رؤية مسرحية تستعيد أسطورة «ريا وسكينة» في مصر

فرقة «فرسان الشرق» تمزج الرقص المعاصر بالفلكلور

تابلوه استعراضي لمشهد إعدام ريا وسكينة
تابلوه استعراضي لمشهد إعدام ريا وسكينة
TT

رؤية مسرحية تستعيد أسطورة «ريا وسكينة» في مصر

تابلوه استعراضي لمشهد إعدام ريا وسكينة
تابلوه استعراضي لمشهد إعدام ريا وسكينة

قدمت «فرقة فرسان الشرق للتراث» أحدث عروضها المسرحية «ريا وسكينة 1921» على مسرح الجمهورية بالقاهرة، والذي سيجوب أنحاء مصر والعالم العربي خلال الأشهر المقبلة. العرض يتسم بالجرأة في تناول قصة تم تقديمها أكثر من مرة في السينما والتلفزيون والمسرح، وقدمها عمالقة الفن المصري وترسخت في أذهان المشاهدين تارة بصورة كوميدية وأخرى تراجيدية، لكن العرض تناول هذه المرة الجانب الإنساني وراء قصة أشهر سفاحتين أثارتا الرعب في قلوب أهالي الإسكندرية بدايات القرن العشرين. ويسلط العرض الضوء على الظروف الاجتماعية والسياسية والنفسية التي أودت بريا وسكينة إلى «حبل المشنقة»، عبر تجسيد أبطال العرض لحالات شعورية ما بين الحزن والشر والانكسار والتمرد بشكل استعراضي وبتوظيف الرقص كعنصر أساسي في الحبكة المسرحية.
قبل استهلال العرض تضعنا موسيقى الزار «لايف ميوزيك» في أجواء ارتبطت بتلك القصة لتنفتح ستارة المسرح قليلا كاشفة عن حبل مشنقة يتدلى كبندول مع إضاءة خافتة.
ويبدأ العرض من نهاية الحكاية بمنطق «الفلاش باك» من عالم الأموات وضحايا ريا وسكينة، وبسرد فلسفي حول الحياة والموت ممزوج باستعراض جريء تقدمه الضحايا اللواتي فقدن زهرة شبابهن مع الرجال والرقصة توحي بقهر المجتمع الذكوري للنساء، فيتخذ العرض من المقبرة لوحة واسعة للمجتمع والممارسات الخاطئة تجاه المرأة، ويبدأ «نابش القبور» متحدثا لجثث الضحايا «أصل الحياة إنتوا... إنتوا الحقيقة».
يخفت دور النص المسرحي في هذا العرض باعتباره معبرا من مشهد لآخر عبر تركيب لغوي عامي وترتكز الرؤية المسرحية للمخرجة كريمة بدير على المسرح البصري باستعراضات راقصة وأداء تمثيلي لأبطال العرض مثير للإعجاب، إذ تعتمد منهجية الإخراج على جسد الممثلين في المجالين التعبيري والتخييلي وحركات راقصة تمزج الرقص المعاصر مع الرقص الشرقي، إلا أن بعض الحركات في الرقصات الجماعية كانت تفتقر للتناغم والأداء المتزامن.
ثم تسرد الأحداث من وجهة نظر الطفلة بديعة ابنة ريا التي أصبح مصيرها في الحقيقة بأحد الملاجئ، ولم يُعرف مصيرها حتى الآن، ما إذا كانت توفيت مع الحريق الذي دمر الملجأ أم أنها نجت وعاشت متخفية من عار أسرتها وسيرتهم!
العرض استغل مصير بديعة كمحفز لعنصر التشويق للمشاهد ويجعلنا نتتبع تحولات شخصية بديعة من البراءة وحيرتها حول مفهوم الخير والشر والحياة والموت ومبررات القتل في أحاديث مكثفة الجمل إلى نابش القبور إلى أن تتحول إلى قاتلة في النهاية في محاولة لتحرير ذاتها ضد ظروفها الاجتماعية القاسية في صورة «إبسنية» تتقارب مع فحوى مسرحيات هنريك إبسن الأب الروحي للمسرح الغربي في القرن العشرين، حيث يتوسع الصراع من دائرته الضيقة إلى دائرة أكبر مع الكون.
ولم يركز العرض على شخصيتي زوجي ريا وسكينة، حسب الله، ومحمد عبد العال، بل يقدم العرض في معالجة لسيكولوجية الشر قصة كل منهما وتحولها إلى قاتلة، عبر منولوج أشبه باعتراف ترويه كل من بطلتي العرض مع استعراضات أضافت للنص وجعلته أكثر رمزية وحيوية لا تشعر معها بمدة المولونوج. فقدمت سكينة استعراضا أكثر أنثوية ومعتمداً على الفلكلور المصري والرقص الشرقي، بينما ريا التي جسدتها الفنانة ياسمين سمير باقتدار يجسد ما عرف عن ريا بتحجر قلبها وتسلطها برقصة معاصرة ترتكز على إظهار القوة الجسدية.
