صراعات الفصائل تهدد مفاوضات السلام السودانية في جوبا

سلفاكير يتوسط مشار (يمين) والجنرال حميدتي في جوبا أمس (أ.ف.ب)
سلفاكير يتوسط مشار (يمين) والجنرال حميدتي في جوبا أمس (أ.ف.ب)
TT

صراعات الفصائل تهدد مفاوضات السلام السودانية في جوبا

سلفاكير يتوسط مشار (يمين) والجنرال حميدتي في جوبا أمس (أ.ف.ب)
سلفاكير يتوسط مشار (يمين) والجنرال حميدتي في جوبا أمس (أ.ف.ب)

قالت مصادر سودانية لـ«الشرق الأوسط» إنه يتوقع وصول وفد إضافي من الخرطوم يضم وزير العدل نصر الدين عبد الباري لتقديم المشورة القانونية، ودفع المفاوضات بين الفصائل السودانية في جوبا التي ظلت تراوح مكانها منذ بدء الجولة، والتي حالت صراعات داخلية في مساري «شرق السودان» و«وسط وشمال السودان»، وتمسك الحركة الشعبية لتحرير السودان كبرى الفصائل المسلحة بدولة علمانية وإلغاء القوانين ذات الطابع الديني، دون تحقيق تقدم يذكر.
وبدأت الجولة الثالثة من مفاوضات السلام السودانية في العاشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، دون أن تشهد مفاوضات جدية تتناول القضايا موضوع التفاوض تجاوزت مرحلة تبادل الأوراق، ما اضطر الأطراف لتمديد فترة صلاحية إعلان جوبا لمدة شهرين إضافيين.
وأكد مصدر لـ«الشرق الأوسط»، عدم مغادرة التفاوض لنقطة البداية، مرجعا حالة المراوحة التي شهدتها الجولة، إلى صراعات داخلية بين المجموعات المشاركة «خاصة في مسار شرق السودان» تهدد بنسفها، فيما قال رئيس «الجبهة الثورية» الهادي إدريس إن الوساطة أجلت التفاوض على مسار شرق السودان، ما اضطرهم للتوقف عن خوض أي تفاوض في المسارات الأخرى، مشترطين التعامل مع ملفات تنظيمات الثورية ككتلة واحدة.
وتعاني المجموعات المكونة لمسار شرق السودان، مشاكل تتعلق بمن يمثل المسار في التفاوض، وبحسب إدريس يرفض محسوبون على نظام الإنقاذ و«سقطوا معه»، وهو هنا يشير إلى مجموعة «مساعد البشير السابق موسى محمد أحمد»، تمثيل مجموعة إعلان جوبا للمسار، وهم يدفعون بأنهم شاركوا في النظام وفقا لاتفاقية «أسمرا» 2006.
ويشهد شرق السودان تنازعات بين مكوناته الثقافية، أدت لاندلاع القتال بينها ووقوع ضحايا الشهر الماضي، ما يجعل من استبعاد أي مكون شرارة لتجدد النزاعات الأهلية في الإقليم مجدداً.
واستنكر إدريس ما سماه رضوخ الوساطة والوفد الحكومي لتهديدات من قبل بعض المكونات، وقال: «إذا كان التهديد بنسف العملية السلمية، يلقى استجابة، فهذا منهج يمكن أن يفتت البلاد».
وشدد إدريس على قصر التفاوض باسم شرق السودان على موقعي إعلان جوبا، على الرغم من سماحهم بمشاركة جميع المكونات لتحقيق حل شامل ينهي مشكلات الإقليم.
وتناقش مفاوضات جوبا الكثير من الملفات المتعلقة بإحلال السلام في السودان، بيد أن المفاوضات الجارية لم تحقق تقدماً يذكر، وتمسك كل طرف بسقوفه التفاوضية، وقالت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، إنها «لن تتنازل» عن مطلبها بمعالجة الجذور التاريخية لما سمته «المشكلة السودانية»، ولن تقبل ترحيلها إلى «المؤتمر الدستوري».
وتسيطر الشعبية على ما تطلق عليه «المناطق المحررة» في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتتخذ من منطقة «كاودا» الحصينة حاضرة لها، منذ اندلاع التمرد من جديد في العام 2011، وفشلت كافة محاولات جيش نظام المعزول عمر البشير في استعادتها.
وتشترط الشعبية الاعتراف بدولة «علمانية قابلة للحياة»، وإلغاء كافة القوانين ذات الطابع الديني، وعدم تشريع قوانين دينية مجدداً، وبمقابل ذلك تطالب بحق سكان المنطقتين في «حق تقرير المصير»، باعتباره موقفاً مبدئياً.
وقطعت الحركة في بيان صدر أمس في جوبا، بأن جولة التفاوض الحالية لم تسفر عن أي تقدم يدفع السلام إلى الأمام، وقالت: «الأطراف لا تزال على عتبة التفاوض، ولم تحقّق أي اختراقٍ يذكر فيما يتعلق بنقاطِ الخلاف حول إعلان المبادئ، خاصة علمانية الدولة وحق تقرير المصير».
ودخلت المفاوضات منذ بدايتها في جدل دائري، بشأن مشاركة قوى إعلان الحرية والتغيير في التفاوض، ففي الوقت الذي ترفض فيه «بعض الحركات والفصائل» بإصرار وجود لممثلين عن تحالف الحرية والتغيير في التفاوض، وتشترط أن يقتصر التفاوض مع الوفد الرسمي السودان، فإن الحرية والتغير ترى أنها تمثل «الحزب الحاكم»، ما يعطيها حق الاشتراك في التفاوض.
وحذر المتحدث باسم المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير إبراهيم الشيخ في وقت سابق، من أن يؤثر البطء في التفاوض، على استكمال هياكل الحكومة الانتقالية «حكام الولايات، المجلس التشريعي»، وقال: «كان الظن أن الوصول لاتفاق سلام سيتم خلال وقت قصير، لكن مرت أكثر من مائة يوم، وما زلنا في بداية التفاوض».
وحددت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية ستة أشهر، لتوقيع اتفاقات سلام مع الحركات المسلحة، وتحقيق الاستقرار في البلاد، باعتبار ذلك أولوية مطلقة، ومضت قرابة الأربعة أشهر من المدة المحددة، دون الوصول لاتفاق، ما اضطر الأطراف لتمديد سريان «إعلان جوبا» لشهرين إضافيين.
وتطالب الحركات المسلحة والجبهة الثورية، بإرجاء تعيين حكام الأقاليم وتشكيل المجلس التشريعي قبل توقيع اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية، بانتظار إضافة اتفاقات السلام للوثيقة الدستورية لتصبح جزءا منها، وإعادة تشكيل الحكومة الانتقالية بما يكفل لها المشاركة في مستويات الحكم كافة، فيما ترى «قوى إعلان الحرية والتغيير» أن تأخير إكمال هياكل الحكم سيحول دون نجاح الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات وتسعة أشهر مضى منها أكثر من أربعة أشهر.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.