إحالة النائب حبيش إلى التحقيق بجرم «تهديد وتحقير القضاة والقضاء»

TT

إحالة النائب حبيش إلى التحقيق بجرم «تهديد وتحقير القضاة والقضاء»

سلك الإشكال الذي حصل قبل يومين، بين النائب اللبناني هادي حبيش والمدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون مساره القضائي، وشهد تطوراً مهما تمثل بادعاء النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر علي حبيش بجرم «القدح والذم وتحقير القضاء والقضاة والتهديد». وأحال الادعاء الملفّ على قاضي التحقيق الأول في بيروت جورج رزق، لاستجوابه واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه.
وكان حبيش تقدم أمس بدفوع شكلية بواسطة وكيله القانوني المحامي مروان ضاهر، أعلن فيها عدم جواز الادعاء عليه وملاحقته، لكونه يتمتع بحصانة نيابية، وأكدت مصادر متابعة لهذا الملف لـ«الشرق الأوسط»، أن مذكرة الدفوع تعتبر أن «ما ورد في الادعاء الشخصي المقدم ضده سواء من القاضية عون أو من هيئة القضايا في وزارة العدل يتنافى مع الحقيقة». وأشارت إلى أن حبيش جدد في نص المذكرة، أنه «لم يقتحم مكتب القاضية عون بالقوة، ولم يهددها أو يتعرض لها أو للقضاء بأي سوء، وأنه دخل إلى مكتبها كوكيل قانوني لرئيسة مصلحة تسجيل السيارات والآليات هدى سلّوم، التي أوقفتها القاضية عون بتهمة الإثراء غير المشروع والرشوة، من دون أي دليل، عدا عن أنها لم تستحصل على إذن مسبق من وزيرة الداخلية للادعاء عليها وتوقيفها، كما يفرض القانون». ووفق مضمون المذكرة، فإن كل ما أدلى به النائب المدعى عليه، أنه «طالب مجلس القضاء وهيئة التفتيش، بتقويم أداء القاضية عون التي تخالف القانون وتسيء للمحامين ولمهنتهم».
ولم تستجوب المحامية العامة لدى محكمة التمييز القاضية ميرنا كلّاس، النائب حبيش كما كان مقرراً أمس، رغم تبلّغه موعد الجلسة أصولاً. وأشار مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «قرار استدعاء حبيش إلى مكتب القاضية كلّاس، وتسريع وتيرة التحقيق بهذا الملف، مرتبط بضرورة الشروع بالملاحقة ضمن فترة 24 ساعة، كي لا تسقط مهلة الملاحقة بالجرم المشهود». ولفت إلى أن «الدفوع التي تقدّم بها وكيل حبيش، استوجبت إحالة الملف على النيابة العامة في بيروت، وأن يترك لقاضي التحقيق أمر البت بالدفاع الشكلي، وليس النيابة العامة التي لها الحق أن تبدي رأيها كطرف في الدعوى».
وانسجاماً مع قرار مجلس القضاء الأعلى بعدم التساهل تجاه أي إساءة يتعرّض لها القضاء والقضاة، وعدم التغاضي عن أي خلل في أداء أي قاضٍ، شدد المصدر القضائي على أن «أسلوب التهجم على القاضي أياً كان الفاعل ليس مقبولاً، ولا يمكن أن يمرّ من دون محاسبة»، مذكراً بأن «صور الفيديو التي انتشرت عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تظهر بوضوح أن النائب حبيش لم يدخل مكتب القاضية عون لمراجعتها واستيضاحها أسباب توقيف موكلته، بل كان اقتحاماً مدبراً ومخططاً له مسبقاً، بدليل وجود عدد كبير من الأشخاص المرافقين له داخل مكتب القاضية، وتصوير ما يحصل من صراخ وتهديد ووعيد والتلفّظ بكلام نابٍ، واتهامها بالتشبيح وتحويل النيابة العامة إلى كرخانة». وقال المصدر القضائي «إذا ثبت أن القاضية عون أخطأت في توقيف هدى سلّوم، أو تقصّدت توقيفها بخلفية سياسية كما يدعي حبيش، هناك أطر قانونية لتصحيح الخطأ أو لمحاسبتها، لا باعتماد أسلوب لا يليق بآداب مهنة المحاماة، ولا بموقع النائب الذي يمثّل الأمة».
وكان قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة جورج رزق، استجوب هدى سلوم على مدى ثلاث ساعات، بادعاء النيابة العامة ضدها بجرم «الرشوة والإثراء غير المشروع» بحضور وكيلها المحامي مروان ضاهر، وفي نهاية الاستجواب قرر تركها بسند إقامة، وتسلّم ضاهر مذكرة ترك سلوم، وتوجه إلى سجن النساء في بعبدا (جبل لبنان)، الذي أعيدت إليه سلوم بعد استجوابها في قصر العدل في بيروت، واصطحبها إلى منزلها.
ولا تزال تداعيات هذا الإشكال تتفاعل سياسياً وقضائياً وحقوقياً، إذ وجّه رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، انتقاداً لاذعاً إلى زميله والعضو في اللجنة هادي حبيش، وقال في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب «إن ما حدث في النيابة العامة الاستئنافية لا يليق بتصرف مع قاضٍ، ولا بتصرف أحد نواب الأمة»، معتبراً أن «الحادثة المؤلمة بين القاضية عون والنائب حبيش، جاءت لتضع في رأس اللبنانيين طريقة تصرف غير مألوفة وغير مقبولة ولا يمكن أن نمر عليها مرور الكرام».
وأضاف عدوان «من المجلس وكرئيس لجنة الإدارة والعدل، أقدم دعمي لكل القضاة الذين يقومون بعملهم، ولا يمكن للقضاء أن يقوم بدوره وسط ضغوط وتدخل من السياسيين، ولا نقبل بالتدخل بعمل القضاء، ونعطي ثقتنا بمجلس القضاء وبرئيسه لكي يعالجوا هم أي خطأ، لأن المعالجة لا تكون بالتدخل السياسي بل بالقانون والأصول».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».