بعد أسبوعين من الوعود البرّاقة والنداءات اليائسة وعشرات القرائن العلمية التي لم تعد تتحدّث عن احتمال وقوع الكارثة المناخية، بل عن موعد حدوثها وفداحة أضرارها، لم تحصل المفاجأة التي كان أصحاب المزاج المتفائل ينتظرونها في قمّة المناخ الخامسة والعشرين. والمفاجأة كانت أن تنتهي القمة في موعدها مساء الجمعة، وأن تخرج الدول الأطراف باتفاق، ولو في الحد الأدنى، ينقذ الآمال الضعيفة التي ما زالت معقودة على أن الأسرة الدولية سوف تستدرك هذه المماطلة العقيمة قبل فوات الأوان ووقوع الكارثة المناخية المعلنة.
مع انتصاف الليلة الأخيرة المقررة في برنامج القمة، ذهب المفاوضون إلى فنادقهم، كعادتهم منذ سنوات، وهم على موعد في اليوم التالي مع محاولة أخيرة للتوفيق بين الدول الأطراف، قبل تأكيد التوقعات التي واكبت هذه الدورة منذ بدايتها أنها لن تكون أكثر من همزة وصل تقنيّة ممهدة للقمة المقبلة في غلاسكو في اسكوتلندا. وفيما كانت وزيرة البيئة التشيلية، التي ترأس المؤتمر، تعرض نص محاولتها الأخيرة على الدول الأعضاء في الحادية عشرة من صباح أمس (السبت)، كانت نظيرتها الإسبانية تدعو إلى عدم الأفراط في التفاؤل، بينما كانت الخبيرة الدبلوماسية الفرنسية لورانس طوبيانا، التي يعود لها الفضل في وضع اتفاق باريس عام 2017، تقول: «الرهان الحقيقي سيكون على القمة المقبلة في غلاسكو. هناك، سيكون القرار الصيني بيد تشي جينبينغ، والقرار الهندي بيد مودي، وليس بيد خبراء ومسـؤولين من الدرجة الثالثة، كالموجودين في هذه القمة».
وفي تلك الأثناء، كانت تمرّ وزيرة البيئة الاسكوتلندية كلير بيرّي، التي سترأس القمة المقبلة، محفوفة بفرقة لعازفي القِرب تصدح بموسيقى تكاد تكون جنائزية كأنها تنذر باحتضار هذه القمة. ومع بداية البحث في المقترحات الأخيرة التي قدّمتها الرئاسة التشيلية، تبدّى بوضوح أن المواقف ما زالت على تضاربها السابق بين مجموعة كبيرة من البلدان، يقودها الاتحاد الأوروبي وتنشط فيها دول أميركا اللاتينية، ومجموعة أخرى تقودها الصين والهند، مدعومة بالاتحاد الروسي والدول المنتجة للنفط، تميل إلى تركيز البيان الختامي على أن الدول الصناعية، المسؤولة الرئيسية عن التلوّث في العقود الماضية، لم تلتزم بتقديم المساعدة اللازمة إلى البلدان النامية لتمكينها من التكيّف مع التغيّر المناخي واستيعاب تداعياته. وحتى كتابة هذه السطور، كانت الرئاسة التشيلية ما زالت عاجزة عن تحقيق أي اختراق في المفاوضات، رغم الاقتراح الذي تقدمت به في اللحظات الأخيرة، بترك الجانب الفنّي خارج نصّ البيان الختامي، وتأجيله إلى القمة المقبلة.
المنظمات غير الحكومية التي تشارك بقوة منذ سنوات في قمّة المناخ، عدت أن اقتراح الرئاسة التشيلية «غير مقبول على الإطلاق»، كما قالت المديرة التنفيذية لمنظمة «غرين بيس»، جينيفر مورغان، مضيفة: «من المقلق جداً هذا التباعد الهائل بين ما يطالب به المواطنون في شوارع العالم وما يطرحه المفاوضون من مواقف داخل القمة».
