عائقان أمام الانتفاضة اللبنانية: المصارف و«حزب الله»

TT

عائقان أمام الانتفاضة اللبنانية: المصارف و«حزب الله»

يرتفع أمام انتفاضة اللبنانيين عائقان عاليان يحولان حتى اليوم دون تحقيق الانتفاضة أهدافها؛ بل دون تحولها إلى قوة تغيير ملموس، ويهددان باضمحلالها وإحباط آمال المنتفضين في الخروج من دائرة الفساد وانهيار المجتمع الجهنمية. هذان العائقان هما الكتلة المصرفية و«حزب الله».
ولئن تراكبت دينامية التعطيل والثورة المضادة عند هذين المكوّنين، إلا إن لكل منهما استراتيجيته في إفشال الانتفاضة وحصارها. تسير الكتلة المصرفية في مسار التجاهل والتعنت والامتناع عن تقديم أي تنازل تشتم منه رائحة التجاوب ليس مع مطالب الشارع فقط بل أيضاً مع المطالب البديهية التي قدمها حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة المنخرط في تعظيم نفوذ المصرفيين منذ عقود. إنها استراتيجية الخمول وتعمد التبلد في انتظار أن تخبو جذوة الغضب وأن تتمكن الجماعة السياسية الحاكمة من تسوّل بعض المساعدات من «محسنين» مجهولين.
في المقابل، يتبنى «حزب الله» استراتيجية حيوية تتمثل في التهديد بعنف ضار على الصنف الذي أظهره حلفاؤه في التصدي لثورة العراقيين وفي قمع انتفاضة الإيرانيين. التلويح بالقوة العارية وبالنزول إلى الشارع، والتوجه إلى الخصوم بتهديدات تصل إلى «التقطيع من خلاف» والصلب، واستضعاف أفراد من خلال التوجه إليهم فيما المقصود هو الجموع التي ينتمي هؤلاء الأفراد؛ سياسياً إليها، تصب في نهاية المطاف في مسعى إنهاء الانتفاضة واستئناف المسار السابق عليها بكل ما فيه من تجاهل للحقيقة التي باتت واضحة وهي أن النموذج اللبناني الاقتصادي - السياسي الذي نشأ مع تأسيس «لبنان الكبير» قبل مائة سنة، قد توقف عن العمل وأصيب بعطب نهائي، غير قابل للإصلاح من دون تغيير جذري وهيكلي.
تنجدل هاتان المقاربتان المعطلتان، بالخمول المصرفي والتهديد المسلح، لتشكلا حبل المشنقة التي تخنق انتفاضة اللبنانيين. فالمصارف باسترهانها المواطنين من خلال منعهم من استخدام أموالهم المودعة لديها، تضيف عبئاً ساحقاً على هموم الحياة اليومية لأكثرية اللبنانيين وترغمهم على الانصراف إلى تسيير أمورهم الآنية وسط حالة من القلق والتوجس من المستقبل. وليس بدعاً أن المصارف التي يشكل السياسيون أكثر من أربعين في المائة من مجالس إداراتها وأصحابها، لا تريد مجرد الاستماع إلى الخطط الإنقاذية التي أعدها بعض من أكفأ الخبراء الاقتصاديين والتي تلتقي جميعها، وبغض النظر عن المدارس الاقتصادية التي صدرت عنها، على ضرورة دفع المصارف الجزء الأكبر من ثمن الأزمة التي تسببت فيها ممارسات مصرفية غير مسؤولة ورعناء حرّكها جشع وقصر نظر أسطوريان. ترفض المصارف كل مقاربة تدعوها إلى أن تكون ما كانت تزعمه طوال الفترة السابقة، أي العمود الذي يحمل الاقتصاد الوطني برمته، وتفضل أداء دور المرابي الذي لا مانع لديه من رؤية الدماء تغطي أرصفة الشوارع بدل أن يساهم ولو بالنزر اليسير في منع الكارثة الواقعة.
ينضم إلى هذا المشهد الكئيب «حزب الله» الذي يزود جمهوره بعدد لا يحصى من نظريات المؤامرة وتهم التخوين والعمالة لكل من يجرؤ على الدعوة إلى تغيير سلوك الجماعة الحاكمة بذريعة أن كل تغيير، مهما كان بسيطاً وعادلاً ليس أكثر من مقدمة للقضاء على المقاومة خدمة للمشروع الأميركي - الصهيوني المناهض لمحور المقاومة الممتد من طهران إلى شواطئ لبنان. وليست كبيرة الأهمية الأدوات التي يلجأ الحزب ومؤيدوه إليها لتحقيق هذه الغاية، ذاك أن الدفاع عن المقاومة، ولو جرى عبر التحالف مع أكثر السياسيين فساداً، يظل هدفاً أسمى ترخص في سبيله أرواح وكرامات اللبنانيين، بعدما أصبح لبنان مطالباً بحماية «حزب الله» وسلاحه، على عكس الخرافة التي روّج الحزب لها منذ تأسيسه عن أنه يتحمل وزر الدفاع عن الوطن؛ حسنةً منه ولوجه الله.
ويبدو لقاء المصارف والمقاومة لقاءً غريباً بين جناحين من أجنحة «القطاع الخاص» ازدهرا على حساب الدولة والمجتمع اللبنانيين. فانقلاب القطاع المصرفي إلى القطاع الوحيد المربح والمستقبل للاستثمارات في العقدين الماضيين بعد إخفاق تجربة إعادة البناء بعد الحرب الأهلية، حمّل اللبنانيين أعباء ديون وفوائد باتت من الأعلى في العالم؛ إذ تبلغ 150 في المائة من حجم الاقتصاد، فيما تقدم المصارف عوائد خيالية لكبار المودعين الذين يشكل السياسيون نسبة وازنة منهم.
من جهة ثانية، تكشف فكرة «خصخصة» الدفاع عن البلاد بإسنادها إلى حزب أهلي مسلح، وتخلي الدولة عن اضطلاعها بمهمة أساسية لها لمصلحة «قطاع خاص مسلح»، عن عواقبها الكارثية في تفكيك الإجماع الوطني حول فكرة الدولة ذاتها والقضاء على محاولات الانتقال من عالم الرعايا والأتباع إلى عالم الشعب المدرك لمصالحه والعامل على تحقيقها وتحصينها.
إنه تحالف فريد لقطاع خاص، ممول ومسلح يحمل هدفاً واحداً: قتل حلم المنتفضين اللبنانيين بوطن أفضل.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».