تأجيل «معرض بيروت للكتاب» ضربة لقطاع النشر في لبنان

سلسلة من المهن باتت مهددة

معرض بيروت للكتاب مستمر منذ 56 عاماً
معرض بيروت للكتاب مستمر منذ 56 عاماً
TT

تأجيل «معرض بيروت للكتاب» ضربة لقطاع النشر في لبنان

معرض بيروت للكتاب مستمر منذ 56 عاماً
معرض بيروت للكتاب مستمر منذ 56 عاماً

«معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» هو منصة رئيسية لكبريات دور النشر اللبنانية، والموعد الذي تبرمج على أساسه أهم إصداراتها، وحفلات توقيع كتّابها. وهو المكان الذي يأتيه الناشرون وأصحاب المكتبات العرب ليتعرفوا على آخر المنشورات وأحدثها، وليتزودوا بحاجاتهم. تأجيل موعد المعرض هذه السنة الذي كان منتظراً في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت إلى 28 فبراير (شباط) من العام المقبل، الذي تم بالتنسيق مع الناشرين، هو أمر غير مسبوق، خلال 56 سنة من عمر المعرض، باستثناء مرة واحدة عام 2008 حين كان ثمة اعتصامات وسط المدينة وتشنجات حالت دون انعقاده. كل آلة الحرب الإسرائيلية التي غزت لبنان تكراراً لم تتمكن من إلغاء لقاء اللبنانيين في ظل هذا الموعد الحميم. الحرب الأهلية بكل شراستها، بقي معرض الكتاب يعاندها وينعقد رغماً عن أنفها، كفعل مقاومة لعنفها ودمويتها. لم يرض «النادي الثقافي العربي» - وهو الجهة المنظمة - حتى في عزّ موجة السيارات المفخخة والاغتيالات في عامي 2005 و2006 أن يخضع لأي ظرف. هذه المرة جاء الخبر صادماً للناشرين قبل المشترين، رغم أن الجميع يعترف بأن الإبقاء على المعرض في موعده، كان سيبدو ضرباً من الجنون.
وفي وقت سابق قال المدير التنظيمي للمعرض د. عدنان حمود لـ«الشرق الأوسط» إن كل الاستعدادات كانت قد أنجزت «لكن ما حصل بعد التحركات الشعبية جعلنا نفكر ألف مرة». والسبب الرئيسي للتأجيل، بحسب حمود، ليس الوضع الأمني أبداً بل «الوضع المالي. وعدم توافر سيولة بين أيدي الناس للشراء. ليس مع الزائر 10 دولارات أو عشرين، كما أن الناشرين يحتاجون للسيولة ليسددوا إيجارات أجنحتهم، ونحن أيضاً نحتاج أموالاً كي نتمكن من استئجار المكان. حيث طلب منا أن ندفع بالدولار، وهذا غير متوفر». ومعلوم أن البنوك اللبنانية باتت تقيّد السحوبات النقدية، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلا الجهة المنظمة ولا الناشرين، يعتقدون أن عقد المعرض سيكون ممكناً. وبالتالي فالإلغاء الكلي وارد جداً.
هذا وضع مستجد يقلق الناشرين الذين باتوا يخشون على قطاع النشر بأكمله، وسلسلة المهن المتعلقة به من طبع وتوزيع وتدقيق وترجمة وغيرها، خاصة أن معرض بيروت كان بحسب رنا إدريس، صاحبة «دار الآداب» منه ينطلق موسم «الدخول الأدبي» العربي، الذي يخبئ له الناشرون أفضل ما عندهم، وعلى شرفه تطبع ثلاثة أرباع كتب العام. وبنتيجة التأجيل تشرح إدريس «سنصدر الكتب التي حضّرناها للمعرض، ولكن على مراحل. حالة تشعرنا بشيء من الفتور وبرود الهمة. وكثير من الحزن، لأن النشر هو واحد من آخر الصناعات التي بقيت صامدة في لبنان». هذا ليس كل شيء، إذ إن بعض الكتب قد لا تبصر النور، أو أنها ستوزع على نطاق ضيق. «فبسبب الرقابة الشديدة في غالبية المعارض العربية، كنا نطبع وفي أذهاننا معرض بيروت، ونترك مسألة المعارض العربية لوقت لاحق، الآن تغير الوضع» تقول إدريس. فمن بين 8 روايات لأليف شافاك لم يفسح في معرض الكويت سوى لروايتين اثنتين فقط. وهذا وضع يتكرر في دول كثيرة.
