مظلوم عبدي ينتقد خطة إردوغان لإعادة سوريين إلى شرق الفرات

التقى الكاتب الفرنسي برنارد هنري ليفي

مظلوم عبدي والكاتب الفرنسي برنارد ليفي شرق الفرات
مظلوم عبدي والكاتب الفرنسي برنارد ليفي شرق الفرات
TT

مظلوم عبدي ينتقد خطة إردوغان لإعادة سوريين إلى شرق الفرات

مظلوم عبدي والكاتب الفرنسي برنارد ليفي شرق الفرات
مظلوم عبدي والكاتب الفرنسي برنارد ليفي شرق الفرات

طالب المجلس المحلي لمدينة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة ومسؤولون بارزون من المجلس الوطني الكردي روسيا الاتحادية بضمان عودة نازحي مدينتي تل أبيض ورأس العين، وإيجاد حلول جذرية لإنهاء الأزمة الإنسانية بعد فرار أكثر من 300 ألف من مسقط رأسهم بعد الهجوم التركي الأخير قبل شهرين، وحمّل مظلوم عبدي روسيا والولايات المتحدة الأميركية مسؤولية منع تغيير تركيبة سكان مناطق شمال شرقي سوريا، واعتبر إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدء العمل على إسكان مليون شخص في مدينتي تل أبيض ورأس العين «أمراً خطيراً جداً يهدف إلى توطين غرباء في هذه المدن».
وعقد عبد الحميد العبد وهيفين إسماعيل من الرئاسة المشتركة للمجلس المحلي بمدينة تل أبيض، والأخيرة إحدى هياكل الحكم المدنية التابعة لـ«الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، اجتماعاً مع قادة عسكريين روس يوم أمس في القاعدة الروسية ببلدة عين عيسى، وكشف العبد: «وجهنا رسالة للحكومة الروسية، حددنا خمسة مطالب رئيسية، وهي: ضرورة إنهاء الاحتلال التركي، وضمان عودة آمنة للأهالي المهجرين، ووقف الانتهاكات بالمناطق المحتلة، ووقف إطلاق النار، وفتح الأوتوستراد الدولي M4»، وضم الاجتماع وجهاء من عشائر المنطقة وشخصيات اجتماعية، وناشدوا روسيا العمل على ضمان إعادة نازحي مدينتي رأس العين وتل أبيض، وأضاف العبد: «المسؤولون الروس أيدوا مطالبنا ووعدت بتنفيذ الاتفاقات المبرمة مع الجانب التركي، هذه الخطوات بمثابة مرحلة أولى تليها عدّة مراحل ستنفذ بالمستقبل القريب، وبدأت بتطبيق أول المطالب بفتح الطريق السريع».
وبحسب الرئيس المشترك لمجلس تل أبيض عبد الحميد العبد، فقد نفذت موسكو أول وعودها بتسيير دوريات على طول الطريق الدولي السريع، وقال: «أجبروا الفصائل المسلحة الموالية لتركيا والجنود الأتراك على التراجع لمسافة 3 كيلومترات شمالي الطريق، لإفساح المجال أمام حركة المدنيين ومرور السيارات والحركة التجارية»، لافتاً إلى أن الطريق العام سيعمل خلال الأيام القليلة القادمة بعد تمركز الشرطة العسكرية الروسية وانتشار القوات النظامية الموالية للأسد في نقاط مراقبة ثابتة بين بلدتي عين عيسى بالرقة وتل تمر بالحسكة.
في سياق متصل عقد وفد من لجنة العلاقات الخارجية للمجلس «الوطني الكردي» المعارض، اجتماعات في العاصمة الروسية موسكو قبل يومين مع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بدعوة من موسكو، وبحثوا التطورات السياسية والميدانية في مناطق شمال شرقي سوريا، وطلبوا وضع آلية أمنة تتيح عودة نازحي مدينتي رأس العين وتل أبيض إلى منازلهم وممتلكاتهم.
من جهة ثانية، عقد مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية، يوم أمس لقاءً مع شيوخ ووجهاء عشائر وشخصيات اجتماعية من مناطق شرقي الفرات، وتحدث عن الاتفاقات الدولية التي عقدت لحماية المنطقة من التوغل التركي وسياسات التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، وأكد التزام قواته بالاتفاقيات المعلنة والاستمرار بحماية السلم الأهلي والتنوع القومي والديني واستقرار المنطقة، وأوضح: «تركيزنا ينصب على وضع مواطني شمالي شرقي سوريا بكافة مكوناتهم في الصورة، وكشف كل التطورات والاتفاقات والتفاهمات المبرمة مع القوى الدولية والسورية».
كما التقى الكاتب الفرنسي برنارد هنري ليفي. وحمّل عبدي، في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع «تويتر»، روسيا والولايات المتحدة الأميركية مسؤولية تغيير تركيبة سكان مناطق شمال شرقي البلاد، وعلق على إعلان الرئيس التركي بدء العمل على إسكان مليون شخص في مدينتي تل أبيض ورأس العين: «إنه أمر خطير جداً يهدف إلى توطين غرباء في هذه المدن، روسيا وأميركا تتحملان مسؤولية منع تغيير ديمغرافية المناطق المحتلة، وندعوهما إلى تنفيذ التزاماتهما ووضع آلية لعودة السكان الأصليين»، على حد تعبيره.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.