تنكبّ الحكومة الأرجنتينية الجديدة على وضع اللمسات الأخيرة على خطة «طوارئ اقتصادية واجتماعية وصحية» لمواجهة الأزمة الطاحنة التي تعاني منها البلاد، والتي وضعتها على حافة الإفلاس ودفعت بأكثر من 40% من سكانها إلى الفقر، نصفهم يحتاج إلى مساعدات غذائية.
وفي أول مثول له أمام البرلمان، طلب الرئيس الجديد ألبرتو فرنانديز، الذي تسلم مهامه مطلع الأسبوع الماضي، منحه «سلطات استثنائية» تتيح له اتخاذ حزمة من التدابير العاجلة وإعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول جدولة الديون الباهظة المترتبة على الأرجنتين، والتي قال عنها في خطاب القسم: «نحن عازمون على سداد الدين، لكننا لا نملك الموارد لذلك في الوقت الحاضر».
وتقول أوساط مقربة من فرنانديز إن الفريق الاقتصادي المحيط به كان على بينة من حدة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وإنه باشر الاستعداد لمعالجتها منذ الانتخابات الأولية للرئاسة التي أُجريت في أغسطس (آب) الماضي، وتأكد بنتيجتها أن فرنانديز سيفوز بالرئاسة، لكنها لم تكن تتصور أن الأزمة على هذه الدرجة من الفداحة.
ومع الإعلان عن المجموعة الأولى من التدابير ظهرت بوادر الاحتجاجات في قطاع الزراعة الذي يعد الدعامة الأساسية للاقتصاد الأرجنتيني والمصدر الرئيسي للعملة الصعبة التي تعاني البلاد من ندرتها منذ سنوات. وتحتجّ المنظمات الزراعية، التي تتمتع بنفوذ قوي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، على الضرائب الجديدة التي تعتزم الحكومة فرضها على صادرات القطاع الزراعي، وحذّرت من أن الإصرار عليها من شأنه أن يشعل فتيل التحركات الشعبية في جميع أنحاء البلاد.
وكان فرنانديز قد قرر التخلي عن الموازنة التي أعدتها الحكومة السابقة، وبخاصة ما يتعلق منها بسداد الديون، معتبراً أنه ليس من الممكن وضع أي خطة اقتصادية قبل إعادة التفاوض مع صندوق النقد والجهات الدائنة الأخرى. وتجدر الإشارة أن الأرجنتين تواجه استحقاقات بقيمة 58 مليار دولار العام المقبل، ثم بقيمة 36 ملياراً في عام 2021 وبنحو 50 ملياراً في العام التالي. ويقول فرنانديز: «السبيل الوحيد لسداد الديون هو إعادة جدولتها بما يتيح فرصة عامين للاقتصاد كي يعود إلى مسار النمو بعد ركود يستمر منذ عشر سنوات».
وأمام صعوبة الأزمة التي تواجه الأرجنتين، والتي يدرك فرنانديز أن المسؤولية عنها تتقاسمها الحكومة السابقة وتلك التي رأستها قبلها كريستينا كيرشنير التي تتولى حالياً منصب نائب الرئيس، بدأ ولايته بخطاب جامع وتصريحات تدعو إلى الحوار الوطني لوقف هذا الانحدار الاقتصادي والاجتماعي الذي ما زال يحيّر المراقبين في بلد مثل الأرجنتين يتمتع بكل مقومات النمو والازدهار. فهي تملك ثروة هائلة من الموارد الطبيعية، وتعتمد على بنى تحتية صناعية متطورة، فضلاً عن المستوى التعليمي والثقافي العالي لسكانها، الأمر الذي يثير الدهشة كلما عادت إلى الوقوع في مثل هذه الأزمة.
وفيما رحبت الأوساط المالية الدولية بقرار فرنانديز الابتعاد عن الموقف البيروني التقليدي الذي يرى أن الامتناع عن سداد الديون الخارجية يندرج ضمن حق الدول في ممارسة سيادتها، أخذت عليه ما جاء من غموض في تصريحاته التي اعتبرت أن تداعياته الفورية ستكون سلبية على الاقتصاد الأرجنتيني، لما يكتنفها من غموض ويفرض أمراً واقعاً على الدائنين في أي مفاوضات مقبلة حول إعادة جدولة الديون.
الانفتاح الآخر الذي أبداه فرنانديز في مستهلّ ولايته كان على الجارة البرازيلية التي ليس سراً على أحد أن الود مفقود بينه وبين رئيسها جايير بولسونارو، الذي رفض تهنئة الرئيس الأرجنتيني الجديد وتوقع أن تكون عودة البيرونيين إلى الحكم كارثة سياسية واجتماعية تدفع بموجات الهجرة الأرجنتينية نحو بلاده. وقال فرنانديز إنه سيحرص على أن تبقى العلاقات بين البلدين «طموحة ومبتكرة وأخوية، بغض النظر عن أي خلافات شخصية بين من يحكم فيهما».
وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية قد حذرت مؤخراً من أن الاقتصادات الثلاثة الكبرى في المنطقة، المكسيك والبرازيل والأرجنتين، ليست في منأى عن الاحتجاجات الشعبية والاضطرابات التي تعصف بالعديد من البلدان منذ أشهر، ودعت حكومات هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ووضع خطط متوسطة الأجل لمعالجة الفوارق الاجتماعية التي تزداد حدة وتعتمل فيها موجة جديدة من التحركات الشعبية.
وفي تحذير آخر غير مألوف، من حيث مصدره ومضمونه، قال الجنرال سيزار ميلاني الذي تولى رئاسة أركان القوات المسلحة الأرجنتينية خلال الفترة الأخيرة من ولاية كريستينا كيرشنير: «إن الجيوش في أميركا اللاتينية ما زالت رجعية، وهي تحت تأثير الولايات المتحدة. لكن الخطورة الكبرى تكمن في أن الطبقة الاقتصادية والمالية النافذة ترى أن الجيوش مِلكاً لها، ولا تتردد في محاولة استخدامها للدفاع عن مصالحها في حال شعرت بأنها مهدَّدة». وتأتي تصريحات ميلاني، الذي سُجن لعامين بعد نهاية ولايته كرئيس للأركان بسبب اتهامه بجرائم ضد الإنسانية ثم برّأه القضاء، في الوقت الذي تسري إشاعات عن أن القوات المسلحة الأرجنتينية قد تعود إلى التدخل في الشأن السياسي إذا جنحت الحكومة الجديدة نحو الشعبوية البيرونية المعهودة.
خطة طوارئ أرجنتينية تنذر بتحركات شعبية
الرئيس الجديد طلب سلطات استثنائية لاتخاذ تدابير عاجلة
خطة طوارئ أرجنتينية تنذر بتحركات شعبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة