الجزائر تستعد لدفعة جديدة من محاكمات «رموز الفساد»

الرئيس الجزائري الجديد  عبد المجيد تبّون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبّون (أ.ف.ب)
TT

الجزائر تستعد لدفعة جديدة من محاكمات «رموز الفساد»

الرئيس الجزائري الجديد  عبد المجيد تبّون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبّون (أ.ف.ب)

استجوبت محكمة بالعاصمة الجزائرية، أمس، الأبناء الثلاثة لمدير الأمن السابق الجنرال عبد الغني هامل، في قضايا فساد ونهب عقارات، مرتبطة بفترة تولي والدهم المسؤولية.
ويوجد الأربعة في السجن منذ شهور. وجاء ذلك فيما أبدى أكبر أحزاب المعارضة الجزائرية ترحيباً بدعوة الرئيس الجديد عبد المجيد تبّون، «الحراك الشعبي»، إلى الحوار بهدف إنهاء الأزمة السياسية.
واستمع قاضي التحقيق بمحكمة سيدي امحمد في العاصمة لأبناء هامل، للمرة الثالثة، منذ حبسهم على ذمة التحقيق، حسب مصدر قضائي، وذلك في ملف يتعلق بأراضٍ شاسعة حصلوا عليها بولاية تيبازة الساحلية غرب العاصمة، بهدف إطلاق مشروعات سياحية. وجاء في التحقيق الذي بدأته أجهزة الأمن أن تدخلات والدهم لدى والي تيبازة مكّنتهم من حيازة الأراضي، في وقت قصير، وبتسهيلات مالية لم تتوفر لأي من المستثمرين في مجال السياحة. وتحدث المصدر القضائي عن «دفعة جديدة من محاكمة رموز الفساد»، متوقعة بداية العام الجديد، بعد إدانة العديد من رموز حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وأوضح أن هامل وأفراد عائلته سيكونون ضمن هذه المحاكمات.
وتم إيداع هامل وأبنائه الثلاثة الحبس الاحتياطي، في 5 يوليو (تموز) الماضي. ووضع قاضي التحقيق ابنته وزوجته تحت الرقابة القضائية، بعد أن وجه لهما تهم فساد مرتبط بالنفوذ الكبير الذي كان للجنرال، لما كان مديراً عاماً للأمن الوطني (2010 - 2018). وأقالت الرئاسة هامل في مايو (أيار) الماضي، على أثر تصريحات أدلى بها للإعلام عدّت خطيرة، تتعلق بذكر اسم أحد أبنائه في تحقيق يخص ما يُعرف بـ«قضية قناطير الكوكايين» الشهيرة. وقال هامل يومها، «من يزعم محاربة الفساد يجب أن يكون نظيفاً»، وكان يقصد مسؤولاً كبيراً بجهاز الدرك، تم عزله هو أيضاً في وقت لاحق، بسبب فضيحة فساد.
يُشار إلى أن محكمة سيدي امحمد أصدرت في 10 من الشهر الحالي أحكاماً بالسجن ضد مسؤولين بارزين في عهد الرئيس السابق بوتفليقة، بعد اتهامهم بالفساد، وأبرزهم رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الذي أدانته المحكمة بـ15 سنة سجناً، وسلفه عبد المالك سلال بـ12 سنة سجناً.
وقضت المحكمة، كذلك، بسجن عدد من المسؤولين السابقين بعد إدانتهم بالفساد. وبين هؤلاء وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب، الذي حكمت عليه بالسجن لمدة 20 عاماً غيابياً، إضافة إلى صدور أمر دولي بالقبض عليه، ووزيرا الصناعة سابقاً يوسف يوسفي ومحجوب بدة (10 سنوات). وقضت كذلك بسجن وزيرة السياحة سابقاً يمينة زرهوني، لمدة 5 سنوات.
إلى ذلك، أعلنت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية، أكبر أحزاب المعارضة، في بيان، أمس، ترحيبها بالحوار الذي دعا إليه الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، الخميس الماضي. وقالت إنها «تدعو إلى جعل الحوار شفافاً جاداً ومسؤولاً وصادقاً، وذا مصداقية لتصحيح الأخطاء وتحقيق التوافق الشامل حول رؤية وآليات وممارسات، تجمع شمل الجزائريين وتجسد الإرادة الشعبية وتنجز التنمية الاقتصادية وتصون السيادة».
وأكدت بخصوص تصريحات تبّون، الأولى بعد انتخابه، أنها «مساعدة على التخفيف من التوتر، وتفتح آفاق الحوار والتوافق، ولكننا ننبه بأن الجزائريين قد سبق لهم أن سمعوا من الحكام خطباً مماثلة، تجسّد عكسُها على أرض الواقع، وإن الحركة إذ لا تستبق المستقبل بسوء الظن ستكون حذرة وستحكم في ممارستها السياسية ومواقفها... على الوقائع الفعلية في الميدان خدمة للمصلحة العامة». وكان تبّون تعهد بفتح حوار مع الحراك والطبقة السياسية، لتجاوز الأزمة السياسية. يشار إلى أن «مجتمع السلم»، الذي يرأسه عبد الرزاق مقري، قاطع الانتخابات الرئاسية الخميس الماضي.
وأضاف بيان الحزب الإسلامي، أن «الخطوات العاجلة التي تدل على حسن النية في الإصلاحات الدستورية والقانونية، هي حماية الحريات الفردية والجماعية، وتحرير وسائل الإعلام من الضغط والتوجيه، وضمان الحرية التامة للقضاء، وإطلاق سراح مساجين الرأي ومعتقلي الحراك الشعبي، ورفع القيد والتضييق على المجتمع المدني غير الموالي (للسلطة)، ومكافحة شبكات الرشوة والابتزاز المالي... واستمرار محاربة الفساد بلا تمييز ولا هوادة، والابتعاد عن التخوين والتسفيه والتآمر في حق المخالفين السياسيين السلميين من شخصيات وأحزاب».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.