إحصاء الخسائر، التي تترتب على إلغاء أو مجرد تأجيل معرض بيروت، ليست مالية فقط، بل هي قبل أي أمر آخر معنوية، كما يقول صاحب «منشورات ضفاف» بشار شبارو، الذي يشغل حالياً منصب أمين عام اتحاد الناشرين العرب. «اعتاد الناس منذ عقود أن يلتقوا نهاية شهر نوفمبر وبداية ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة، أي قبل دخول أعياد الميلاد في معرض الكتاب، وأن يشتروا احتياجاتهم. هذه كانت سمة لبيروت لـ56 سنة خلت. والناشرون انطلاقاً من هذا الموعد يحضرون إصداراتهم ويبرمجونها للسنة كلها».
تتفاوت أضرار الناشرين، تبعاً لحجم الدار وطبيعة إصداراتها، وطريقة عملها. فثمة دور تعتمد على البيع خارج لبنان، وبينها ما يعتمد بشكل كبير على السوق المحلية. وبالتالي فهي ليست متساوية في خسائرها، أمام الأزمة الحالية.
«لكن يبقى معرض بيروت بالنسبة للناشر مهماً جداً، وأشدد على ذلك» يقول شبارو. «فهو ملتقى، ومعرض تعريفي بالنتاجات التي نصدرها، ومنه انطلقت حفلات توقيع الكتب العربية. هذا هو دوره الأساسي حين يستقبل ضيوفه من أصحاب المكتبات العرب، وشركات التوزيع الذين يأتونه لاكتشاف الجديد. يبقى هذا المعرض مهماً، مع أن نسبة المبيع تتراجع سنوياً، بسبب ارتفاع سعر الكتاب بالنسبة للعرب، لأن عملتنا مرتبطة بالدولار، وهذه أصبحت سلبية. كما أن تراجع عدد النسخ المطبوعة يرفع السعر أيضاً. كنا نطبع ثلاثة آلاف نسخة، بقي الرقم ينخفض إلى أن وصلنا حد الـ500 نسخة، وهذا حتماً يرفع سعر الكتاب». ويصر شبارو على ضرورة عقد المعرض «لأن بيروت تستحق، والناشر اللبناني يستحق، وخاصة أن هذا الناشر هو أول من أقام معرضاً للكتب في العالم العربي».
«المعارض العربية بشكل عام تراجعت كثيراً في مبيعاتها. لو أخذنا معرض الشارقة مثلاً مع أنه أصبح دولياً، بقي الناشر العربي فيه يعاني من نقص المبيعات. وبالتالي فإن الناشر اللبناني غير قادر على تعويض النقص الذي بتنا نستشعره في بيروت، من خلال مشاركته في هذه المعارض»، يشرح ناصر جروس، وهو ناشر واستشاري لعدد من معارض الكتب العربية والدولية. «حركة النشر تتراجع على المدى المنظور. هناك صعوبة في إصدار كتب جديدة. المطابع تطلب المقابل المالي فوراً، فيما السيولة غير موجودة، وكل ما نريده هو ألا تطول الأزمة. العلاقة التجارية بين الكاتب والناشر والمطبعة، ستتأثر حتماً، بفعل الأزمة المالية».
لكن الناشرة رنا إدريس، ترى أن الصعوبة المادية التي واجهها معرض الكتاب هذه السنة، يجب أن ينظر إلى إيجابياتها أيضاً. إذ إنها تستدعي التفكير في مدعاة دفع مبالغ باهظة لاستئجار مكان، هو بحد ذاته قد يكون من ضمن الأملاك البحرية المخالفة التي يطالب المنتفضون هذه الأيام باستردادها. وهي تطرح فكرة إقامة المعرض في أي مكان آخر لا يرتب أي تكاليف، قد يكون المدينة الرياضية أو أي مساحة شعبية. فالكتاب له ثورته أيضاً، وما يوفره الناشر من بدل الإيجار يحسمه للقارئ من ثمن الكتاب الذي بات سعره مرتفعاً، وهكذا يكون الجميع قد حل مشكلة المال، وانخفض سعر الكتاب. وليست إدريس وحدها من ترى أن الانتفاضة غيرت الأفكار، والرؤية إلى المعرض. رشا الأمير صاحبة «دار الجديد» تعتبر أن المعرض بشكله ومفهومه القديمين قد ولى، ولا بد من التفكير بجديد. وهي تقول: «سمعنا الناس في الانتفاضة وهم يشكون من كل شيء. اعترضوا على نقص الكهرباء والماء والدواء، وسوء الخدمات، لكن أحداً من المعنيين بالكتاب لم نسمعه يعلي الصوت ويتحدث عن خسائر المطابع، وأزمات دور النشر، وما يصيب مهناً كثيرة متعلقة بصناعة الكتاب».
اللبنانيون إذن، ليسوا أمام تأجيل عادي لأبو المعارض، وأقدمها عربياً على الإطلاق. إنهم في مرحلة إعادة نظر، وتقييم جديد لكل ما سبق على ضوء المستجدات المتسارعة.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.