«المنطقة الخضراء» تشق المحتجين... وتحمي نفسها

متظاهرو بغداد حالوا دون اقتحامها من قبل رفاقهم القادمين من المحافظات

TT

«المنطقة الخضراء» تشق المحتجين... وتحمي نفسها

مرتان في غضون شهرين تتسابق الطبقة السياسية العراقية مع الأجهزة الأمنية في رفع حالة الإنذار القصوى إلى الدرجة ج. المرة الأولى بعد تأجيل المظاهرات، التي انطلقت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد أسبوعين من انطلاقها، إلى ما بعد زيارة الأربعين وبالذات إلى يوم 25 من شهر أكتوبر.
كان ذلك اليوم يلي يوم زيارة الأربعين في مدينة كربلاء والتي يحييها سنويا ملايين الشيعة من العراق والعالم الإسلامي. كانت المخاوف على أشدها من أن يتسبب حضور هذه الملايين بانفجار الأوضاع إما باستغلالها من قبل «تنظيم داعش» لأهداف تخريبية وإما من قبل أطراف في المظاهرات بهدف تفجير الأوضاع الهشة في البلاد. مر يوم الزيارة بانسيابية عالية وتنفس رئيس الوزراء عادل عبد المهدي (استقال فيما بعد) وباقي أبناء الطبقة السياسية من رئاسات ونواب وزعامات الصعداء بانتظار اليوم التالي. وحين حل 25 أكتوبر بدا أن الأمور لم تخرج عن السيطرة برغم الزيادة الملحوظة في أعداد المتظاهرين واتساع نطاق المظاهرات وتحولها إلى احتجاجات مفتوحة بل إلى انتفاضة جماهيرية وهناك من بدأ يصنفها على أنها ثورة. وفيما كان الارتباك سيد الموقف خلال الموجة الأولى من الاحتجاجات مثل منع التجوال وقطع الإنترنت، فإن الموجة الثانية من الاحتجاجات وإن كانت أكبر بكثير فإنها كانت أقل عنفا ولم يمنع فيها التجوال في بغداد حصرا مع حظره أحيانا في بعض المحافظات أو الأقضية في منطقتي الوسط والجنوب من البلاد. الإنترنت شهد ساعات قطع مبرمجة لأيام ومن ثم عاد إلى ما كان عليه. استقرت الأوضاع تماما في ساحة التحرير التي تعد أيقونة احتجاجات العراق. تحولت الحياة فيها إلى أشبه بإدارة ذاتية لا سيما بعد قيام المتظاهرين بتأهيل بناية «المطعم التركي» التي أطلقوا عليها «جبل أحد». وبعد أيام استولى المتظاهرون على ساحتي الخلاني والسنك في معارك كر وفر على جسري السنك والأحرار المحاذيين لجسر الجمهورية الذي شهد هو الآخر معارك كر وفر بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب. هدف الجميع سواء في التحرير حيث جسر الجمهورية أو الخلاني حيث جسري السنك والأحرار هو «المنطقة الخضراء» التي عادت إلى التحصين ثانية بعد أن أمر عبد المهدي بفتحها عادا ذلك من بين أبرز إنجازات حكومته في عامها الأول الذي لم يستمر.
المرة الثانية التي تسابقت فيها الطبقة السياسية العراقية مع الأجهزة الأمنية في رفع درجة الإنذار إلى الدرجة (ج) كانت أمس الذي صادف ذكرى الانتصار العسكري على «تنظيم داعش». فقبل نحو أسبوعين بدأت جهات تروج لما أطلقت عليه «ركضة طويريج» وهي طقس شيعي في يوم الأربعين ينطلق من مدينة طويريج من أقضية كربلاء إلى قلب المدينة حيث تجري هناك ذكرى طقوس واقعة الطف الشهيرة التي انتهت بمقتل الإمام الحسين وأهل بيته. المقصود بـ«ركضة طويريج» الجديدة هي تنظيم حملة كبرى لمتظاهرين من مختلف محافظات الوسط والجنوب باتجاه ساحة التحرير وسط بغداد لتكوين زخم بشري هائل يهدف إلى العبور إلى المنطقة الخضراء حيث مقرات الحكومة والبرلمان وكبار المسؤولين وعدد من كبريات السفارات الأجنبية في المقدمة منها السفارة الأميركية. اقتحام الخضراء أو حتى العبور إلى جانب الكرخ من بغداد حيث السفارة الإيرانية كان من أولويات المظاهرات خلال الموجات الأولى من انطلاقتها قبل أن تنجح القوات الأمنية في توفير أسيجة حماية لها بالإضافة إلى استخدام قوة مفرطة أدت إلى قتل المئات وجرح عشرات الآلاف. القضية هنا لم تسجل ضد مجهول بل ضد تسميات مواربة مثل «المندس» أو «الجوكر» أو «الطرف الثالث». آخر بروفة لوقيعة عرف من خلالها المتظاهرون أن هناك نية مبيتة لإنهاء المظاهرات بالقوة هي «موقعة السنك» التي اختلفت الروايات بشأن من نفذها أو أعداد ضحاياها. الأهم بالنسبة للمظاهرات في ساحة التحرير أنها بدأت، من وجهة نظر منظميها الذين لم يتمكنوا حتى الآن من الكشف عن أسمائهم أو هوياتهم، تحقق الكثير من أهدافها لكن تريد المزيد. فالحكومة استقالت والبرلمان شرع قانون مفوضية الانتخابات على وفق مقاييس جديدة تماما وسوف يشرع غدا أو مطلع الأسبوع المقبل قانونا جديدا للانتخابات. السلطة القضائية وهيئة النزاهة اتخذت إجراءات مهمة لمحاربة الفساد وهو ما لم يمكن حصوله طوال الستة عشر عاما الماضية.
نجحت «الخضراء» في توفير سياج حماية لها أمس لكن ليس من قوات الأمن أو مكافحة الشغب أو الجيش المنتشر عند مداخلها الأربعة بل من قبل المتظاهرين أنفسهم ضد زملائهم من المتظاهرين القادمين من المحافظات. ولم يعد الخلاف على «الخضراء» بل على الهدف النهائي للاحتجاجات وهو محاسبة الطبقة السياسية عن طريق ما هو سلمي بالنسبة لمتظاهري ساحة التحرير ومحاسبة جهات وأطراف سياسية أو حزبية من قبل المتظاهرين الوافدين من محافظات أخرى وضعوا لمسيرتهم نحو بغداد هدفا ذا رمزية دينية وهو نصرة الإمام الحسين عبر «ركضة طويريج» لكن مسيرتهم لم تنجح في تحقيق الهدف الذي ينبغي أن يكون مشتركا لكل المنتفضين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.
«الخضراء» هي التي نجحت في تسييج نفسها بسياج جديد أقامه متظاهرون ضد متظاهرين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.