يستمر العرض في سياق دراما «الظروف المواتية» حيث الحدث كشف مستمر للماضي وينتج انقلابا في حياة الشخصيات. القتل هنا ليس بإنهاء الحياة فقط بل القتل المعنوي للنساء والذي يفضي إلى القتل بمعناه المادي، وهي الرسالة التي يحملها العرض في صورة هذا النموذج من النساء اللواتي يقهرهن المجتمع والفقر والعوذ ويودي بهن بمأساوية إلى أبشع النهايات.
تم توظيف استعراضات تراثية سكندرية تستحضر تراث أهل بحري وجمع الصيادين وحياتهم التي تموج بالحيوية في حين تقبع الطفلة بديعة حائرة يحيطها الخوف من حياتها التي بدت متحجرة يحيطها عار أسرتها حاملة تلك الوصمة الاجتماعية بأنها قاتلة برغم براءتها وصغر سنها. الفقرات النصية التي ترويها «بديعة» جاءت موظفة لخدمة التصوير المسرحي والموسيقي للاستعراضات لتدخل في صميم التكوين الموسيقي المؤلف من صوت البحر والصراخ وحركة الممثلين المواكبة لسردها في مواجهة الجمهور. وبرعت الفنانة الشابة فاطمة محسن، في تقديم أداء قوي يفسر هذه الشخصية كما كانت محركا قويا يضيء أحاسيس الجمهور تجاه رؤية العرض.
وقد يؤخذ على العرض الاستعانة بأغنية من التراث التونسي أخرجته من إطاره المكاني (الإسكندرية) إلا أن للمخرجة كريمة بدير وجهة نظر أوضحتها لـ«الشرق الأوسط»، قائلة: «وجدت في كلمات الأغنية تعبيرا عن الحالة التراجيدية لبطلات العرض، كما أن لغتها ليست بعيدة في ذاك الزمن على الإسكندرية حيث كانت تضم جالية كبيرة من المغرب العربي وكلمات الأغنية قريبة جدا من التراث الفلكلوري المصري، ومن ناحية أخرى فإن العرض لا يتحدث عن قهر المرأة في نطاق محلي بل إقليمي ويخرج من سياقه المكاني والزماني ليسلط الضوء على أوضاع المرأة التي لم تشهد تغييراً كبيرا».
وتضيف المخرجة: العرض يتحدث عن النساء بشكل عام وعن البوح ماذا لو باحت بديعة بما عانته؟!... بديعة التي تتجسد فيها نساء العالم... لذا كتبت على الملصق الترويجي للعرض «ولدت وحُرمت وتألمت... فسكتت سكات الموت بقلب نابض... إلى أن نبش قبري فزال سكاتي وتكلمت... فقتلت».
وعقب مشهد إعدام ريا وسكينة في لوحة استعراضية موحية يتحول الممثلون لأشخاص يرتدون الزي الأسود، وهنا تتحول الطفلة البريئة بديعة إلى قاتلة فتقتل نابش القبر. في مقاربة ما بين سفاحتي النساء وسفاحي الزمن المعاصر واختزال ذلك كصراع أبدي ما بين الحياة بكل مباهجها والموت بكل تراجيديته.
سينوجرافيا العرض جاءت متناغمة مع أجواء القصة خلفية منازل من الصفيح توحي بفقر الحي «حي اللبان» ولافتة تحمل اسم الشارع الحقيقي الذي شهد تلك الجرائم «علي بك الكبير» فضلا عن تصميم أزياء يوحي بتلك الحقبة وينم عن دراسة جيدة ورؤية في تصميم الأزياء المعاصرة التي قدمت نقلة زمنية على العصر الراهن.
بشكل عام نجح العرض في اختزال الزمن التاريخي للمسرحية وتقديمه في زمن مغاير تماما ومقاربته مع الواقع بالتركيز البؤري على معاناة النساء في زمن بعيد وجعلها تحاكي بواقعية الظروف الاجتماعية والعنف السائد في المجتمعات وانعكاساته على الأجيال القادمة.



حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.