تونس: رئيس الحكومة المكلّف أمام 3 سيناريوهات... «أحلاها مرّ»

TT

تونس: رئيس الحكومة المكلّف أمام 3 سيناريوهات... «أحلاها مرّ»

بدأ الحبيب الجملي، رئيس الحكومة التونسية المكلف، أمس، شهره الثاني من مفاوضات تشكيل الحكومة، على أمل التوصل إلى إقناع عدد من الأطراف السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بدعم الائتلاف الحاكم المنتظر، واعتماد مبدأ «التصويت المفيد»، حتى وإن لم تحصل هذه الأحزاب على حقائب وزارية ضمن تركيبة الحكومة.
وفي ظل المشكلات الكثيرة التي عرفتها مشاورات الأسابيع الأربعة الماضية، تُطرح أمام رئيس الحكومة المكلف ثلاثة سيناريوهات لتأليف حكومة طال انتظارها من طرف التونسيين، «أحلاها مرّ»، حسب تعبير بعض المحللين السياسيين، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب التحركات الاجتماعية المتكررة، والمظاهرات التي تطالب الحكومة بتدخلات عاجلة لضمان مشاريع تنمية وفرص تشغيل.
ويتضمن السيناريو الأول الذي يُطرح على الحبيب الجملي الموافقة على شروط بعض الأحزاب السياسية المنسحبة من المفاوضات (حزبي التيار الديمقراطي، وحركة الشعب)، غير أن هذا السيناريو قد يعقّد، حسب بعض المتابعين للشأن المحلي، المشهد السياسي من جديد، خصوصاً في ظل مطالبة حركة «النهضة» الفائزة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، والجملي نفسه، بضرورة حياد وزارات السيادة. وهذا السيناريو قد يمكّن الحكومة من ضمانات أكبر للاستقرار إذا ما تحقق، غير أنه يجعل الجملي ومن ورائه «النهضة» يتنازلان عن أحد أهم شروط المفاوضات، وهو تحييد وزارات الداخلية والعدل والدفاع والخارجية، وتمكين شخصيات مستقلة من هذه الحقائب الوزارية، ولذلك فإن هذا التراجع أو التنازل الكبير يبقى مستبعَداً بشكل كبير، نتيجة تخوف عدة أطراف سياسية من خطر تسييس الوزارات المذكورة، وإمكانية استعمالها لتصفية حسابات سياسية قديمة.
وقد يلجأ الجملي إلى السيناريو الثاني، أي إشراك حزب «قلب تونس» في الائتلاف الحكومي تحت الضغوط المتواصلة، ويتراجع عن قرار رفض مشاركته في الائتلاف الحاكم، وبذلك يتم قطع الطريق أمام المطالب المجحفة لبعض الأحزاب السياسية. وهذا السيناريو سبق أن لجأت إليه حركة «النهضة» حين دخلت بثقلها لتمكين رئيسها راشد الغنوشي من منصب رئيس البرلمان، حيث اعتمدت على أصوات النواب الممثلين لحزب «قلب تونس» (38 صوتاً)، وفي المقابل مكّنت هذا الحزب من منصب النائب الأول لرئيس البرلمان عبر انتخاب القيادية سميرة الشواشي. وهذا السيناريو يبقى ممكناً في ظل ما عدّته حركة «النهضة»، التي رشحت الجملي لتشكيل الحكومة، «تعنتاً وتهديداً للمصلحة الوطنية»، لكنّ بعض المراقبين يرون أن «النهضة» قد تتجاوز تلك العقبة من خلال الإعلان عن «تقارب الضرورة» مع حزب نبيل القروي.
أما السيناريو الثالث، فيتمثل في إمكانية إعلان رئيس الحكومة المكلف فشله في تشكيل الائتلاف الحاكم بحلول منتصف شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن ثم التوجه إلى رئيس الجمهورية لاختيار «الشخصية الأقدر» على تشكيل الحكومة، وهذا السيناريو يظل هو الأقرب للتنفيذ، وفق المحلل السياسي التونسي خليل الحناشي، وفي هذه الحالة يعود الجميع لتطبيق الفصل 89 من دستور 2014. وقد دعت حركة الشعب (قومي) إلى هذا السيناريو منذ البداية. غير أن رئيس الجمهورية تجاهل هذا المقترح، كما أن عدداً من الأحزاب السياسية عدّه غير منطقي لتنافيه مع أحكام الدستور، وطالبت بالاعتماد على نتائج انتخابات 2019 في تشكيل الحكومة المقبلة.
وكان الجملي قد تعهد عند تكليفه رسمياً بإنهاء المشاورات، مع انتهاء المهلة الدستورية الأولى (مقدرة بشهر واحد)، وعندما طلب مهلة ثانية من الرئيس قيس سعيد، اعتبر أن الفترة السابقة التي خصّصت للمفاوضات «لم تكن إهداراً للوقت، بل لضبط الإجراءات، ووضع آليات ومنهجية جديدة في إدارة العمل الحكومي»، وهو ما سيسهم في إنجاح عمل الحكومة المقبلة، على حد تعبيره.
ويرى عدد من المتابعين أن خيار تدخل رئيس الجمهورية قيس سعيد بات وارداً أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ظل تزايد المخاوف من تكرار ظاهرة «العزوف السياسي»، الذي حدثت طيلة الأسابيع الأربعة الماضية، وهي مخاوف جعلت خبر طرح رئيس الجمهورية مبادرة سياسية جديدة في كلمة يتوجه بها إلى التونسيين خلال الذكرى التاسعة لثورة 17 ديسمبر (كانون الأول) 2011 حدثاً تنتظره الساحة السياسية بشدة، وهو ما يُخفي تأزم المشهد والتخوف غير المسبوق من فشل الجزء الثاني من مفاوضات تشكيل الحكومة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.