البرلمان التونسي يسائل 5 وزراء بتهمة التقصير

TT

البرلمان التونسي يسائل 5 وزراء بتهمة التقصير

عقد البرلمان التونسي أمس جلسة مساءلة لخمسة وزراء من حكومة تصريف الأعمال، التي يقودها يوسف الشاهد، حول حادث سير كان قد أودى بحياة 30 تونسيا، ووجهت على إثره تهم كثيرة إلى هؤلاء الوزراء الخمسة، وفي مقدمتها التقصير في أداء الواجب.
وقدم كل من وزير الداخلية والسياحة والنقل والتجهيز والصحة معطيات حول ملابسات الحادث، ومدى تحميل المسؤولية لأطراف حكومية، في انتظار أن تتشكل لجنة برلمانية للتحقيق في أسباب الحادث والوقوف على ملابساته. ولم تخل جلسة البرلمان أمس من انتقادات حادة لأعضاء الحكومة وللجان البرلمانية، التي غالبا ما تعمل على خفض حالة التوتر، قبل أن يتم التغافل لاحقا عن الملفات الخاصة بعدد من الأزمات، بحسب بعض المراقبين. وفي هذا الشأن، قالت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر (معارض) إن اللجان البرلمانية باتت بمثابة «المنوم الذي يعطى للتونسيين للتفريط في حقوقهم». مؤكدة أنها ستطالب البرلمان بضبط روزنامة محددة، وعرض نتائج التحقيق كاملة على النواب.
وقال هشام الفراتي، وزير الداخلية أمس أمام أعضاء البرلمان، إن الأبحاث الأولية حول حادثة عمدون أثبتت أن عجلات الحافلة لم تكن صالحة للاستعمال نظرا لتآكل الأطواق، باستثناء العجلة الأمامية اليسرى للحافلة، التي كانت قابلة للاستغلال. لكن لم تكن صالحة لقطع مسافات طويلة، كما أكد أيضا أن دواسات الفرامل كانت تقريبا متآكلة.
من ناحيتها، أفادت سنية بالشيخ، وزيرة الصحة، في جلسة المساءلة ذاتها، بأن الحافلة المنكوبة كانت تقل 46 شابا وشابة، وليس 43 كما قيل في بداية التحقيقات، مبرزة أنه تم تسجيل 30 حالة وفاة، بينهم 22 وفاة في عين المكان، وحالتا وفاة عند الوصول إلى مستشفى باجة، و6 وفيات في وقت لاحق خلال مكوثهم في قسم الإنعاش.
بدوره، كشف روني الطرابلسي، وزير السياحة، أنه تم توجيه مراسلة في 12 من يناير (كانون الثاني) 2018 إلى سائقي الحافلات السياحية، تدعوهم إلى ضرورة احترام إشارات المرور، وزيارة الانتباه على الطريق الرابطة بين مدينتي عمدون وعين دراهم.
أما نور الدين السالمي وزير التجهيز والإسكان فقد أكد من ناحيته أن الطريق التي شهدت الحادث القاتل مطابقة للمواصفات الدولية، ومجهزة بالعلامات الضرورية، ووعد بإجراء تدخلات جذرية لتحويل مسار تلك الطريق الوعرة.
ووقع الحادث المؤلم في الأول من الشهر الحالي، بعد سقوط حافلة سياحية في متحدر حاد، نجم عن فقدان السائق السيطرة عليها، مما أدى إلى وفاة 22 شابا وشابة في عين المكان. وقد كشفت هذه الحادثة عن تآكل البنى التحتية، خاصة في مناطق الشمال الغربي، وهي مناطق معروفة بمنعرجاتها الجبلية الصعبة، وقلة التجهيزات الطبية، وضعف عدد أطباء الاختصاص في المناطق الداخلية.
وبعد الحادث، قدم والي (محافظ) منطقة باجة استقالته اعترافا بمسؤوليته غير المباشرة عن الحادث، وفي الفترة ذاتها، طالبت بعض الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية باستقالة أعضاء الحكومة المسؤولين عما حدث.
وكان راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، قد عين خلال جلسة المساءلة البرلمانية السيدة الونيسي (من حركة النهضة) لرئاسة اللجنة البرلمانية للتحقيق في حادثة عمدون، وهي اللجنة التي ضمت 21 نائبا، من بينهم 7 من حركة النهضة، وأربعة من الكتلة الديمقرطية (حركة الشعب والتيار الديمقراطي)، ومثلهم من حزب «قلب تونس». ومن المنتظر أن تجمع اللجنة كل المعطيات، وتتنقل إلى عين المكان قبل تقديم تقريرها لاحقا إلى البرلمان.
من جهة ثانية، قام شبان عاطلون من ولاية القصرين، ينفذون اعتصاماً أمام مجلس نواب الشعب منذ نحو شهر، بتسلق السور الحديدي الخارجي لمقر المجلس أمس في محاولة لاقتحامه، غير أن قوات الأمن تمكنت من إبعادهم.
وذكرت وكالة تونس أفريقيا (تاب) أن هؤلاء الشباب، هددوا بالانتحار الجماعي، إذا لم يتم الحصول على «تعهد كتابي بالاستجابة إلى مطالبهم المتعلقة بالتشغيل».
وفي السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2010 أحرق بائع الخضراوات المتجول محمد البوعزيزي نفسه في مدينة سيدي بوزيد ليشعل بذلك ثورة عارمة، انتهت بسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بعد أسابيع في 14 من يناير (كانون الثاني) 2011.
وترتفع نسبة البطالة في تونس، بسبب تراجع النمو الاقتصادي وتعطل الاستثمارات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.