (45 سنة) عن حزنه العميق كونه يعيش على بعد 85 كيلومتراً من مسقط رأسه رأس العين وأصبح مهجراً عنها ولا يستطيع العودة، كان ينفث دخان سيجارته بقوة توضح، وقال: «ملينا هون، احتجزنا في معسكر شبه مغلق مع غياب أدنى مقومات الحياة».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.