يقول الروائي الأميركي الشهير جوزيف هيلر: «بعض الرجال يولدون بقدرات متوسطة، والبعض الآخر يحقق نتائج متوسطة، في حين تُفرض على آخرين أشياء متوسطة المستوى». وإذا أردنا أن نطبق هذا العبارة على المدير الفني البرتغالي ماركو سيلفا وعمله في الدوري الإنجليزي الممتاز، فأي جزء من هذه العبارة ينطبق عليه؟ هل الجزء الأخير أم الأول؟ أم العبارة بأكملها؟
في الحقيقة، كان من المؤلم رؤية سيلفا وهو يقف بجوار خط التماس وعلامات الحزن ترتسم على وجهه، بينما تهتز شباك فريقه إيفرتون بـ4 أهداف في الشوط الأول من ديربي الميرسيسايد أمام ليفربول على ملعب «آنفيلد».
وحتى عندما كان إيفرتون يحقق الفوز كان الحزن لا يفارق وجهه، لكن في مباراة فريقه أمام ليفربول على وجه التحديد كان يبدو تائهاً، كأنه أدرك أن مهمته قد وصلت إلى نهايتها.
وكان مجلس إدارة إيفرتون موفقاً تماماً في القرار الذي اتخذه بإقالة سيلفا من قيادة الفريق في هذا التوقيت. وإذا نظرنا إلى الوراء قليلاً سوف ندرك أن المسيرة التدريبية لسيلفا غريبة للغاية، والدليل على ذلك أن البرتغالي يعمل في كرة القدم الإنجليزية منذ نحو 3 سنوات، لكن الأندية الثلاثة التي تولى تدريبها إما هبطت إلى دوري الدرجة الأولى، أو وصلت إلى منطقة الهبوط.
وعلاوة على ذلك، لم ينجح سيلفا في بناء فريق قوي أو يحقق نجاحاً على مدار فترات طويلة مع أي من الفرق التي تولى تدريبها، بالإضافة إلى أنه لم يحقق الفوز سوى في 32 مباراة فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز. ورغم كل ذلك، نجح المدير الفني البرتغالي في الحصول على 15 مليون جنيه إسترليني في هيئة رواتب ومكافآت خلال السنوات الثلاث التي عمل فيها في الدوري الإنجليزي الممتاز!
وقد بنى سيلفا المراحل الأولى لسيرته التدريبية على الطموح الكبير مع نادي إستوريل البرتغالي، الذي أنهى فيه مسيرته الكروية لاعباً، قبل أن يعمل به مديراً للكرة ثم مديراً فنياً للفريق الأول للنادي بعد ذلك بـ3 أشهر فقط. وقد اتسمت المرحلة الأولى من مسيرته التدريبية بالاستقالات المفاجئة، والفوز في ذلك الوقت مع نادي أوليمبياكوس على آرسنال بقيادة آرسين فينغر على ملعب الإمارات عام 2015.
وكان سيلفا يتميز بالاهتمام بأدق التفاصيل والذكاء في التغييرات الخططية والتكتيكية التي كان يجريها خلال المباريات. وبعيداً عن ذلك، كان المدير الفني البرتغالي يتسم ببعض الطقوس الخاصة مثل طريقة وقفته المميزة بجوار خط التماس وارتدائه معطفاً رائعاً، والحديث الدائم عن قتاله من أجل الفريق.
لكن سيلفا رغم هذه النتائج السيئة كلف خزينة إيفرتون ملايين الجنيهات، ويكفي أن نعرف أن إيفرتون قد دفع تعويضاً قدره 4 ملايين جنيه إسترليني لنادي واتفورد، تجنباً لفتح تحقيقات في قضية التفاوض مع المدير الفني البرتغالي عندما كان مديراً فنياً لواتفورد عام 2017. وعلاوة على ذلك، حصل سيلفا على تعويض كبير من إيفرتون بعد فسخ تعاقده الذي كان يستمر لثلاث سنوات!
في النهاية، لا يمكن لأي شخص الآن أن يجزم بما إذا كان سيلفا يمتلك قدرات جيدة في عالم التدريب، أو يتنبأ حتى بما كان يفترض عليه أن يقوم به، وما مميزاته التدريبية، وهل تتمثل تلك المميزات في الاعتماد على الضغط العالي في جميع أنحاء الملعب بمجموعة من اللاعبين الذين يبدو أنهم لا يستطيعون تطبيق هذه الأفكار؟
من السهل توجيه الانتقادات لسيلفا في هذا الإطار، خصوصاً عندما نعرف أن هذا الرجل قد لعب في 11 نادياً مختلفاً، وكان يغير ولاءاته بشكل مستمر. لكن تجب الإشارة أيضاً إلى أنه كان ضحية في كثير من الأحيان. لكن لو سألت أي شخص عن رأيه في ماركو سيلفا وهل يعد حقاً مديراً فنياً جيداً، فسوف تكتشف أنه لا يوجد أي شخص قادر على الإجابة عن هذا السؤال.
ويبلغ سيلفا من العمر 42 عاماً، وقد صنع لنفسه اسماً الآن من العمل في الدوري الإنجليزي الممتاز، وقد ينتهي به المطاف للعمل في الصين أو قطر. لكن ماذا عن جمهور إيفرتون، الذي يفكر الآن في خليفة سيلفا، أو حتى من سيأتي بعد خليفته، خصوصاً أن سيلفا قد ترك من خلفه فريقاً مهلهلاً ومفككاً، وهو الأمر الذي سيؤثر بكل تأكيد على مسيرة المدير الفني القادم؟
لقد عين إيفرتون لاعبه السابق دنكان فيرغسون مدرباً مؤقتاً، وقد نجح في اختباره الأول بفوز مثير على تشيلسي 3 - 1 بملعب جوديسون بارك السبت، ليقفز الفريق من منطقة الهبوط إلى المركز 14، ولا يفصله عن صاحب المركز الثامن سوى 6 نقاط فقط. بلا شك أن إيفرتون يضم مجموعة رائعة من اللاعبين، لكن رغم ذلك، خسر الفريق أمام ليستر سيتي في نهاية الأسبوع الماضي، ثم ظهر بشكل سيئ للغاية أمام ليفربول، وهي المباراة التي كان يعتمد خلالها سيلفا على 3 لاعبين في الخط الخلفي، ورغم ذلك كانت هناك مساحات شاسعة في خط دفاع الفريق، وهو الأمر الذي تكرر أمام أي فريق يلعب على استغلال هذه المساحات. وقد أحرز ليفربول 4 من أهدافه الخمسة في هذه المباراة من خلال الاختراق المباشر لخط وسط ودفاع إيفرتون، ووضع الكرة في الشباك بكل سهولة ومن دون أي مقاومة من لاعبي إيفرتون، وهو الأمر الذي يجعل المشاهد يشعر بأن الفريق لم يكن يلعب بخطة واضحة ومتماسكة.
من المؤكد أن سيلفا يتحمل مسؤولية ذلك، لكن من الذي يتحمل المسؤولية عما حدث لسيلفا أيضاً؟ ومن يتحمل مسؤولية وصول الفريق إلى هذه المرحلة، رغم أنه أنفق 450 مليون جنيه إسترليني على التعاقد مع لاعبين جدد؟
والآن، هناك حديث عن انقسام داخل مجلس إدارة النادي بشأن المدير الفني الذي يجب التعاقد معه لقيادة الفريق في المرحلة المقبلة، وبشأن الطريقة التي يجب أن يلعب بها الفريق، لكن ذلك يعتمد في المقام الأول والأخير على نوعية اللاعبين الذين يضمهم الفريق. هل سيستمر دنكان فيرغسون أحد أساطير النادي الذي قدم عرضاً مقنعاً لفريق ظهر بشكل متواضع خلال الهزيمة المذلة 5 - 2 في قمة المدينة أمام ليفربول الأسبوع الماضي. فيرغسون أعرب أنه منفتح على عرض الإدارة رغم أنه مؤمن بأنه يؤدي مهمته المؤقتة لإنقاذ فريق يحمل له كل الحب.
وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن إيفرتون قد ضم معظم اللاعبين الحاليين قبل تعيين مارسيل براندس في منصب مدير الكرة تمهيداً للتعاقد مع سيلفا. وكانت أبرز صفقة أبرمها براندس هي التعاقد مع المهاجم الإيطالي الشاب مويس كين، مع العلم بأن وكيل أعماله هو صديق براندس، مينو رايولا، الذي ما زال يقوم ببعض الصفقات للنادي وتربطه علاقة جيدة مع سيلفا.
ويرى البعض أن الحل كان يكمن في الصبر على سيلفا ومنحه الوقت اللازم للعمل مع هذه المجموعة من اللاعبين، لكن إيفرتون اختار الحل الأسهل وهو إقالة المدير الفني البرتغالي. الآن يتعين على إيفرتون أن يقوم بتغيير أكبر من مجرد الإطاحة بسيلفا أو الإبقاء على فيرغسون!
ماركو سيلفا... الرجل اللغز في عالم التدريب
المدير الفني الإسباني عمل مع 3 أندية بالدوري الإنجليزي ولم ينجح في بناء فريق قوي واحد
ماركو سيلفا... الرجل اللغز في عالم التدريب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة