بعد هدنة قصيرة... الاقتصاد البريطاني يعود سريعاً لدائرة الغموض

تراجع التصنيع والخدمات... والبنوك قادرة على تحمّل الصدمات

عاد الاقتصاد البريطاني سريعاً إلى دائرة الغموض مع تقارير تشير إلى احتمالية «انفصال حاد» عن الاتحاد الأوروبي
عاد الاقتصاد البريطاني سريعاً إلى دائرة الغموض مع تقارير تشير إلى احتمالية «انفصال حاد» عن الاتحاد الأوروبي
TT

بعد هدنة قصيرة... الاقتصاد البريطاني يعود سريعاً لدائرة الغموض

عاد الاقتصاد البريطاني سريعاً إلى دائرة الغموض مع تقارير تشير إلى احتمالية «انفصال حاد» عن الاتحاد الأوروبي
عاد الاقتصاد البريطاني سريعاً إلى دائرة الغموض مع تقارير تشير إلى احتمالية «انفصال حاد» عن الاتحاد الأوروبي

سريعاً، وبعد هدنة قصيرة اتسمت بتقلص المخاوف، عاد الاقتصاد البريطاني لدائرة الغموض مع ارتفاع الشكوك من أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ربما يتخذ موقفا متشددا إزاء الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
واتسمت النظرة نحو الاقتصاد البريطاني بـ«الاستقرار النسبي» عقب حسم الانتخابات، نتيجة تفضيل أغلب البريطانيين - والأوساط الاقتصادية - لـ«مصير محدد» عن الغموض المتفشي، حتى بين معارضي الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. لكن تقريرا أفاد بتوجهات ربما تكون حادة للغاية للحكومة البريطانية إزاء بريكست، إضافة إلى بيانات متباينة النتائج، دفعت العملة البريطانية للتراجع صباح أمس بأكثر من 1 في المائة مقابل كل من الدولار واليورو. كما دفعت مؤشر «فوتسي 100» الرئيسي إلى خسائر صباحية، مع عودة عدم اليقين.
وأوضح التقرير الذي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» وغيرها من وسائل الإعلام المحلية، أن جونسون سيضيف مراجعة لمشروع قانون البريكست (والمعروف رسمياً باسم مشروع اتفاقية الانسحاب). ومن شأن تلك المراجعة استبعاد أي تمديد لفترة انتقالية بعد ديسمبر (كانون الأول) 2020، كما أنها تمثل إحدى محاولات جونسون في تسريع عملية مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وتعتبر الفترة الانتقالية مهمة كونها تمثل الفترة التي يمكن خلالها للاتحاد الأوروبي والمملكة التفاوض بشأن صفقة تجارية. وخلال الفترة الانتقالية تظل قوانين الاتحاد الأوروبي سارية على المملكة المتحدة كما لو كانت دولة عضو في الكتلة، لكنها لم تعد ممثلة في هيئات صنع القرار بالاتحاد الأوروبي.
ورغم النتائج السلبية الاقتصادية المسجلة مؤخرا، قال مارك كارني محافظ بنك إنجلترا المركزي الثلاثاء إن احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) من دون اتفاق تراجعت بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في البلاد مؤخرا، والتي حقق فيها جونسون انتصارا كبيرا.
وقال كارني في تصريحات للصحافيين بعد إصدار تقرير الاستقرار المالي في بريطانيا: «السيناريو الأسوأ هو الخروج المضطرب من دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي... احتمالات هذا السيناريو تراجعت بسبب نتيجة الانتخابات ونوايا الحكومة الجديدة. السيناريو نفسه والمخاطر التي نحمي النظام منها نتيجة له لم تتغير، لكنه فقط أصبح أقل احتمالا». وأضاف: «ما يتوقعه الناس منا هو أن نواصل التأكد من استعداد النظام (المالي)» لمواجهة أي سيناريوهات.
