طرابلس على خطوط المواجهة الأمامية

من ساحة النور في طرابلس (إ.ب.أ)
من ساحة النور في طرابلس (إ.ب.أ)
TT

طرابلس على خطوط المواجهة الأمامية

من ساحة النور في طرابلس (إ.ب.أ)
من ساحة النور في طرابلس (إ.ب.أ)

> نجحت مدينة طرابلس، ثاني كبرى مدن لبنان وعاصمة شماله، منذ اندلاع الحراك الشعبي بفرض نفسها في المعادلة كرقم صعب، فبعدما فتر زخم الناشطين في كثير من المناطق اللبنانية الأخرى، ظلَّت أعداد المتظاهرين فيها بشكل يومي هي الأكبر. ولقد تصدرت طرابلس المشهد الأسبوع الماضي مع قرار مجموعة من الناشطين تفعيل تحركاتهم بوجه المسؤولين السياسيين في المدينة، ما أدى لمواجهات متنقلة استدعت تدخل الجيش لاستيعابها.
في هذه الأثناء، اتهمت بعض قوى السلطة الناشطين في طرابلس بتنفيذ أجندات أحزاب سياسية للتأثير على المفاوضات الحكومية، بسبب استمرارهم بقطع الطرقات، حتى إن رئيس «تيار الكرامة» النائب فيصل كرامي ذهب أبعد من ذلك، بوصفه مَن تجمهروا أمام منزله ورشقوه بالنفايات بـ«المتطفلين على ثورة الناس الطيبين، الذين يسعون لتخريبها ونشر الفوضى في طرابلس».
هذا، وتنامت حالة الغضب، الثلاثاء الماضي، في طرابلس، بعد مقتل شخصين نتيجة انهيار جزء من سقف منزلهما، ما دفع العشرات للتحرك بوجه البلدية ورئيسها مطالبيه بالاستقالة. وأعلنت قيادة الجيش عن إصابة 6 عسكريين بجروح مختلفة، بعد تدخلهم للفصل بين عدد من المحتجّين وحرّاس منزل النائب فيصل كرامي، موضحة في بيان أنه، وبعد تجمهر المتظاهرين أمام منازل النوّاب في المنطقة، تطوّر الوضع إلى تلاسن واستفزازات ورمي أكياس النفايات ورشق بالحجارة أمام منزل كرامي، ما استدعى تدخل الوحدات العسكرية «للفصل بين الطرفين وتفريق المتظاهرين، ومنعهم من افتعال أعمال شغب وإضرام النيران في مستوعبات النفايات».
وبعد استيعاب ما حصل من تطورات مسائية، عادت الأمور لتتخذ منحى تصعيدياً في المدينة وأطرافها فجر الثلاثاء، بعد انهيار جزء من سقف مبنى قديم على قاطنيه في حي الأندلس بمدينة الميناء (توأم مدينة طرابلس)، ما أدى، بحسب «الوكالة الوطنية للإعلام»، إلى مقتل الشاب عبد الرحمن الكاخية، وشقيقته ريما، وهما من الجنسية السورية.
ونتيجة الحادثة، عمَّت المدينة حالة من الغضب، فقرر عدد من الشبان التوجه إلى الباحة الخارجية لمبنى بلدية الميناء التي حملوها مسؤولية ما حصل نتيجة عدم تجاوبها مع مطالب الأهالي ترميم المنازل، فأقدموا على إشعال النيران في حاويات النفايات وحطموا زجاج الباب الخارجي، ومن ثم اقتحموا المكتبة والقاعة الرئيسية وعبثوا بمحتوياتهما. واستقدم الجيش اللبناني تعزيزات إلى القصر البلدي، ومحيط منزل رئيس البلدية عبد القادر علم الدين في حي البوابة، إثر تدفق عشرات المحتجين إلى المكان، وإحراقهم أثاث المكتب الشخصي لعلم الدين، كما ورد في «الوكالة الوطنية للإعلام».
وتزامنت التحركات بوجه البلدية ورئيسها مع عملية قطع عدد من الطرقات في المدينة، وقد طالب المحتجون باستقالة رئيس البلدية. وعلى الأثر، عقد عدد من أعضاء مجلس بلدية الميناء اجتماعاً قرر على أثره 6 من هؤلاء الاستقالة، متهمين رئيس البلدية بالفساد وبإهمال عمله.
وأكدت الناشطة في الحراك الشعبي في طرابلس أميرة داية أن «كل ما يحصل في المدينة من تحركات تتم بشكل عفوي، ونحن نؤيد ونشارك في بعضها ولا نحبذ بعضها الآخر، لكن هذا لا يعني أن نرفض الثورة بسبب أداء البعض»، مضيفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الثورة ليست (غب الطلب) وعفويتها تعرضها لبعض الأخطاء... لكن بالمقابل هناك الكثير من الصوابية في عملها، فكلنا بالنهاية محرومون وموجوعون ونحاول تحصيل حقوقنا المسلوبة».
واعتبرت داية أن «التحركات بوجه سياسيي المنطقة منطقية، وهي نتيجة فشلهم الذي يظهر جلياً من خلال الأحوال التي وصلت إليها المدينة»، معتبرة أن «المسؤول والحاكم يجب أن يتحمل بالنهاية المسؤولية لا أن يستفيد حصراً من السلطة والمواقع من دون أن يدفع ثمن أخطائه، ولذلك نحن نطالب باستقالة رئيس بلدية الميناء بعد استشهاد شخصين في المنطقة نتيجة الإهمال، ورفض الاستماع إلى مطالب الأهالي بترميم المنازل القديمة».



البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
TT

البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)

على مدار السنوات الـ25 الماضية، تسارعت وتيرة الابتكار التكنولوجي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تاريخياً، استغرقت التقنيات مثل الكهرباء والهاتف عقوداً للوصول إلى 25 في المائة من الأسر الأميركية - 46 و35 عاماً على التوالي. على النقيض من ذلك تماماً، حقّق الإنترنت ذلك في 7 سنوات فقط.

اكتسبت منصات مثل «فيسبوك» 50 مليون مستخدم في عامين، وأعادت «نتفليكس» تعريف استهلاك الوسائط بسرعة، وجذب «شات جي بي تي» أكثر من مليون مستخدم في 5 أيام فقط. يؤكد هذا التقَبّل السريع للتقدم التكنولوجي والتحول المجتمعي وأثره في تبني الابتكار.

قادت هذه الموجة شركة «غوغل»، وهي شركة ناشئة تأسست في مرآب. في عام 1998، قدمت «غوغل» خوارزمية «بيچ رانك»، ما أحدث ثورة في تنظيم المعلومات على الويب. على عكس محركات البحث التقليدية التي تركز على تكرار الكلمات الرئيسية، عملت خوارزمية «بيچ رانك» على تقييم أهمية الصفحة من خلال تحليل الارتباطات التبادلية، ومعاملة الروابط التشعبية على أنها أصوات ثقة واستيعاب الحكمة الجماعية للإنترنت. أصبح العثور على المعلومات ذات الصلة أسرع وأكثر سهولة، ما جعل محرك البحث «غوغل» لا غنى عنه على مستوى العالم.

تحوّل «نتفليكس»

في خضم ثورة البيانات، ظهر نموذج جديد للحوسبة: التعلم الآلي. بدأ المطورون في إنشاء خوارزميات تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، مبتعدين عن البرمجة الصريحة. جسّدت «نتفليكس» هذا التحول بجائزتها البالغة مليون دولار لعام 2006 لتحسين خوارزمية التوصية خاصتها بنسبة 10 في المائة. في عام 2009، نجحت خوارزمية «براغماتيك كايوس» لشركة «بيلكور» في استخدام التعلم الآلي المتقدم، ما يسلّط الضوء على قوة الخوارزميات التكيفية.

ثم توغل الباحثون في مجال التعلم العميق، وهو مجموعة متفرعة عن التعلم الآلي تتضمن خوارزميات تتعلم من بيانات ضخمة غير منظمة. في عام 2011، أظهر نظام «واتسون» الحاسوبي من شركة «آي بي إم» قوة التعلم العميق في لعبة «چيوباردي»! في منافسة ضد البطلين «براد روتر» و«كين جينينغز»، أظهر «واتسون» القدرة على فهم الفروق الدقيقة في اللغة المعقدة، والتورية، والألغاز، مما يحقق النصر. أفسح هذا العرض المهم لمعالجة اللغة بالذكاء الاصطناعي المجال أمام العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية.

في عام 2016، حقق برنامج «ألفاغو» الحاسوبي من شركة «غوغل ديب مايند» إنجازاً تاريخياً بهزيمة «لي سيدول» بطل العالم في لعبة «غو». كانت لعبة «غو»، المعروفة بمعقداتها وتفكيرها الحدسي، خارج نطاق الذكاء الاصطناعي. أدهش فوز «ألفاغو» العالم بأسره، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المشكلات التي تتطلب التفكير الاستراتيجي من خلال الشبكات العصبية.

ثورة تجارة التجزئة

مع ازدياد قدرات الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في دمج هذه التقنيات لإحداث الابتكار. أحدثت «أمازون» ثورة في تجارة التجزئة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتسوق الشخصي. من خلال تحليل عادات العملاء، أوصت خوارزميات «أمازون» بالمنتجات بدقة، ويسّرت الخدمات اللوجيستية، وحسّنت المخزون. وصار التخصيص حجر الزاوية في نجاح «أمازون»، مما وضع توقعات جديدة لخدمة العملاء.

في قطاع السيارات، قادت شركة «تسلا» عملية دمج الذكاء الاصطناعي في المنتجات الاستهلاكية. من خلال «أوتوبايلوت»، قدمت «تسلا» لمحة عن مستقبل النقل. في البداية، استخدم «أوتوبايلوت» الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مما يتيح التحكم التكيفي في السرعة، ومَرْكَزَة المسار، ومواقف السيارات الذاتية. بحلول عام 2024، سمح نظام القيادة الذاتية الكاملة (FSD) للسيارات بالتنقل مع تدخل بشري طفيف. أعادت تلك الوثبة تعريف القيادة وعجلت بالجهود الرامية لتطوير السيارات ذاتية القيادة مثل «وايمو».

كما شهد قطاع الرعاية الصحية التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي، إذ طوّر الباحثون خوارزميات تكتشف الأنماط في بيانات التصوير غير المُدرَكة للبشر. على سبيل المثال، حلّل نظام الذكاء الاصطناعي صور الثدي بالأشعة السينية للتعرف على التغيرات الدقيقة التي تتنبأ بالسرطان، مما يتيح تدخلات مبكرة وربما إنقاذ الأرواح.

في عام 2020، حقق برنامج «ألفافولد» من شركة «ديب مايند» إنجازاً تاريخياً: التنبؤ الدقيق بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية - وهو تحدٍّ أربك العلماء لعقود. يعد فهم انْثِناء البروتين أمراً بالغ الأهمية لاكتشاف الأدوية وأبحاث الأمراض. تستفيد مختبرات «أيسومورفيك لابس» التابعة لشركة «ديب مايند»، من أحدث نماذج «ألفافولد» وتتعاون مع شركات الأدوية الكبرى لتسريع الأبحاث الطبية الحيوية، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة بوتيرة غير مسبوقة.

سرعان ما تبنى قطاع التمويل ابتكارات الذكاء الاصطناعي. نفذت شركة «باي بال» خوارزميات متقدمة للكشف عن الاحتيال ومنعه في الوقت الفعلي، مما يزيد من الثقة في المدفوعات الرقمية. استخدمت شركات التداول عالية التردد خوارزميات لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية. واستخدمت شركات مثل «رينيسانس تكنولوجيز» التعلم الآلي في استراتيجيات التداول، محققة عوائد رائعة. أصبح التداول الخوارزمي الآن يمثل جزءاً كبيراً من حجم التداول، مما يزيد من الكفاءة لكنه يُثير مخاوف بشأن استقرار السوق، كما هو الحال في انهيار عام 2010.

في عام 2014، طوّر إيان غودفيلو وزملاؤه الشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، التي تتكون من شبكتين عصبيتين - المُولّد والمميّز - تتنافسان ضد بعضهما. مكّنت هذه الديناميكية من إنشاء بيانات اصطناعية واقعية للغاية، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لقد أنتجت الشبكات التنافسية التوليدية وجوهاً بشرية واقعية، وأنشأت أعمالاً فنية، وساعدت في التصوير الطبي من خلال إنتاج بيانات اصطناعية للتدريب، مما يعزز قوة نماذج التشخيص.

في عام 2017، قدمت هيكليات المحولات «ترانسفورمر» تحولاً كبيراً في منهجية الذكاء الاصطناعي، مما غيّر بشكل جذري من معالجة اللغة الطبيعية. ابتعدت «ترانسفورمر» عن الشبكات العصبية التكرارية والالتفافية التقليدية. وتعتمد كلياً على آليات الانتباه لالتقاط التبعيات العالمية، مما يسمح بالتعامد الفعال ومعالجة السياقات المطولة.

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

نص بشري يكتبه روبوت

بناء على ذلك، طوّرت شركة «أوبن إيه آي» سلسلة «المحول المُولّد المدرب مسبقاً» (GPT)، وأظهر «جي بي تي – 3»، الصادر عام 2020، قدرات غير مسبوقة في توليد نص يشبه النص البشري مع فهم السياق. على عكس النماذج السابقة التي تتطلب تدريباً محدداً للمهمة، يمكن لـ«جي بي تي – 3» أداء مجموعة واسعة من مهام اللغة مع الحد الأدنى من الضبط الدقيق، مما يُظهر قوة التدريب المسبق غير الخاضع للإشراف على نطاق واسع والتعلم قليل اللقطات. بدأت الشركات في دمج نماذج «جي بي تي» في التطبيقات من إنشاء المحتوى وتوليد التعليمات البرمجية إلى خدمة العملاء. حالياً، تتسابق العديد من النماذج لتحقيق «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI) الذي يفهم، ويفسر، ويخلق محتوى متفوقاً على البشر.

الرحلة من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ25 الماضية هي شهادة على الفضول البشري، والإبداع، والسعي الدؤوب نحو التقدم. لقد انتقلنا من الخوارزميات الأساسية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تفهم اللغة، وتفسر البيانات المعقدة، وتُظهر الإبداع. أدى النمو الهائل في قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والاختراقات في مجال التعلم الآلي إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة لا يمكن تصورها.

بالتطلع إلى المستقبل، يشكل التنبؤ بالـ25 عاماً المقبلة تحدياً كبيراً. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، قد يفتح المجال أمام حلول للتحديات التي نعتبرها مستعصية اليوم - من علاج الأمراض، وحل مشاكل الطاقة، إلى التخفيف من تغير المناخ، واستكشاف الفضاء العميق.

إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا هائلة. ورغم أن المسار الدقيق غير مؤكد، فإن اندماج إبداع الإنسان والذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل غني بالإمكانات. ويتساءل المرء متى وأين قد تظهر شركة «غوغل» أو «أوبن إيه آي» التالية، وما الخير الكبير الذي قد تجلبه للعالم؟