إردوغان: أميركا وروسيا لم تلتزما تفاهمات شرق الفرات وتركيا ستتدبر أمرها

TT

إردوغان: أميركا وروسيا لم تلتزما تفاهمات شرق الفرات وتركيا ستتدبر أمرها

لمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مجدداً، إلى إمكانية استئناف عملية «نبع السلام» العسكرية في شمال شرقي سوريا بسبب عدم التزام كل من الولايات المتحدة وروسيا بتنفيذ التفاهمات التي تم التوصل معها بشأن إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية وإقامة منطقة آمنة على حدود تركيا الجنوبية.
وقال إردوغان إن روسيا والولايات المتحدة لم تتمكنا من إخراج عناصر «الوحدات» الكردية، الذين يوصفون بالإرهابيين، من شمال سوريا. وأضاف في مقابلة تلفزيونية ليل الأحد - الاثنين أن كلا من موسكو وواشنطن لم تلتزما بوعودهما حيال إخراج «الإرهابيين» (عناصر الوحدات الكردية) من الشمال السوري، وأن تركيا ستتدبر أمرها بنفسها لإبعاد خطر التنظيمات الإرهابية عن حدودها (في تلميح إلى استئناف العمليات العسكرية).
ولفت إردوغان إلى استمرار وجود الوحدات الكردية في مدينة منبج (غرب الفرات)، على الرغم من اتفاق خريطة الطريق الموقع بين أنقرة وواشنطن في 4 يونيو (حزيران) 2018 قائلا إن «العشائر الموجودة في تلك المنطقة تطلب من تركيا مساعدتهم للتخلص من ظلم الإرهابيين».
وتابع «الولايات المتحدة والوحدات الكردية تسيطران على آبار النفط في دير الزور وبيع النفط إلى النظام السوري، وفي القامشلي توجد أيضا آبار للنفط وهناك يسيطر النظام السوري والروس على تلك الآبار... تركيا لا تهتم بالنفط، بل تولي اهتماما لأمن السكان الذين يعيشون في تلك المناطق».
وقال إردوغان: «عرضت على قادة بعض الدول أن ننفق عائدات النفط على سكان المنطقة الآمنة التي سنقيمها في الشمال السوري، ونضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم ونقدم لهم حياة كريمة، فلم أتلق أي رد منهم».
وأضاف أن وصف الغرب لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية بأنها «تنظيم كردي»، هو إساءة للشعب الكردي، مشيرا إلى أن تركيا لا تنظر إلى الأكراد على أنهم إرهابيون. (تنظيم الوحدات الكردية) هو ذراع حزب العمال الكردستاني (تصنفه تركيا منظمة إرهابية) في سوريا، وأن «الإرهابي» مظلوم عبدي (قائد تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الذي تقوده الوحدات الكردية) هو الابن الروحي لزعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. وانتقد لقاء مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا مع عبدي.
وعلقت تركيا في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عملية «نبع السلام» التي شنتها بمساعدة فصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها في التاسع من الشهر ذاته بهدف القضاء على وجود الوحدات الكردية في شرق الفرات، ووقعت تفاهما في سوتشي مع روسيا في 22 أكتوبر يتضمن إبعاد الوحدات الكردية إلى عمق 30 كيلومترا وتسيير دوريات مشتركة بين القوات التركية والروسية تمهيدا لإقامة المنطقة الآمنة. ولفت إردوغان إلى أن القوات التركية ألحقت هزائم كبيرة بالعمال الكردستاني، قائلا: «المنظمة لم تعد قادرة على القيام بعمليات إرهابية داخل تركيا».
من ناحية أخرى، دخلت 24 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية، أمس، إلى محافظة إدلب شمال غربي سوريا، من معبر «جيلفا جوزو» في ولاية هطاي جنوب تركيا.
وسيتم توزيع تلك المساعدات على المحتاجين بمحافظة إدلب وريفها في وقت لاحق.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.