ويأتي ذلك فيما ذكر تقرير الاستقرار المالي في بريطانيا أن البنوك الكبرى في البلاد تتمتع بقوة تمكنها من مواجهة أي ركود حاد للاقتصاد في المملكة المتحدة أو العالم. وأضاف أن النظام المالي البريطاني مرن ومستعد لمواجهة جميع السيناريوهات، حتى الأسوأ منها وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، كما أنه تم تخفيض المخاطر التي يمكن أن تهدد الاستقرار المالي لبريطانيا نتيجة اضطراب الخدمات المالية العابرة للحدود في حال حدوث «بريكست» من دون اتفاق.
وتأتي تصريحات كارني في وقت سجل فيه الإنتاج الصناعي البريطاني أسوأ أداء شهري في أكثر من سبعة أعوام خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ليزيد من فرص انكماش الاقتصاد ككل في هذا الربع من العام.
كما صدر الثلاثاء الإصدار الأول لمؤشر مديري المشتريات الخدمي في المملكة المتحدة بالقراءة الأولية لشهر ديسمبر بمستوى 49.0 نقطة، فيما يعد ثاني انكماش شهري على التوالي، وهي قراءة أسوأ من التوقعات التي أشارت إلى مستوى 49.6 نقطة، ليهبط المؤشر من مستوى سابق بلغ 49.3 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وربما تعكس هذه النتائج المخيبة للآمال بعض القلق في الفترة التي سبقت الانتخابات البريطانية التي أجريت في الأسبوع الماضي. وجاء الفوز الحاسم لرئيس الوزراء بوريس جونسون ليبدد المخاوف على المدى القصير، على الرغم من وجود مجموعة من علامات الاستفهام حول علاقة بريطانيا المستقبلية بالاتحاد الأوروبي. وإذا تسبب هذا في تقويض النمو، فقد يؤثر على خطط جونسون لزيادة الإنفاق والسيطرة على العجز.
ونقلت «بلومبرغ» عن شركة «آي إتش إس ماركت»، الاثنين، أن مؤشرا لكل نشاط الشركات انخفض أي أدنى مستوى له منذ استفتاء عام 2016، وتراجع المؤشر الإنتاج الصناعي أكثر من المتوقع إلى 47.4 نقطة، أقل من مستوى 50 نقطة (مستوى التوازن). وقال كريس ويليامسون، كبير الاقتصاديين في «آي إتش إس ماركت» إن «حالة عدم اليقين المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تصاعدت في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة... الشركات تأمل في أن تجلب الانتخابات الوضوح».
وستساعد أي حالة من اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية في إنفاق المستهلكين والاستثمار في عام 2020، بينما ستزيد الخطط المالية للحكومة من الدعم. وأفاد مسح أجراه اقتصاديون قبل الانتخابات، بأنه من المتوقع أن يتباطأ النمو في بريطانيا العام المقبل.
وفي ديسمبر الجاري، انخفض مؤشر مديري المشتريات إلى أدنى مستوى في أربعة أشهر، في حين شهد قطاع الخدمات، وهو المساهم الأكبر في الاقتصاد البريطاني، أكبر تراجع له منذ تسعة أشهر.
ولكن على الجانب الإيجابي، تراجع معدل البطالة في المملكة المتحدة بعكس توقعات ارتفاعه خلال الثلاثة أشهر المنتهية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليصعد معدل التشغيل إلى مستوى قياسي مرتفع. وكشفت بيانات هيئة الإحصاءات الوطنية البريطانية الثلاثاء، أن معدل البطالة بلغ 3.8 في المائة في الثلاثة أشهر من أغسطس (آب) حتى أكتوبر، وهي نفس القراءة المسجلة في الربع السابق له.
أما متوسط دخل البريطاني في الأسبوع، والذي يأخذ في الاعتبار استثناء العلاوات، فقد زاد بنحو 3.5 في المائة في الثلاثة أشهر المنتهية في أكتوبر على أساس سنوي، وهو أقل من 3.6 في المائة المسجلة في الربع السابق له. في حين تباطأ متوسط دخل الفرد الذي يتضمن العلاوات إلى 3.2 في المائة خلال نفس الفترة على أساس سنوي.



ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.