وتجدر الإشارة أن اتفاق باريس، الذي سيحلّ مكان بروتوكول كيوتو اعتباراً من العام المقبل، يلزم الأطراف الموقّعة عليه باتخاذ التدابير الكفيلة بعدم ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية إلى مستويات كارثية، ويحدّد المستوى المستهدف، استناداً إلى القرائن العلمية، بدرجتين مئويتين فوق مستوى معدّل الحرارة قبل الحقبة الصناعية، مما يقتضي من الدول الأطراف تقديم خطط لخفض الانبعاثات الغازيّة التي تشكّل السبب الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية. لكن الخطط الراهنة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع الحرارة بمعدّل 3 درجات ونصف الدرجة في نهاية العقد المقبل.
وينصّ اتفاق باريس على إعادة النظر في الخطط الوطنية، وزيادة أهدافها للحد من الانبعاثات، في حال تبيّن أن هذه الخطط لن تحقق الأهداف الملحوظة في الاتفاق ضمن الآجال المحددة. وهذا ما دفع بالأمم المتحدة إلى الطلب من الدول الأطراف تعديل خططها، والالتزام بأهداف أكثر طموحاً. وقد تجاوبت معها دول كثيرة، مثل دول الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية والبلدان الأفريقية، لكن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، المسؤولة عن 55 في المائة من الانبعاثات الغازية في العالم، ما زالت ترفض توجيه أي نداء إلى الدول الأطراف لخفض انبعاثاتها في البيان الختامي للقمة.
وثمّة موضوع آخر تتعثّر عنده المفاوضات، وهو سوق تبادل حقوق انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الذي نصّ عليه بروتوكول كيوتو، وتولّدت منه ملايين الوحدات الكربونية التي تُستخدم للتعويض عن الانبعاثات الصناعية، مقابل شراء هذه الوحدات من البلدان التي تساهم في تنقيّة الهواء عن طريق سياسات بيئية سليمة، مثل إعادة التحريج والإنتاج المستديم بيئياً.
التحذير الأخير في هذه القمّة من مخاطر الكارثة البيئية جاء أمس على لسان نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور، الحائز على جائزة نوبل للسلام بفضل دفاعه عن البيئة، عندما قال: «الانبعاثات الغازية الناجمة عن الأنشطة البشرية تزيد على 150 مليون طن سنوياً، وهي تحتبس من الطاقة ما يعادل نصف مليون قنبلة كتلك التي ألقيت على هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية. 93 في المائة من هذه الطاقة ينتهي في البحار، ويتسبب في تغيير دورة المياه، مما يؤدي إلى زيادة العواصف والأعاصير، ويرفع من حدتها عندما تصل إلى اليابسة. كما تؤدي إلى ذوبان الكتل الجليدية، وترفع منسوب مياه المحيطات، وتسبب فيضانات وسيولاً وحرائق ضخمة كتلك التي تشهدها منذ سنوات في مناطق عدة من العالم. يضاف إلى ذلك أن تغيّر المناخ يساعد على تفشّي الأوبئة الاستوائية في المناطق المرتفعة، ويدفع الملايين إلى النزوح والهجرة. وقد لاحظنا كيف أن موجات الجفاف منذ عام 2006، التي تزامنت مع الحرب الأهلية في سوريا، قد أدت إلى اختلال التوازن السياسي في ألمانيا، وساهمت في قرار (بريكست) التافه، كما أدت إلى ظهور زعماء شعبويين، مثل أوروبان في المجر وسالفيني في إيطاليا، لكن كل ذلك ليس سوى إنذار لما هو أعظم، كما تقول لنا كل القرائن العلمية».
محاولة أخيرة للتوفيق بين الدول المشاركة في مؤتمر مدريد للمناخ
آل غور يحذّر من {كارثة بيئية}
محاولة أخيرة للتوفيق بين الدول المشاركة في مؤتمر مدريد للمناخ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة