تستعد بطولة أمم أوروبا لإطلاق أكبر نهائيات موسعة لها في «يورو 2020»، لكن يبدو أن قرار تنظيم البطولة في 12 دولة مختلفة مفتقر إلى المنطق.
تخيل سلسلة من الخرائط الممتدة عبر إنجلترا وأوروبا، بل وربما العالم، تظهر بها بوضوح حدود الدول لكن تختفي منها أسماء البلدان التي عادة ما تكتب بخط أنيق على الخرائط وكتب الأطلس.
والمعتقد أن الكثيرين سيخفقون إذا طلبنا منهم تحديد أسماء مدن بعينها، وربما نعاين أخطاء فاحشة ومثيرة للحرج. ومع هذا، فإن أي شخص يتابع بطولة الدوري الإنجليزي ويحرص على حضور المباريات في الاستاد يعرف بالتأكيد موقع برادفورد وبولتون، وسيشعر بفزع إذا ما دخل وولفرهامبتون واندررز في مواجهة أمام وست بروميتش ألبيون. وإذا لعب ناديه في أوروبا، أو إذا كان من عاشقي المباريات الدولية، فإن هذه النوعية من المشجعين من غير المحتمل أن يشعروا باضطراب إزاء التمييز بين بودابست وبوخارست.
ومن المنتظر أن تتصدر المدينتان العناوين خلال الصيف المقبل بالنظر إلى كون المجر ورومانيا من بين الدول الـ12 التي من المقرر أن تستضيف بطولة «يورو 2020». ويأتي هذا القرار بتوزيع التنظيم عبر عدة دول مختلفة في إطار الاحتفاء بالذكرى الـ60 لانطلاق البطولة. ومع هذا، فإن الابتعاد عن فكرة تركيز البطولة بصورة كاملة داخل دولة واحدة، أو اثنتين بحد أقصى، يحمل في طياته اختيارا رديئا للتوقيت ويوحي من جديد بأن كرة القدم تعيش بمعزل عن مشكلات العالم وهمومه.
المؤكد أن الحشود الغفيرة التي ستتنقل باستمرار عبر منطقة تمتد من باكو إلى بلباو في الطريق نحو مباراة النهائي في لندن، تشير إلى رياضة يتملكها شعور عارم بالتكبر والغطرسة يجعلها لا تأبه بالمشكلات المناخية الطارئة التي يواجهها العالم.
وبخلاف المخاوف المرتبطة بالانبعاثات الكربونية، يبدو أن هذا القرار يفتقر تماماً إلى المنطق، ذلك أنه يأتي في وقت تتصاعد المخاوف من أن بعض المدن الأوروبية تعاني تدفقاً مفرطاً من السائحين. ومع هذا، نفاجأ بقرار تنظيم مباريات داخل ثلاث من أكثر مدن القارة ازدحاماً بحركة السائحين: أمستردام وبودابست وروما.
بالتأكيد، ستكون مثل هذه النوعية من المشكلات أقل بالنسبة لبوخارست، بينما ستبدو الأوضاع مختلفة بمعدل 180 درجة في مدينة باكو. وفي ظل ارتفاع التكاليف وصعوبة الحصول على تأشيرات للدخول، تبدو حركة إقبال السائحين على المدينة ضعيفة ومتقطعة. في الواقع، من النادر استقبال المدينة لزائرين لدرجة أنه يصعب على المرء الحصول على بطاقة بريدية تذكارية تحمل صورة المدينة، ناهيك عن قميص، داخل العاصمة الأذربيجانية التي تبدو معتادة أكثر على استقبال لقاءات لكبار المسؤولين في مؤسسات كبرى مثل «اليويفا».
في الواقع، يحق للمهتمين بقضايا البيئة الشعور بغضب عارم إزاء مثل هذا القرار وما سيترتب عليه من انبعاثات كربونية ضخمة الناجمة عن الطائرات التي ستحمل المشجعين وممثلي وسائل الإعلام ذهاباً وإياباً بين المدن المستضيفة لبطولة «يورو 2020».
في الوقت الراهن على الأقل، من المعتقد أن بعض المشجعين المولعين بكرة القدم والذين ربما لم يتوانوا عن التنديد بأفراد الأسرة المالكة - مثل هاري وميغان - لسفرهم في طائرة خاصة إلى ساحل البحر المتوسط للاستجمام، لن يجدوا غضاضة في غض الطرف عن طيب خاطر اعتياد المسؤولين التنفيذيين بمجال كرة القدم السفر بطائرات خاصة. ومثلما يعرف أي متابع لكرة القدم، فإن رحلة فريق آرسنال الشهيرة لمدة 14 دقيقة من لوتون إلى نوريتش عام 2015 لا تمثل سوى قمة جبل الجليد.
ومع هذا، فإنه بحلول عام 2026 - عندما يجري تنظيم بطولة كأس العالم عبر كندا والولايات المتحدة والمكسيك، وهي دول تشكل في مجملها نحو 14 في المائة من مجمل مساحة الأراضي على الكوكب - ربما يصبح هذا النفاق أقل قبولاً حينها. وحتى أكثر المولعين بكرة القدم ربما يشعر حينها أن نشر مباريات البطولة الأهم في عالم كرة القدم من مونتريال إلى مكسيكو سيتي يمثل ببساطة تجاهلاً لروح العصر السائدة.
وسنعايش لحظات مناقضة تماماً عام 2022 في قطر التي تتباهى باستضافتها «أول بطولة كأس العالم خالية من الكربون»، والتي ستجري كامل فعالياتها في إطار دائرة يبلغ نصف قطرها 31 ميلاً من الدوحة. ومن بين الاستادات الثمانية، تفصل مسافة 3 أميال فقط بين الثلاثة الأقرب لبعضها البعض منها، وتتضمن مسارات معدة للسير وأخرى للدراجات وسككا حديدية خفيفة، الأمر الذي سيتيح للمتفرجين حضور مباراتين يومياً.
وبالنظر إلى أن الاستادات جرى تجميعها من شاحنات يسهل فكها وجاهزة للتفكيك الجزئي أول الكلي وتصديرها وإعادة بنائها داخل دول فقيرة، يبدو أننا أمام مشهد مثالي من الاستدامة البيئية.
ومع ذلك، إذا نظرنا من منظور بيئي بحت، فإن تنظيم بطولة بهذا الشكل الصديق للبيئة في الشرق الأوسط يبدو سابقاً لعصره بقوة، ونموذجاً ينبغي الاحتذاء به في تنظيم البطولات الرياضية عالية الكثافة في القرن الـ21.
ومع هذا، تبقى هناك الكثير من الجوانب السلبية، وبعيداً عن الخلفية الجيوسياسية، فإن شمس شتاء الدوحة ربما لا تروق للبعض. ومع ذلك، فإن ميزة معايشة ثقافة ومشهد جديد تماماً تفوق بالتأكيد فكرة التنقل باستمرار بين مطار وآخر واستاد وآخر.
رغم وجود ستة أشهر متبقية على انطلاق بطولة أمم أوروبا، سيكون على المنتخبات المشاركة في النهائيات استغلال ما يتاح أمامها من وقت بشكل جاد وقوي استعدادا لهذه النسخة الصعبة للغاية.
وتنطلق فعاليات يورو 2020 في 12 يونيو (حزيران) المقبل، ولكن الفترة المقبلة لن تشهد في الروزنامة الدولية سوى توقيتين فقط للمباريات الدولية وذلك في مارس (آذار) المقبل.
ورغم هذا، تستطيع المنتخبات المشاركة في البطولة ترتيب مباريات دولية أخرى في الأيام القليلة التي تسبق انطلاق فعاليات هذه النسخة.
ويجب أن تقدم المنتخبات المشاركة في البطولة قوائم لاعبيها إلى الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) في الثاني من يونيو المقبل. وتنتهي فعاليات الموسم الحالي في بطولات الدوري المحلية الكبيرة بأوروبا في منتصف مايو (أيار) المقبل، فيما يسدل الستار على فعاليات الموسم الحالي لدوري الأبطال الأوروبي بالمباراة النهائية في 30 مايو، ما يعني أن النهائي سيفسد خطة الاستعداد على المنتخبات التي تضم لاعبين في الفريقين المتأهلين لنهائي دوري الأبطال هذا الموسم.
ورغم أن السفر بالداخل والخارج ما يزال واحدا من المتع التي تحملها كرة القدم في طياتها، فإننا نأمل أن تتوصل الأجيال المستقبلية إلى إجماع مفاده أن التنظيم المدمر للبيئة الذي اتسمت به بطولة «يورو 2020» تجربة رديئة لا ينبغي أبداً تكرارها.
تنظيم «يورو 2020» في 12 دولة يؤكد أنانية كرة القدم
الخرائط الممتدة من باكو عبر أوروبا وصولاً إلى إنجلترا تعكس تجاهل المسؤولين لراحة المشجعين والقضايا المناخية
تنظيم «يورو 2020» في 12 دولة يؤكد أنانية كرة القدم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة